عن شراسة العنف “الافتراضي”
جهاد الزين
ما يثير الاهتمام في الحادثة التي وقعت الأسبوع الماضي في بلدة القلمون المجاورة لمدينة طرابلس مع الفنان السوري دريد لحّام عندما قامت مجموعة في البلدة بالاعتراض على الفنان لحّام خلال تصويره لعمل جديد تحت شعار أنه مؤيّد للنظام السوري… ما يثير الاهتمام ليس الحادثة نفسها التي يمكن أن تقع مع أيٍ كان من الفنانين – إذا افترضنا أنها عفوية – حتى مع فنان من حجم دريد لحام هو أحد أكبر كوميديّيْن أنتجهما التلفزيون والسينما العربيّان في نصف القرن الماضي بكامله إلى جانب الفنان المصري عادل إمام.
… الذي يثير الاهتمام أكثر ليس الحادثة – وهي صغيرة بحد ذاتها – وإنما موجة الترحيب التي قابل بها العديد من المدوّنين والفايسبوكيين والتويتريين اللبنانيين والسوريين هذه الحادثة بروح من التحقير والشماتة ضد شخص دريد لحام بسبب ما يُنقل عن موقفه المؤيد للنظام السوري في الثورة – الحرب الجارية في سوريا قربنا وحولنا، ونسبيا عندنا، في لبنان.
هكذا ينضمُّ دريد لحام أو الشهير بالشخصية الرائعة “غوّار الطوشي” ومن معها من شخصيات مهمة في ذلك المسلسل الذي شاهدتُ بأمِّ العين ازدحام المشاهدين العرب في “لوبي” الفندق أمام شاشة التلفزيون سعداء لمتابعته، مرةً في البصرة العراقية ومرة ثانية في تونس المغاربية مخترقا بظرافته المناطق واللهجات… هكذا ينضمّ إلى مسلسل التنكيل الذي تعرّض له مبدعون كبار في مجالاتهم مثل الروائي نجيب محفوظ الذي أيّد مبادرة الرئيس أنور السادات للسلام مع إسرائيل و عادل إمام الذي بقي متعاطفا مع الرئيس حسني مبارك حتى إسقاطه، هذا دون الحديث عما هو أبشع من محاولات اغتيال هنا وهناك. وعادل إمام هو اليوم في المقدمة من المعركة الهائلة التي عاد يخوضها الليبراليون والعلمانيون المصريون ضد محاولات الهيمنة الأصولية والسلفية التكفيرية. وهو بدأ هذه المواجهة مبكرا سنواتٍ قبل سقوط نظام مبارك وانطلاقا من تمثيل تراث ليبرالي مصري معاصر ضد التعصب الديني يتجاوز عمقُ التزامه وإبداعِه مجرّدَ تقاطعِ موقفهِ مع مصلحة النظام السياسية يومها.
وإذا كان مؤيِّدو النظام السوري في السابق قد برّروا طويلا، ولازالوا، ظواهرَ القمع البوليسي أو تغاضوا عنها – وبعضهم من هم في صفوف الثورة الآن- فإن الحملات التي تُشنّ على فنّانين ومثقفين سوريين لمجرد تمايز مواقفهم لا تبشّر بمسار ديموقراطي للثورة السورية لسنا في مجال مطالبة التطرف التكفيري به وإنما نطالب به اللاأصوليين الرافعين للشعار الليبرالي.
“العالم الافتراضي” على الفايسبوك والتويتر هو أكثر واقعية من واقعة القلمون!
النهار