صفحات العالم

عن حديث الأسد..


إيلي فواز

هناك عدة مفارقات في حديث الاسد الاخير لقناة “اي بي سي” الاميريكية، اولها مرور الصحافة السورية المرئية والمكتوبة عليه مرور الكرام، وكيف لا، وهنا المفارقة الثانية وهي ركيكية تعج بكم هائل من التناقض في المضمون وغير منطقية وصولا الى حد المهزلة، كاعترافه في المقابلة مثلا بان سوريا ديكتاتورية لكنها تعمل بوحي وارادة الشعب، ثم اعلانه ان عدد القتلى الموالين للنظام السوري يفوق بكثير عدد قتلى المتظاهرين. ولا نقول ان ما سبقها من مقابلات للرئيس الاسد كانت منطقية، انما كانت تبدو اكثر تماسكا، ولعل الضعف هذا يعكس حالة تصدع داخل النظام.

يكتشف المتابع لحديث الاسد ان سوريا مستقرة وان كل ما يجري مجرد اضطرابات عابرة وان المقاتلات التي قصفت احياء في حمص وغيرها من المناطق، او البارجات التي دخلت المعركة، او الدبابات المنتشرة في ارجاء سوريا، تقوم بتدريبات استعدادا لتحرير الجولان ليس الا، وان القمع غير موجود وان المعتقلين الذين يزيد عددهم عن عشرة الاف سجين حسب احصاءات غير رسمية مجرد رهائن بيد الارهابيين وان طرد الاب الايطالي ديل اوليو من سوريا التي سكنها عشرات السنين يدخل في اطار الاصلاح والانفتاح التي اطلقها النظام.

ويؤكد الاسد في سياق المقابلة ان كل العقوبات المفروضة على سوريا ليس لها تاثير على الاوضاع المعيشية او الاقتصادية، وان كل الدول التي تتنتقد ممارسات النظام البعثي لها اجندتها الخاصة، على اساس ان سوريا الاسد كانت تعمل في كل من لبنان وفلسطين والعراق بدوافع محض انسانية.

حديث الاسد لا يكتمل من دون ذكره الفزاعة الاسلامية التي تنتظر بفارغ الصبر رحيله حتى تعيث فسادا في منطقتنا. طبعا القاعدة نفسها التي يتحدث عنها الرئيس السوري والتي وجدت فيها ملاذا امنا لنشاطاتها في العراق او شمال لبنان كما مع “فتح الاسلام”، لم تكن تشكل خطرا على المنطقة حينها.

باكورة المقابلة تكمن في اعلان الرئيس الاسد عدم تحمله اية مسؤولية في قتل المتظاهرين، لانه ليس “بمالك البلاد”. المحامي المعارض لنظام البعث والسجين السياسي السابق انور البني فضح زيف الادعاء هذا عندما تلا المواد القانونية في الدستور السوري التي تؤكد ان الاسد هو مالك البلاد وهو المسؤؤل عن الجرائم التي ترتكب بحق الشعب السوري، لانه بكل بساطة “يضع، اي الرئيس، سياسة الدولة ويشرف على تطبيقها (المادة 94)، ويرأس السلطة التنفيذية ويمارسها نيابة عن الشعب (المادة 93)، وهو القائد العام للجيش والقوات المسلحة ويصدر جميع الأوامر والقرارات (المادة 103)”.

والسؤال ما سر توقيت المقابلة تلك؟ وما سر اختيار محطة اميريكية بالذات؟ وما سر تنصل الرئيس الاسد من عملية القتل الممنهجة في سوريا؟ وما معنى تحميل مسؤولية اعمال القمع للحكومة؟ هل تفجرت الخلافات بين اركان نظام البعث على خلفية استمرار الانتفاضة بالرغم من وحشية القمع؟ هل بدء يتسلل الخوف ويساور الشك عقول طغاة الشام بقرب سقوط مملكة الاسد؟

ام تراها رسالة يلمح من خلالها الرئيس الاسد بقبوله عرضا يقال تقدمت بها دول خليجية لتأمين لجوئه السياسي اليها؟ ام تراه يحضر مرافعته امام المحاكم الجنائية الدولية في حال وقع في شباكها وواجه تهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية؟

كل الاحتمالات واردة طبعا، ولكن شيء واحد تسرب من تلك المقابلة الغريبة: الرئيس الاسد في وضع غير مريح، وقد يكون النظام نفسه، اذا ما احس ان رئيسه يحضر لترك سفينة البعث الغارقة، يحضر له مصير مشابه لذلك الذي واجهه غازي كنعان او محمود الزعبي قبله…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى