“عن مصير الأسد” مقالات مختارة
قل لي من صديقك ـ أقل لك من أنت!/ بوعز بسموت
قبل سنتين بالضبط، في ايلول 2013، شبه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بشار الاسد بادولف هتلر، بعد أن استخدم، مرة اخرى، السلاح الكيميائي ضد أبناء شعبه. «هذه لحظة ميونخ خاصتنا»، قال كيري في حينه.
تلك كانت ايام اجتاز فيها الاسد، من ناحية الأمريكيين، خطا أحمر. كما أنها كانت ايضا أيام (ساعات فقط عمليا) اعتقدت فيها واشنطن بان الامتناع عن الرد ضد الاسد سينقل رسالة غير صحية لإيران وتطلعاتها النووية. وتساءل كيري في حينه قائلا: «ماذا ستقول إيران إذا تراجعنا عن نيتنا؟». ما كان الخطاب الاكبر لكيري أصبح، في منظور تاريخي، خطابا منقطعا عن الواقع. فالولايات المتحدة لم تهاجم، والاسد نجا، ومع إيران وقع اتفاق نووي مهدد. ولا غرو أن مناخا جديدا يسود في المنطقة برعاية أمريكية. لا أخيار ولا اشرار: الكل شركاء. والاسد، بفضل الواقع الجديد، يتلقى رخصة للحكم بعد أن تلقى رخصة للقتل.
واشنطن تتباحث مع روسيا، التي تساعد علنا سوريا، التي تتعاون مع إيران، التي تدعم حزب الله. وبالتوازي اوروبا، المفزوعة من أزمة اللاجئين، باتت مستعدة لان تعود وتتباحث مع الاسد (انجيلا ميركيل). ذاك الذي كان حتى قبل سنتين هتلر. وماذا عنا، بحق الجحيم؟
كل الامور الذي خشيتها إسرائيل تتحقق، لاسفنا. واشنطن تستقيم على الخط مع الواقع الجديد في الشرق الاوسط، بدلا من أن تكون مهندسة وتحاول التأثير على تصميمه. روسيا، سوريا وإيران تتمتع بالفراغ الناشيء. وعندما يغيب القط عن البيت، فان كل الفئران تخرج من الثغور. وها هو فجأة حتى حسن نصرالله يسمح لنفسه بان يستمتع. ففضلا عن 75 دبابة تنقلها له دمشق، فانه يرى فجأة كيف أن سيديه (طهران ودمشق) يصبحان شريكين للغرب، دون أن يتغير على الاطلاق.
لا فراغ سياسي
كل التطورات الاخيرة في سوريا غير مشجعة: الاسد، مع روسيا، سيهاجم بداية تنظيم الثوار جبهة النصرة، الذي وان كان يهدد الاسد إلا أنه عمليا عدو مرير لداعش أيضا. بتعبير آخر: في المرحلة الاولا حتى داعش، للمفارقة، قد يكسبون من التدخل الروسي.
وكلمة أخيرة عن التقارب بين إيران والاسرة الدولية. قالوا لنا ان هذا مجرد اتفاق نووي. اما عمليا فنحن نرى تعاونا في العراق بين الولايات المتحدة وإيران في الحرب ضد داعش، وحوار أمريكي ـ إيراني بالنسبة لمستقبل سوريا، وأمس انكشفت ايضا صفقة كبرى من 21 مليار دولار بين إيران وروسيا. هذه المرة أنا ملزم بان اتفق مع وزير الخارجية الأمريكي كيري: هذه حقا تبدو كلحظة ميونخ.
إسرائيل اليوم 27/9/2015
القدس العربي
الأسد هو الحل؟ فليتوقف عن مهاجمة المدنيين
يجب أن يكون وقف فظائع الأسد وجماعات أخرى على رأس جدول أعمال أي مفاوضات
الحاجة إلى التفاوض مع قادة دول ببشاعة الرئيس السوري بشار الأسد هي واقع دبلوماسي مؤسف. لكن على قادة الدول الغربية الحرص على عدم الخلط بين تلك الضرورة، والفكرة التي تروج لها روسيا بشأن عدم إمكانية حل الأزمة السورية إلا إذا بقي الأسد في السلطة. عليهم كذلك ألا يُصدقوا أن الدور الحالي للأسد هو السبيل الوحيد لمنع انهيار الدولة السورية، وحماية التنوع في المجتمع السوري.
سعى فلاديمير بوتن طويلا إلى تقديم الأسد باعتباره متراسا ضد المجموعة التي تسمي نفسها “الدولة الإسلامية”. إلا أن الأسد، بغض النظر عن كونه أحد عوامل الاستقرار أو الحلول في مواجهة تهديد “داعش” لحقوق الإنسان الأساسية، هو عامل رئيسي في ظهور الجماعات المُتطرفة في سوريا.
في الأيام الأولى للانتفاضة السورية من يوليو/تموز إلى أكتوبر/تشرين الأول 2011، أفرج الأسد عن عدد من الجهاديين من السجون كانوا قد حاربوا في العراق، واستمر العديد منهم في أدوار قيادية داخل المجموعات الإسلامية المُتشددة. جاء الإفراج عنهم في إطار عفو أوسع نطاقا، إلا أن الأسد أبقى من يُساندون الانتفاضة السلمية في السجن.
أسهم هذا الإفراج في تغيير طبيعة الانتفاضة السورية من كونها، إلى حد بعيد، ذات ذات أهداف ديمقراطية، إلى حركة تقع تحت سيطرة الجهاديين. مكّن هذا التحول الأسد من صرف الانتباه عن دوره الشرير إلى مزاعمه عن حتمية وجوده في السلطة لمُحاربة داعش.
منذ أن أصبحت داعش قوة لا يُستهان بها في أعقاب استيلائها على الرقة في 2013، حرصت قوات الأسد إلى حد بعيد على تحاشي مواجهتها. تصاعدت وتيرة الصراع بين القوتين منذ صيف 2014، إلا أن الأسد، بشكل عام، ترك داعش وشأنها لعدة أشهر في فترة حرجة، وسمح لها بتوطيد أركان “خلافتها”. بدلا من مواجهة داعش، ركز الأسد نيران قواته العسكرية على عناصر أخرى من المُعارضة المُسلحة.
الأكثر أهمية هو أن الفظائع التي ارتكبها الأسد أدت إلى ازدهار التجنيد في صفوف لداعش، وغيرها من الجماعات المُتطرفة. اتسمت الحرب السورية بقُبح يفوق التصور، لأن الأسد اختار أن يخوضها ليس عبر استهداف المُقاتلين المُعارضين ببساطة – وهو جوهر الحروب بحسب اتفاقيات جينيف – ولكن عبر شن هجمات عشوائية ضد المدنيين في الأراضي التي تسيطر عليها المُعارضة.
تراوحت الأدوات التي استخدمها من حرمان المدنيين من الطعام والرعاية الطبية، إلى قنابله البرميلية سيئة السمعة. كانت النتيجة دمار شامل لمساحات واسعة من الغوطة، وحلب، وإدلب، ودرعا، وغيرها من المناطق التي تسيطر عليها المُعارضة. هذه الحرب ضد المدنيين هي السبب الرئيسي لفرار اللاجئين السوريين، فبسببها لا يستطيع كثيرون منهم العثور على مكان آمن داخل بلدهم.
الهدف الواضح لاستخدام الأسد إستراتيجية جرائم الحرب هو إخلاء المناطق التي تسيطر عليها المُعارضة من السكان، وتوجيه رسالة إلى السوريين الآخرين بأنهم سيتعرضون للهجوم كذلك إذا ما انتصرت المُعارضة في أحيائهم. تجعل الفوضى والفراغ نتيجة الهجمات من السهل على داعش، وغيرها من الجماعات المُتطرفة، تجنيد المقاتلين عبر الادعاء أنها وحدها القادرة على التصدي بفعالية لتلك الفظائع الجماعية.
تبدت الكراهية للأسد بوضوح حين واجهت الولايات المتحدة صعوبة في محاولة تجنيد أشخاص للقتال ضد داعش وحدها.
بالفعل، ربما كان الغضب الناجم عن الطريقة التي يتبعها الأسد في خوض الحرب هو التهديد الأكبر للدولة السورية. هيكليات الحكم في الدولة تختلف عن نظام الأسد الذي يُسيطر عليها حاليا، لكن كلما طالت المدة التي يستخدم فيها الأسد وحاشيته قوة الدولة في ذبح المدنيين، كلما قل عدد من يميزون هذا الاختلاف. من شأن انهيار الدولة، بدلا من انتقال مُنظم للنظام الحاكم، أن يكون كارثيا.
إنهاء هجمات الأسد المنهجية ضد المدنيين هي السبيل إلى أي إستراتيجية واقعية لاحتواء داعش وإعادة بناء النسيج الاجتماعي، الذي يُعتبر جوهريا في مواجهة التطرف والحفاظ على استمرارية الدولة السورية. ونظرا إلى العداء الناجم عن تلك الهجمات، ربما كان وقفها شرطا أساسيا كذلك لإجراء أي مُحادثات سلام ناجحة.
ومما يدعو للأسف أن روسيا وإيران، أبرز مؤيدي التعامل مع الأسد، لم يُمارسا أي ضغوط ملموسة لوقف هذه المذبحة. بل على العكس، عارضت روسيا مُضاعفة الجهود في مجلس الأمن التابع للأمم المُتحدة من أجل الحد من استخدام الأسد للقنابل البرميلية.
حان الوقت لنتوقف عن إشاحة نظرنا عن هذه الجرائم المُروعة. يجب أن يكون وقف فظائع الأسد وتلك التي ترتكبها جماعات أخرى، على رأس جدول الأعمال في أي مفاوضات.
* كينيث روث المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش
المصدر | كينيث روث | الغارديان – ترجمة هيومن رايتس ووتش
“سورية المفيدة” مصلحة عليا لإسرائيل/ ماجد الشيخ
تتفق مصادر عديدة للمعلومات وسياسيون في إسرائيل على أن نظام بشار الأسد في سورية، أو ما تبقى منه ومنها، من قبيل “سورية المفيدة”، بحسب ما قد تؤول إليه الأمور في اليوم التالي من توقف الصراع في سورية وعليها، او استمراره، هو الأكثر إفادة للأمن الإسرائيلي. فعلى مسافة أيام من بدء زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وفي أجواء تكثيف التدخل العسكري الروسي، أكد مقربون من نتنياهو على ضرورة بقاء نظام الأسد في سورية في هذه المرحلة، حيث بات يُمثِّل، بحسب تعبيرهم، “مصلحةً قوميةً عليا لإسرائيل”. وأن “الأسد أفضل الخيارات الممكنة لنا، على الرغم من أنه سيسقط في نهاية الأمر”.
انسجاماً مع هذا الموقف، يقول الباحث في شؤون الأمن القومي الإسرائيلي، أودي عيلام، في مقال نشره موقع “واللا” العبري: “إنه بات في حكم المؤكد أن على إسرائيل أن تعمل كل ما في وسعها من أجل الإبقاء على نظام الأسد”. وفي مقال تحليلي نشرته صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، كتب ألون بن دافيد أن “الدعم الروسي للأسد يمكن أن يخدم مصالح إسرائيل؛ لأنه يمكن أن يجلب الاستقرار لسورية، وهذا أفضل سيناريو لإسرائيل”. وفي اختزال لأهداف زيارة نتنياهو موسكو، والتدخل الروسي المكثف في سورية، خلص رون بن يشاي في “يديعوت أحرونوت” إلى أن “نتنياهو لا يذهب بأيادٍ فارغة، فمجرّد اللقاء نفسه يشكّل اعترافاً إسرائيلياً بالدور الروسي المتنامي في المنطقة، وهو ما يخدم تطلعات روسيا للاعتراف بها قوة عالمية، تقابل قيمتها مكانة الولايات المتحدة”. وتوقع بن يشاي أنه “إذا تم التوصل إلى تفاهمات مع موسكو، سيكون الوجود الروسي في سورية الصغيرة إيجابياً، ومساعداً لتثبيت الاستقرار، وحتى منع نشوب حرب، ناهيك عن أن المصلحة الإسرائيلية الحالية تكمن في أن يستمر القتال في سورية، والوجود الروسي هناك سيضمن هذا الأمر”.
ويمكن الإشارة، هنا، في هذا المجال، إلى أن مسؤولين إسرائيليين كانوا قد أكدوا، في وقت سابق، أن “ثمة تنسيقاً بين موسكو وتل أبيب بشأن عدد من الملفات، من دون إبلاغ إسرائيل بطبيعة الأنشطة الروسية في سورية”. وهذا يعني، بحسب مراقبين، أن “زيارة نتنياهو موسكو ستشهد طرح آليات التنسيق العسكري والاستخباراتي بين البلدين، خصوصاً مع تقارير تتحدث عن تحجيم القوات الروسية الدور الإيراني في سورية نسبياً، أي أن الحديث ربما يجري عن صفقة روسية إسرائيلية، بغطاء أميركي، بشأن توزيع الأدوار في سورية”.
ومنذ الكشف عن التدخل العسكري الروسي، واعتزام موسكو إقامة قواعد عسكرية في سورية، وإرسال قوات كبيرة للقتال إلى جانب النظام والقوى الموالية له، بدا أن تل أبيب بصدد فقدان الميزات التي امتلكتها منذ بدء الحرب الأهلية في سورية. وتمثلت الإشكالية الأولى بالنسبة لإسرائيل، في أن ثمة احتمالات شبه مؤكدة بزيادة فرص التنسيق بين القوات الروسية والقوى الموالية للنظام السوري، وفي مقدمتها حزب الله وقوات بقيادة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، فضلاً عن العراقيل العديدة التي يضعها الوجود الروسي أمام إمكانية شن سلاح الجو الإسرائيلي غارات مماثلة للتي نفذها في الشهور الأخيرة، مستهدفاً شخصيات تابعة للحرس الثوري وحزب الله، أو شحنات أسلحة في طريقها إلى الأخير في لبنان.
وتأكيداً لمسألة التنسيق الثنائي المشترك، كشفت صحيفة معاريف الإسرائيلية، في السابع عشر
“الاستخبارات الإسرائيلية تعتقد أن معدل نشاط الجيش الروسي سوف يتغير، عندما يكثف “المتمردون” السوريون الهجمات على القوات الروسية، ويكبدونها خسائر في الأرواح” من سبتمبر/أيلول الماضي، عن وجود تنسيق بين اسرائيل وروسيا، فيما يخص الوجود العسكري الروسي في سورية. وكتب فيها ألون بن دافيد إن إسرائيل لا ترغب في منع روسيا من التدخل في سورية، بل تُنسِّق معها فقط، موضحاً أن مساندة روسيا نظام الأسد تصبُّ في مصلحة إسرائيل. وبيَّن المحلل العسكري بن دافيد أن السلاح الروسي متوفر في سورية منذ سنوات، لكن الجديد أن منظومة السلاح سيشغلها جنود روس، ما يتطلب تنسيقاً، ليس مع إسرائيل فقط، بل حتى مع دول التحالف، لتجنُّب اشتباكات غير مرغوب فيها. وأكد بن دافيد أن روسيا بصدد إنشاء قاعدة جوية في الساحل السوري، إذ يوجد أكثر من ألف جندي روسي منتشرين في سورية، ومعهم طائرات قتالية وبطاريات دفاع جوي.
وبالعودة إلى موضوع التنسيق الإسرائيلي الروسي، كان مصدر أمني في سلاح الطيران الإسرائيلي قد كشف، قبل ساعات من زيارة نتنياهو موسكو، عن بدء إنشاء جهاز فني لتنسيق العمليات الجوية مع الجيش الروسي في سورية. وقال المصدر، في تصريحات لموقع (وللا) إن التنسيق الإسرائيلي- الروسي يهدف إلى منع مشكلات في تحديد الأهداف الجوية، في وقت تنشط في الأجواء السورية مقاتلات نظام الأسد، ومقاتلات أميركية وروسية وأخرى إسرائيلية، إلا أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تعتقد أن معدل نشاط الجيش الروسي سوف يتغير، عندما يكثف “المتمردون” السوريون، وفي مقدمتهم تنظيم داعش، الهجمات على القوات الروسية، ويكبدونها خسائر في الأرواح. لذلك، تؤكد تلك الأجهزة على أهمية التنسيق بين الجيشين، الروسي والإسرائيلي، في المرحلة الحالية، بحسب المحلل العسكري للموقع “أمير بوحبوت”.
لهذه الأغراض والغايات، اصطحب نتنياهو معه إلى موسكو رئيس هيئة الأركان العامة، الفريق جادي أيزنكوت، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، اللواء هارتسي هاليفي، في خطوة تفيد بأن الفترة المقبلة ربما شهدت تنسيقاً عسكرياً واستخباراتياً، وصفقة بين الجانبين بغطاء أميركي؛ بشأن توزيع الأدوار في سورية. ورأت مصادر إسرائيلية أن “السبب الرئيسي وراء انضمام أيزنكوت لنتنياهو في زيارته إلى موسكو هو استشعار تل أبيب أن من شأن التدخل العسكري الروسي في الحرب الأهلية في سورية أن يغيّر الموازين في المنطقة، ويصب في مصلحة النظام السوري والقوى الموالية له، وفي مقدمتها حزب الله اللبناني الذي ربما يضع يده على أسلحة متطورة، ويمتلك المعرفة والتدريب على كيفية استخدامها مستقبلاً”. وذكرت تقارير إسرائيلية أن “مسألة انضمام رئيس هيئة الأركان العامة لنتنياهو في زيارته إلى موسكو، كانت محل خلاف، لكن القرار الأخير صبّ في اتجاه انضمام قائد الجيش إلى رئيس الحكومة، في ضوء خطورة الموقف في سورية، والمخاوف الإسرائيلية من الوجود الروسي الذي قد يعيق حرية عمل مقاتلات سلاح الجو الإسرائيلي في سماء سورية”.
وأبدى مراقبون إسرائيليون خشيتهم من نصب نظم دفاعية روسية في سورية، ما يعني “تحجيم دور سلاح الجو الإسرائيلي تماماً، ومنعه من تنفيذ غاراتٍ، مثل التي شنّها منذ مطلع العام، وبالتالي، منح حزب الله والحرس الثوري الإيراني غطاء، وتعزيز وضعهما في الساحة السورية وخارجها، حيث ستفكر إسرائيل كثيراً قبل إقدامها على خطوةٍ، من شأنها أن تشعل مواجهة مباشرة مع القوات الروسية”.
وإلى أن تتضح سرديات المستجد الراهن في الوضع السوري، ببدء اتضاح صفقة التنسيق والتعاون الروسي الإسرائيلي بغطاء (أو بتشجيع) أميركي، تبقى زيارة نتنياهو موسكو ونتائجها المضمرة، كما المعلنة؛ بمثابة رأس جبل جليد العلاقات المستجدة، بين أطراف كانت تختلف حتى الأمس القريب؛ حول موقفها من النظام ورأس النظام في سورية، ويبدو أنها باتت لا تختلف حول آليات تهيئة سورية لأن تكون “مفيدة”، بل “أكثر إفادة”، ليس للأمن الإسرائيلي فحسب، بل وللأمن الإقليمي والدولي الذي يحقق للمجتمع الدولي اصطياد أكثر من عصفورين في وقت واحد؛ لا سيما حين تتشعب الحرب في سورية، والمنطقة عموماً، والحرب على الإرهاب، لتكوّنا حلقتين في شعبة واحدة.
العربي الجديد
نظام الأسد باعتباره العدو المثالي في نظر (إسرائيل)/ د. صالح النعامي
مر الموقف الإسرائيلي من مسألة المآلات “المثالية” التي يتوجب أن ينتهي إليها الصراع في سوريا بين نظام بشار الأسد وقوى المعارضة المسلحة وفق خريطة المصالح الإسرائيلية بتحولات أملتها الظروف الموضوعية التي تعلقت أساساً بالتغيرات التي طرأت على موازين القوى داخل سوريا، والتغيرات التي طرأت على البيئة الإقليمية.
ويمكن القول أنه منذ تفجر الثورة السورية مر الموقف الإسرائيلي من مسألة نظام الأسد بمرحلتين أساسيتين:
المرحلة الأولى
عند اندلاع الثورة السورية وقع خلاف واضح بين النخب السياسية الحاكمة ومحافل التقدير الإستراتيجي التي تحتكر تقديم الإستشارات المهنية لهذه النخب (تحديداً أقسام الأبحاث في الأجهزة الاستخبارية) حول مسألة الموقف من مصير نظام الأسد، حيث ساد رأيان خلال هذه المرحلة ( يمكن توقيتها باندلاع الثورة وحتى بدء انحسار قوة النظام وفقدانه مساحات واسعة) داخل النخب السياسية الحاكمة ومحافل التقدير الإستراتيجي:
الرأي الأول: رحيل نظام الأسد يمثل خطراً إستراتيجياً على إسرائيل، للعوامل التالية:
النظام السوري، منذ انتهاء حرب 73، مثل نموذجاً لـ “العدو المثالي”، الذي هو ضعيف لدرجة أنه لا يمثل تهديداً حقيقياً على إسرائيل، وفي نفس الوقت يملك مظاهر قوة عسكرية تمكن إسرائيل من توظيفها من أجل مطالبة الولايات المتحدة بدعمها عسكرياً. وقد ارتاحت إليه نخب اليمين الحاكمة لهذا الطابع من “العداء”، حيث وظفت هذا “العدو” وخطابه في تسويغ مواقفها الأيدلوجية من الصراع بشكل عام وتحديداً مع سوريا، والتي وصلت ذروتها في القرار الذي اتخذته حكومة مناحيم بيغن عام 1981 بفرض السيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل.
يعتبر سلوك النظام السوري نموذجاً لنجاح إستراتيجية الردع الإسرائيلية، حيث أنه حافظ على هدوء جبهة الجولان لأربعة عقود، حتى عندما قامت إسرائيل بضرب القوات السورية داخل لبنان وعندما نفذت عمليات داخل سوريا. وكانت النتيجة أن أفضى الأمر إلى ازدهار المشروع الاستيطاني في هضبة الجولان. في حين أنه يصعب ردع الحركات والقوى التي يمكن أن تتولى زمام الأمور في سوريا، بسبب خلفياتها الأيدلوجية، ولأنها تفتقد مقومات الحكم الدولانية والمصالح التي يمكن ضربها فيتم ردعها تبعاً لذلك.
غياب النظام يعني تفجر حالة فوضى تغير البيئة الأمنية في محيط إسرائيل بشكل جذري، وتزيد من فرص تحول الجولان إلى نقطة انطلاق لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل.
غياب النظام السوري يفتح المجال للتأثير بشكل سلبي على البيئة الإقليمية لإسرائيل، سيما التأثير بشكل سلبي على استقرار نظام الأردني، الذي يعد حليفاً إستراتيجياً لإسرائيل.
الرأي الثاني: غياب الأسد خطر وقد استند هذا الرأي للمسوغات التالي:
نظراً لأن غياب نظام الأسد سيكون نتاج صراع طويل، فأنه أهم نتائجه ستتمثل في إضعاف المقدرات العسكرية السورية بشكل جذري وخروج سوريا عملياً من معادلة التوازن الإستراتيجي.
سقوط نظام الأسد يعني الحاق ضرر جذري بمحور “الشر”، الذي كان يضم حسب التعريف الإسرائيلي، إيران، حزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية، سيما حركة حماس، مع العلم أن البرنامج النووي كان ينظر إليه كمصدر التهديد “الوجودي” الوحيد على بقاء إسرائيل، سيما في نظر إدارة بنيامين نتنياهو.
المرحلة الثانية: إجماع إسرائيلي على خطورة انهيار نظام الأسد
وقد بدأت هذه المرحلة بعد بروز مظاهر ضعف النظام وتهاوي مواقعه وفقدانه مساحات كبيرة وقعت تحت سيطرة قوى المعارضة المسلحة.
مع بداية هذه المرحلة تقلص إلى حد كبير الخلاف بين نخب الحكم ومحافل التقدير الإستراتيجي بشأن الموقف من مسألة بقاء نظام الأسد، لدرجة أن هناك إجماع حالي دخل هذه النخب وتلك المحافل حالياً على أهمية بقاء النظام. وقد نقلت صحيفة “ميكور ريشون” في عددها الصادر بتاريخ 11-2-2015 عن مصدر في هيئة أركان الجيش الإسرائيلي قوله إن هناك إجماع داخل إسرائيل على حيوية بقاء نظام الأسد بالنسبة لإسرائيل.
وقد أورد أمير أورن، المعلق العسكري في هارتس في مقال نشرته الصحيفة بتاريخ 29-1-2015، المسوغات التي تدفع إسرائيل لتأييد نظام الأسد، كما تراها النخب الحاكمة. وقد اعتبر “مركز يروشليم لدراسة المجتمع والدولة”، الذي يرأس مجلس إدارته دوري غولد، وكيل وزارة الخارجية، والذي يعد أوثق مراكز الأبحاث التصاقاً بالحكومة الإسرائيلية، في تقدير موقف نشره موقعه بتاريخ 31-5-2015 سقوط نظام الأسد بأنه سيكون “كارثة إقليمية” لإسرائيل.
وهناك فيض من الاقتباسات التي لا يتسع المجال لذكرها تؤكد عمق قناعة دوائر صنع القرار في إسرائيل بحيوية بقاء نظام الأسد.
وقد وصلت دوائر الحكم في إسرائيل لهذه القناعة التالية للأسباب التالية:
الأسباب التي سبق الإشارة إليها والتي استند إليها الفريق الذي كان يرى في بقاء نظام الأسد مصلحة حيوية.
تخلص النظام السوري من مخزونه من السلاح الكيماوي، الذي كان يعد مصدر التهديد العسكري الإستراتيجي الوحيد الذي كان يملكه نظام الأسد.
الاتفاق النووي مع إيران، والذي على الرغم من معارضة إسرائيل له، إلا أنه مهد الطريق أمام تقليص خطورة المحور الإيراني بشكل جذري.
تراجع دافعية حزب الله لمواجهة إسرائيل بسبب استنزافه في سوريا، وبسبب تعاظم حجم المعارضة له داخل لبنان.
خروج حركة حماس من المحور الإيراني.
اقتراب من تسميها إسرائيل بـ”الجماعات الجهادية” من الحدود مع إسرائيل. ونقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” بتاريخ 16-9-2015 عن محافل عسكرية إسرائيلية قولها إنه لا خلاف على أن الجماعات الجهادية أو جلها على الأقل ستتحول إلى ضرب إسرائيل بمجرد أن تنتهي من مهمة اسقاط نظام الأسد.
النعامي نت
مآلات الوضع السوري: الأسد أو نحرق البلد/ ماجد كيالي
تصدّرت المقارنة بين الأسد و”داعش” النقاشات المتعلقة بمآلات الوضع السوري، وهذا يشمل الحكومات أيضاً، بعد أن ظهر اخيراً، وقبل اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، أن بعض قادة الدول الأوروبية، التي كانت تقطع علاقاتها مع الأسد، عادت لترى فيه جزءاً من الحل.
وفي الحقيقة فإن هذه مقارنة مصطنعة، ومخادعة، أولاً، لأن “داعش” مخلوق جديد (حتى “النصرة” كذلك)، لا سيما في سوريا، إذ ظهر في صيف 2013، بيد أن شوكته لم تقوَ إلا في صيف 2014؛ (بعد قصة الموصل)، علما انه تنظيم عراقي أصلا. لكن ماذا عن السنوات الثلاث التي سبقت كل ذلك؟ ثم لماذا كان معدل الشهداء قبل ظهور “داعش”يراوح شهريا بين 1500 ـ 2000 شهيدا؟ ثانياً، ثمة في مقارنة كهذه نوع من العتب، او اللوم، غير البريء إزاء السوريين، أي الضحايا، أو الضعفاء، بدل ان تستبدل بالضغط على الطرف الأخر، أي النظام، الذي ذهب بعيدا في القتل وتدمير العمران. ومعلوم ان قسما كبيرا من هؤلاء “العاتبين” على الضحايا، كانوا منذ البداية يؤيدون النظام او يسكتون عن ممارساته، ناهيك عن استئثاره بالحكم منذ اكثر من اربعة عقود. ثالثا، مقارنة كهذه توحي بأن الأسد هو أهون “الشرين”، في حين انه أحد اهم اسباب ظهور “داعش” وصعودها، مع نظام المالكي (السابق) في العراق، ناهيك ان هذا النظام هو صاحب القوة النارية والتدميرية الأكبر والأكثر فتكا. رابعاً، لأن أساس المشكلة في سوريا يتمثل بوجود نظام تأسس على الاستبداد والفساد، وحوّل الجمهورية الى حكم وراثي، ناهيك انه لم يستجب لنداءات السوريين بضرورة التغيير، وذهب نحو الحل العسكري لوأد ثورة السوريين او انتفاضتهم. خامساً، لأن هذا النظام لم يقاتل “داعش” أصلا، التي كانت تتحرك، طوال العامين السابقين، بمواكب سيارة في باديتي الشام والعراق، والتي اتضح انها مشغولة بتخريب البيئات الاجتماعية المساندة للثورة، ومقاتلة الجيش الحر، أكثر من مقاتلة النظام.
على أية حال، فإن الانطباعات التي كانت سائدة قبل اجتماعات نيويورك، والتي بدت وكأنها انعشت نظام الاسد وحلفاءه الروس والايرانيين، بدت من دون معنى بعد كلمة الرئيس الأميركي باراك اوباما الحاسمة، والتي حمّل فيها الاسد مسؤولية ما يحصل في سوريا، وأنه يقتل شعبه، إذ ظهر الرئيس الروسي على حال اخرى لا تتلاءم مع الاوهام التي شاعت من قبل، حتى ان تصريحاته اتسمت بلهجة تراجعية.
اخيرا، لعل ما ينبغي الانتباه اليه هنا هو ان الفكرة الابتزازية، ومفادها المقايضة بين الأسد او “داعش”، هي ذاتها فكرة: “الأسد إلى الأبد أو نحرق البلد”، فوق ذلك فإن المصدر هو ذاته، والمنطلقات هي ذاتها أيضا.
النهار
“سوريا المفيدة” خطر داهم؟/ د.نقولا زيدان
تزداد المخاوف المنصبة على الوضع السوري حدة منذ الأسبوع الأول من أيلول (سبتمبر) الجاري بعد بروز تطورات باعثة على القلق الشديد. فالتدخل العسكري الإيراني في سوريا سواء كان مباشراً من خلال الحرس الثوري الإيراني أو من خلال مقاتلي حزب الله وبعض الفصائل الشبيهة الأخرى المرسلة من العراق وأفغانستان وغيرهما، الذي لم يتمكن من حسم المعركة مع فصائل المعارضة السورية المسلحة، قد تبين وعلى أرض ساحات القتال أنه قد دخل في حالة مراوحة ميدانية تنحصر تحديداً في محور جغرافي معين. وهذا المحور يمتد من شمالي اللاذقية في منطقة إدلب نزولاً عبر الشريط الساحلي السوري ومروراً بحمص ودمشق وريفها حتى مشارف مدينة درعا. ويكتفي الطيران الحربي للنظام الأسدي بالغارات الجوية الدموية بالاعتماد على المروحيات الحربية التي تغير على حلب وإدلب وريف حماه ومعاقل المعارضة في ريف دمشق (دوما) ومشارف درعا (بصرى الشام) بالبراميل المتفجرة وإنزال خسائر جسيمة في صفوف المدنيين. ويلاحظ المراقبون وبوضوح أن بشار الأسد ومن ورائه التدخل العسكري الإيراني بكل تلاوينه، ما عادوا يعيرون اهتماماً فعلياً بالمنطقة الشرقية من سوريا ابتداء من سهل الجزيرة الشمالي والمدن الواقعة على ضفاف نهر الفرات وصولاً إلى الحدود العراقية الأردنية، أي أن هذه المناطق قد أصبحت نهائياً في قبضة الفصائل الكردية في الجزيرة وفي يد داعش في المناطق الأخرى (الرقة، تدمر، البوكمال…). ولو أرادت طهران مواجهة مع داعش في هذه المناطق لكان أرسل قاسم سليماني جانباً من لواء القدس إلى هناك. وكأن هناك إقراراً ضمنياً من قبل طهران ودمشق بالتخلي عن هذه المناطق لمختلف الفصائل المسلحة، لتقيم فيها حكماً محلياً وإدارة ذاتية منفصلة تماماً عن الكيان السوري. هذا ما يشي بأن خارطة سوريا المستقبلية برمتها مطروحة للبحث وإعادة النظر. أي أن إعادة النظر بخارطة المنطقة كما رسمها اتفاق سايكس بيكو العتيد، لم تعد شكوكاً وتهويلاً تتداوله وسائل الإعلام العربية والدولية، بل أصبحت مسألة جدية تكاد تماثل الأمر الواقع الجديد، خصوصاً وأن وحدة العراق ككيان تاريخي أصبحت من الهشاشة بمكان ومعرضة للتفكك المذهبي والجهوي.
وتزداد هذه المخاوف خطورة عندما نضيف إلى هذه المؤشرات والدلالات البالغة الأهمية الوضع اللبناني كما هو عليه، ككيان واقع في قبضة حزب الله الذي لم يتوقف عن استكمال مشروعه بالسيطرة على لبنان والإمساك بمفاصله ومرافقه منذ الانقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري الوفاقية عام 2011. وإذا كان هذا الانقلاب قد جرى يومها، وثم الإتيان بحكومة ممتثلة للإرادة الأسدية والأجندة الإيرانية بالذات، فمردّ ذلك أن حزب الله عندنا كان قد باشر إرسال مقاتلين لنجدة الاسد وملاقاة الحرس الإيراني بعيداً عن الاعلام، وكان بحاجة الى حكومة من هذا القبيل تسكت عن تورطه المتزايد في الصراع المسلح داخل سوريا. لا بل استطاع الموافقة على إعلان بعبدا والانقلاب عليه، وعدم معارضته لسياسة الناي بالنفس وفي آن معاً بذل دماء مقاتليه دفاعاً عن النظام الاسدي. لا بل كانت النتائج العملية لهذا التورط، استقدام الارهاب الظلامي الى عقر دارنا، ما أدى الى نشر مقاتليه في المواقع الامامية من حدودنا واستكماله مشروع «الدولة داخل الدولة».
فلنقرأ جيداً كيف اصبحت خارطة «سوريا المفيدة» ذلك الشريط الممتد من ادلب الى درعا داخل سوريا بحراسة ما تبقى من جيش الاسد والحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني داخل سوريا وانتشار مقاتلي حزب الله وأعوانه على طول امتداد حدودنا مع سوريا.
وبالمقابل لم يفاجئ احداً التدخل الروسي الجديد وان كان هذا التدخل اصبح يتخذ الآن حجماً مضاعفاً وفي آن معاً يتم الافصاح عنه رسمياً وعلى أعلى المستويات في كل من موسكو ودمشق. فمنذ بدايات المواجهات الداعية في سوريا بدأ تدفق السلاح الروسي على الاسد، سواء مباشرة او عبر طهران. فمرفأ طرطوس كان منذ فترة ليست قريبة قد بدأ التحول إلى قاعدة بحرية روسية تستقبل السفن الحربية الروسية تفرغ حمولتها من مركبات حربية وآليات وصواريخ وطائرات عسكرية، مع ما يتطلبه ذلك من خبراء ومستشارين روس. فالمصالح الاستراتيجية الروسية بحاجة لمرفأ كهذا في شرقي المتوسط. كما ان طائرات انطونوف 124 العملاقة الروسية بحاجة الى مطارات معدة خصيصاً لاستقبالها بحمولتها الهائلة التي تصل الى حد رتل كامل من دبابات ت ـ 95 الحديثة الصنع. فالصخب الاعلامي الاميركي بشأن أحد مطارات اللاذقية الذي يجري توسيعه وتهيئته الآن هو سياسي أكثر منه مفاجئة أمنية واستخباراتية. وكذلك هي الحال بالنسبة للمقاتلين الشيشان الذين تسربوا الى سوريا للانضمام الى داعش. فهل سحق الارهاب هو غاية بحد ذاتها ام ذريعة لتبرير المطالب الروسية بدور كبير وفعال ومتكافئ مع الدور الاميركي ولمقاسمة واشنطن نفوذها في الشرق الأوسط. فالتحالف الدولي بزعامة اميركا في مواجهة داعش قائم منذ سنتين لكن موسكو لم تكن بصدد الانضمام اليه.
بل تركيا نفسها لم تنضم بدورها اليه سوى منذ شهور معدودات، هذا وان كانت غاراتها الجوية تستهدف الأكراد بنصيب وافر من القتلى أكثر بما لا يقاس من نصيب داعش. في الواقع ان لموسكو مطالب في اقليم دانيتسك شرقي أوكرانيا بعد استيلائها على شبه جزيرة القرم. فالحوار الروسي ـ الأميركي بشأن الحل السياسي في سوريا بمقدوره أيضاً أن يشمل حل الأزمة الأوكرانية. وعقدة الأسد بشأن بقائه أو رحيله لها اثمان تسعى كل من موسكو وظهران للحصول عليها. وفي المقابل إذا كانت طهران قد قدمت بعض التنازلات في اليمن، وكانت موسكو قد صرفت النظر عن تدخلها هناك، فإن مصالحها في سوريا الاكثر حيوية بما لا يقاس. مفاوضات محتملة بشأن اليمن ومتعثرة بخصوص سوريا.
إلا أن أخطر ما هو مطروح على الساحة الإقليمية الآن هو هذه الخريطة الجديدة لسوريا التي يجري إعدادها. فأن تنشأ كيانات رديفة على حساب الكيان السوري سواء كان ذلك في المنطقة الكردية من سوريا أو المناطق الأخرى التي ما زالت في قبضة داعش واستطراداً في كل من جبل العرب ودرعا حيث تظهر بوادر الانفصال، وأن يسلم بشار الأسد بهذا التفكك والاهتراء، مقابل وعود روسية وإيرانية ببقائه مهما كان الثمن متربعاً في سدة الحكم، فإن ذلك لمن الخطورة بمكان. لأن هذا الأمر، أي الاكتفاء بـ»سوريا المفيدة» وانسلاخ المناطق الأخرى كمشروع لحل سياسي ما للأزمة السورية، فإن ذلك من شأنه إطلاق العنان لمشاريع تفكك وانفصال مماثلة تطاول بلداناً أخرى. وما عساه يكون مستقبل لبنان، الذي لا تلوح في الأفق قط أي حلول لمشكلاته المستعصية التي تتعدى بقائه بلا رئيس وببرلمان معطّل وبحكومة عاجزة، والتي تتلخص ببقائه في قبضة حزب الله. تلك هي أم المشكلات ومن العبث بمكان تجاهلها والقفز فوقها حاضراً ومستقبلاً.
المستقبل
دعونا لا ننسى: الأسد هو المشكلة وليس الحل/ نواف عبيد
قامت الدول العربية التي تمثلها المملكة العربية السعودية، خلال لقاء الجمعية العمومية التابعة للأمم المتحدة، بتوضيح موقفها بأنها لن تتعاون مع التحالف الروسي العسكري الموجّه ضد تنظيم “داعش” (الذي يعرّف نفسه بصفة الدولة الإسلامية) وتقديم الدعم لنظام الأسد في سوريا.
التحركات العسكرية التي نفذتها روسيا مؤخراً، والتي اتجهت بمنحى مختلف عن استهداف التنظيم، إذ قامت بتصعيد خطورة النزاع السوري، لترجيح تحول الضربات ضد “داعش” إلى حرب بالمناوبة وعلى نطاق واسع.
ولكن ورغم أن السعودية وحلفاؤها يؤيدون هزيمة “داعش” وهم جزء من تحالف كبير تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ضد التنظيم، إلا أن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أعلن بوضوح أن الرئيس السوري بشار الأسد عليه التنحي عن منصبه، قائلاً: ” “هناك خياران من أجل الوصول للتسوية في سوريا، أحدهما عملية سياسية يتم خلالها تشكيل مجلس انتقالي، والخيار الآخر خيار عسكري ينتهي أيضا بإسقاط بشار الأسد”.
ومثلما وضحت الولايات المتحدة والمسؤولون العرب فإن مسؤولين إيران وروس التقوا سوياً خلال الأشهر الماضية، ليقدموا دعمهم العسكري للحفاظ على نظام الأسد الوحشي في سوريا.
وضمت موسكو اجتماعات رفيعة المستوى بين مسؤولين بالحكومة الروسية مع دبلوماسيين وعسكريين إيرانيين، كما أرسلت روسيا أحدث طائراتها النفاثة المقاتلة من طراز “SU-34” بالإضافة إلى مروحيات عسكرية إلى نقاط دفاع عسكري بمدينة اللاذقية، والتي تعتبر مركز قوة لعائلة الأسد وطائفته العلوية، كما أرسلت روسيا طائرات مراقبة دون طيار، بالإضافة إلى إرسال قوات من الحرس الثوري الإيراني إلى روسيا.
ومع التطورات الأخيرة، يبدو من الواضح بأن السعوديين سيجبرون على قيادة تحالف من الدول لشن ضربات عسكرية جوية مضادة للقوات السورية وحزب الله والمقاتلين الإيرانيين، وذلك لدعم سقوط نظام الأسد ومساعدة دخول القوات المعارضة له إلى دمشق.
وقد واصلت السعودية مطالباتها بتدخل المجتمع الدولي منذ بداية النزاع السوري ومن دون فائدة ترجى، أما الآن وبعد النجاح الذي تحققه العمليات العسكرية التي تقودها السعودية لانتزاع عدن وجنوب اليمن من الحوثيين وعلي عبدالله صالح ومقاتلي حزب الله، فإن المملكة تدرك بأنه قد يتوجب عليها مجدداً أن تتصرف بنفسها مجدداً، بالأخص مع الدعم الروسي للنظام السوري، الذي تدخل خشية تحكم الإسلاميين المتشددين على البلاد التي تشكل نقطة مركزية وحيوية في المنطقة، أما السعودية فترى بأن زوال النظام السوري يعد نقطة بداية محورية لاستعادة السلام والاستقرار في الشرق الأوسط وبالعالم العربي.
كما أن الوضع على أرض الواقع يوفر فرصاً سانحة لشن هجمات جوية يمكنها أن تساعد أكبر قوتين معارضتين للاستعداد وفرض سيطرتها على دمشق، وتغيير كافة مسارات هذه الحرب، وهاتان القوتان المتمثلتان بـ “جيش الفتح” بالشمال و”الجبهة الجنوبية” في الجنوب، تعتبران قوتان متمركزتان بشكل ثابت بالبلاد كما أنهما خاضتا معراك قاسية عدا عن تسلحهما بشكل كافٍ لتنفيذ العمليات البرية، كل ما تحتاجهما هو توفُّر دعم جوي لإضعاف ما تبقى من كتائب جيش الأسد وقواته الدفاعية وعناصر إيران وحزب الله، بالإضافة إلى وقف الطائرات السورية (وعلى الأرجح الروسية الآن) من إسقاط براميلها المتفجرة القاتلة، وبمثل هذا الدعم ستتمكن هذه التحالفات من الوصول إلى دمشق وفرض السيطرة لوحدها.
وهنالك الكثير من الدول العربية وغير العربية، مستعدة تماماً للتدخل تحت قيادة السعودية، من بينها تركيا والإماران وقطر والبحرين والسودان والمغرب والكويت، كما أن باكستان وماليزيا أظهرتا جديتهما بالدخول لمثل هذه التحالفات، وقد دخلت هذه الدول العربية (من ضمنها باكستان) تجربة مكثفة بقواتها بعد انضمامها للتحالف الذي تقوده السعودية لتحرير جنوب اليمن، وفي الحقيقة يستمر هذا التعاون خلال محاولة إنهاء وجود الحوثيين والمقاتلين الموالين لصالح من آخر معاقلهم باليمن، ولهذا فإن العمل سوياً في سوريا سيشكل توسعاً لسلسلة قيادية تم تجربتها من قبل، أما مصر والأردن يبقيان عنصرين غائبين عن القائمة، لتوضيح بأن موقفهما تجاه ما يحصل بالوضع السوري يبقى غامضاً.
وستلعب القوات الجوية الملكية السعودية دور القائد التكتيكي وستوفر معظم الطائرات والمصادر، ففي الحملة اليمنية، ساهمت هذه القوات بتزويد التحالف بمائة طائرة مقاتلة، ونفذت ما يقارب 90 في المائة من الطلعات الجوية.
وبالنسبة لسوريا فإنه يتوقع من المملكة، التي تمتلك أفضل المعدات العسكرية على الصعيدين الخليجي والعربي، أن تقدم مائة طائرة أخرى من أسطولها العملاق، من ضمنها أحدث وأفضل ما قدمته بوينغ من طراز “154 F15SA” و”70 F15C/Ds” و”80 Panavia Tornados” بالإضافة إلى “72 Eurofighter Typhoons”، وستعمل قوات التحالف الأخرى على تزويد مائة طائرة أخرى من ضمنها “F16” ستوفرها تركيا والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والكويت (قد تدخل ماليزيا وباكستان ضمن قائمة المزودين أيضاً)، كما ستوفر الإمارات وقطر طائرات “Mirage” المقاتلة، وقد تخرج قوة جوية من الطائرات بدون طيار لتحلق فوق سوريا.
الدخول إلى سوريا لمساعدة القوات المعارضة للأسد جواً، يشكل تفسيراً للمحور الذي طورته القوات السعودية خلال السنوات الأخيرة، إذ تطلبت الأوضاع التي سميت بالربيع العربي أن تزيد المملكة من عدتها العسكرية، هذا بالإضافة إلى امتناع الولايات المتحدة وأوروبا من التدخل بشكل قاطع باليمن وسوريا والعراق، وأحد أساسات هذا المحور المتنامي هو عرض القوة، الذي يعتمد بدوره على ثلاث استراتيجيات.
أولاً: يستمر السعوديون بتوسعة قدراتهم والتركيز على تشكيل تحديث المنظومة العسكرية وتحديثها، من ضمنها التكنولوجيا المستخدمة والأسلحة والتركيز على البرامج التدريبية للقوات وتوظيف المدربين المؤهلين.
ثانياً: السعوديون سيحافظون على علاقاتهم الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وأوروبا، لكنهم بالوقت ذاته سيبعدون أنفسهم عن السلبيات المشتركة بينهم وبين حلفائهم الدوليين ليركزوا على التدخل السريع بالدول لمضطربة وتحويل مجريات العنف، بالإضافة إلى تقديم الدعم العسكري والاقتصادي، وأخيراً: ترتبط السعودية بالدين الإسلامي وتلعب المملكة دور القائد للعالم العربي، إذ يرى السعوديون بأنه من دورهم الشرعي يفرض عليهم تولي قيادة الحلفاء وأخذهم لساحة المعركة عندما تضطرب الأمور.
لكن السعوديين يعلمون بالوقت ذاته بأن بناء تحالف يعتبر مفتاح الأساس لنجاحهم ضد العديد من النزاعات والتحديات التي تخوضها المنطقة، لهذا السبب أيضاً يخططون صوب ما أسموه “القيادة العسكرية الخليجية الموحدة” والتي ستساعد في الحفاظ على هندسة عسكرية ثابتة للأمن العربي.
كما أن الدول المذكورة سابقاً تعتبر الحليفة الرئيسية لمثل هذه السلسلة العسكرية، ويوفر تعاونها أفضل الطرق للوقوف بوجه إيران التي تزداد عداوتها تدريجياً، خاصة بعد الاتفاق حول برنامجها النووي وتدخلها المستمر بالقضايا الحساسة التي تمس المنطقة، فإن الوقت الحاضر يدفع بشدة إلى تحالف عربي بقيادة سعودية وبشكل أكبر من أي فترة مضت.
أما التدخل المتزايد لروسيا بالتعاون مع إيران والأسد باسم القتال ضد “داعش” يدعو للقلق ويزيد من تعقيد الأمور بالشرق الأوسط، وفي جميع الأحوال، من الواضح بأن أبرز القوى العربية بالمنطقة، بقيادة السعودية، لا يمكنها أن تتابع المشهد من وراء الصفوف، وأن توفر الفرصة أمام روسيا لتغيير مجريات الأحداث وفقاً لشروطها، هذا كله بعد مقتل أكثر من 300 ألف شخص وتشريد أربعة ملايين سوري منذ بدء الحرب.
يجب تدمير “داعش” ولكن هذا لن يحصل إلا إذا تنحى الأسد عن منصبه، لهذا فمن المرجح أن نرى بالمستقبل القريب تحالفاً سعودياً مخصصاً للدخول إلى سوريا وتوفير الغطاء الجوي للقوات المعارضة للأسد، والتي يمكنها أن تكسر النط الذي تسير فيه هذه الحرب، وعلى أمل وضع حد لها.
، أستاذ مساعد في مركز بيلفر للعلوم والعلاقات الدولية التابع لجامعة هارفارد، وباحث بارز بمركز الملك فيصل للأبحاث والدراسات الإسلامية.
بقاء الأسد في حلّ المرحلة الانتقالية يعني المزيد من اللاجئين والتطرف والإرهاب/ روزانا بومنصف
أثارت الولايات المتحدة والدول الاوروبية تساؤلات كبيرة لا تقل عن تلك التي اثارها تعزيز روسيا وجودها العسكري في اللاذقية في سوريا في اطار ردود الفعل التي ابدتها على هذه الخطوة. اعلان هؤلاء جميعهم انتظار اجوبة من روسيا على تدخلها العسكري المباشر، فضلا عن انتظار ما سيعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطابه امام الجمعية العمومية للامم المتحدة من اهداف له حول هذه المسألة، يُظهران ان الخطوة الروسية لم يتم تنسيقها مع اوروبا ولا مع الولايات المتحدة، بل كانت مفاجئة لهم جميعا من حيث المبدأ على الاقل. ولذا فإن مسارعة هذه الدول الى اعلان قبولها بان يشارك الرئيس السوري بشار الاسد في المرحلة الانتقالية في موازاة دفع روسيا في اتجاه دعمه بالعتاد العسكري والاصرار على بقائه، بدت كذلك مفاجئة ومحبطة في الوقت نفسه بالنسبة الى مراقبين كثر.اذ برز تناقض قوي بين اعطاء الانطباع بان الغرب لا يفهم خطوة روسيا ويرغب في الحصول على تفسيرات توضحها، والتجاوب على نحو فوري مع بند لعله الابرز على جدول الحل الروسي للازمة السورية. فالمواقف الاوروبية المعلنة التي توالت من المانيا وفرنسا وبريطانيا لم تأت على طاولة المفاوضات، بل بدت كأنها خفضت سقف هذه المفاوضات اذا كان ثمة محاولة لاطلاقها، وتاليا فهي سابقة لاوانها انطلاقا من انه اذا كانت هناك اتصالات بعيدة من الاضواء ساهمت في التوصل الى هذه النتيجة، فكان الاحرى بهذه الدول ان تعلن السلة المتكاملة للحل، اذا وجدت، لئلا يبدو هذا التنازل في غير محله تحت تأثير موازين القوى التي ساهمت روسيا في تغييرها عبر تعزيز وجودها العسكري في سوريا. يضاف الى ذلك أن الدول الغربية الداعمة للمعارضة السورية خلال الاعوام الاربعة الاخيرة ظهرت وكأنها تنازلت فجأة عن تشددها الرافض للاسد في اتجاه القبول به ولو لمرحلة انتقالية، خصوصا في غياب تفاصيل عن هذه المرحلة ومدتها. وهذا يمس بصدقية هذه الدول ليس في التزامها المعارضة للاسد الذي اعتبرته مسؤولا عن الجرائم التي ارتكبها في حق شعبه وعن قصفه بالاسلحة الكيميائية فحسب، بل ازاء مسؤوليتها الاخلاقية والمعنوية على هذا الصعيد في ظل اعلان نفسها مدافعة عن حقوق الشعب السوري وداعمة لقضيته. وتاليا، فهي لم تمهد لمرونتها ان لم يكن لتنازلها في موضوع القبول ببقاء الاسد في مرحلة انتقالية لو ان المبعوث الدولي الى سوريا ستيفان دوميستورا مهد لذلك في المشروع الذي طرحه في مجلس الامن حول سوريا وحظي بدعم الدول الخمس الكبرى وهو لم يأت على ذكر رحيل الاسد، بل تناول صلاحيات برتوكولية له. وقد انزلقت، جنبا الى جنب الاميركيين، الى المنطق الذي تروّج له روسيا في دعمها الاسد، ومؤداه ان المواجهة هي مع الارهاب في الدرجة الاولى، وان الازمة السورية ليست قضية شعب ثار ولا يزال على حكم ديكتاتوري يستمر منذ اربعين سنة، فيما يعلن الرئيس الروسي ان الاسد مستعد بعد قتل ما يزيد على ربع مليون سوري من مواطنيه، لقبول اشراك بعض المعارضين في الحكومة.
ووفق معلومات بعض المراقبين فإن الدول الاوروبية في شكل خاص أبدت موقفا هو اقرب الى رد الفعل منه الى الموقف المدروس تحت وطأة أمرين، أحدهما الارتباك الاميركي في التعامل مع التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا بحيث تناقضت مواقف المسؤولين الاميركيين الكبار من دون اعلان رفض قوي للخطوة الروسية واكتفاء الرئيس الاميركي باراك اوباما بان رهان روسيا على بشار الاسد هو رهان خاسر. والآخر هو تحت وطأة ازمة اللاجئين التي تعاظمت في الاونة الاخيرة في اتجاه هذه الدول، أكثر منه موقفا تفاوضيا. وعلى اثر اجتماع وزراء خارجية كل من فرنسا وبريطانيا والمانيا تنسيقا للمواقف عشية التوجه للمشاركة في اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك، عاد وزراء خارجية كل من فرنسا وبريطانيا لاعلان موقف اكثر تماسكا وانسجاما مع مواقفهم المبدئية من رئيس النظام السوري، لعله كان استباقا لما سيثار على هامش اعمال الجمعية العمومية للمنظمة الدولية، اذ قال وزير الخارجية الاميركي جون كيري انه يعتزم تقديم مشروع حل سياسي للازمة السورية. واعاد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند تصويب الموقف الفرنسي لجهة التركيز على الجزء الذي لا يظهر تنازلا اوروبيا، اي ان الاسد لا يمكن ان يكون جزءا من مستقبل سوريا بدلا من التركيز على القبول به في مرحلة انتقالية. لكن يخشى المراقبون في اي حال، في ظل حل سياسي يبقي الاسد مرحليا في فترة انتقالية، ان تدفع اوروبا اكثر من غيرها ثمن القبول بهذا الحل ما لم يكن مسندا ومدعما بضمانات قوية وحاسمة لرحيله، من ضمن أمد منظور وضئيل جدا، استنادا الى ان استمراره في ظل اي حل سيكون دافعا لما باتت تشكوه هذه الدول، اي المزيد من اللاجئين والتشدد والهروب الى الارهاب، في غياب خيارات بديلة للشعب السوري، باعتبار ان الحلول المطروحة لا تراعي مصالحه بمقدار ما تراعي مصالح الدول الكبرى او الدول الاقليمية الداعمة للنظام او المناهضة له، هذا اذا تم التسليم جدلا بأن هناك حلولا قريبة يمكن ان تنطلق. وبعض المصادر لا يبدي تفاؤلا بذلك، ولو انه يعتبر ان ما سيعقد من اجتماعات على هامش اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة سيؤكد ذلك اكثر.
النهار
لماذا صمد الأسد؟/ أسامة عثمان
سؤال يتردّد: لماذا استعصى نظام بشار الأسد على الثورة، بالمقابلة مع الحكام الذين تهاوَوْا، تباعاً، أمام ثورات شعوبهم؟ كما زين العابدين بن علي، ومعمر القذافي، وحسني مبارك، وعلي عبدالله صالح؟
ألأنَّ حراك الشعب السوريّ لم يبلغ مرحلة القدرة على الحسم، حيث بقي الانقسام؟ واستبقى الأسدُ مؤيِّدين في الشارع السوريّ، لا يقتصرون على العلويّين والشيعة، بل امتدّوا إلى سُّنَّةٍ لم يتخذوا هذا الموقف فقط؛ لولائهم للنظام، الولاء الفكريّ، والعاطفيّ الوطنيّ، بل أيضاً لأسباب واقعيّة، إذ أرادوا الاحتفاظ بالأمن والاستقرار.
هل كان لشعار الممانعة والمقاومة، بما يمثّله من رداء ورِدْء أيديولوجيّ، أثر، سوريًّا وإقليميًّا، وفي المحصلة، شرعيًّا؟ أم أنها التوازنات الدوليَّة المتقاطعة فوق سورية، بموقعها الجيوإستراتيجيّ والجيوسياسيّ، وبقربها من إسرائيل، وتراجُع القوّة الأميركية دوليًّا، وتردُّد إدارة باراك أوباما، أو إسقاطها الخيارات العسكريّة؟
وهنا، نستذكر بدايات الموقف الأميركيّ من التظاهرات في سورية، حيث رأت الإدارة الأميركيَّة ممثَّلةً في وزيرة الخارجيَّة، هيلاري كلينتون، في بشار الأسد رجل إصلاح، مستندةً إلى أن هذه قناعة أعضاء الكونغرس، ورافضةً خيار التدخُّل العسكريّ في سورية، كما تدخَّلت في ليبيا؛ بحجَّة أن القذافي استعان بالطيران، وألقى القنابل على مدنه، من دون تمييز. ولكن الموقف الأميركيّ لم يتطوّر إلى بحث التدخُّل العسكريّ، حتى بعد أن أصبح جيشُ الأسد يُلقي ليس فقط القنابل، بل البراميل المتفجّرة، والكيماويّ…!
ونستذكر العلاقات الأميركيّة السوريّة، قبيل التظاهرات، حيث كان خطّها البيانيّ يشير إلى صعود فيها، وتحسُّن، فقد تعافت العلاقات بينهما، وعادت الدبلوماسيّة صريحة، ومباشرة، بعودة السفير الأميركيّ، روبرت فورد، إلى دمشق. ما جعل آراءً، فيما بعد، تذهب إلى أن واشنطن، حين اندفعت تؤيِّد مطالب الشعب السوريّ، أو القسم الأكبر منه، في مطالبه بالحريّة، ثم دعواتها المتكرّرة للأسد بالرحيل، إنما كانت تحاول الاحتواء والاستدراج؛ لأنها لم تتّخذ أيَّ مواقف عمليَّة لتحقيق ذلك، بل انتهت، أخيراً، إلى عدم اشتراط رحيله، جزءاً من الحلّ السياسيّ، كما جاء على لسان وزير الخارجيّة، جون كيري، إذ قال: “توقيت رحيل الأسد عقب إبرام اتفاق سلام سيكون قابلا للتفاوض”.
أم أن صمود الأسد عائدٌ إلى التوازنات الإقليميّة، وتشابك الملفّات من العراق إلى لبنان، فاليمن
” والبحرين، ما جعل دمشق، وهي التي كانت قبل ثورتها فاعلاً مهمّا في تشكيل أحوال الإقليم، تغدو محلّا للتدخّلات الإقليميّة السافرة، والدوليّة. أم أن انعكاسات الأوضاع في أقطار الربيع العربيّ، وأهمُّها وأكثرها تخويفاً، ليبيا ومصر واليمن، وأقلُّها تونس، قد عزَّزت تلك المخاوف من الفشل، وألا تحقِّق تلك التضحيات الجسيمة إلا التصدّعات والانقسامات، ودمار البلد والمقدَّرات. وهو ما جاء تأثيره متأخِّراً، إذ كانت البلاد قد بلغت مرحلة اللاعودة، بعد جلاء الصورة في تلك البلدان؛ ذلك أن النظام لم يمهل الثوّار، فأغرق البلاد بالدماء، وكان الضحايا كثُراً في الطرفين، لكن تلك الانعكاسات عزَّزت التردّد الشعبيّ؛ فأسفرت عن مواجهة عسكريّة، وتلاشت السِّلميّة.
وهذا يدعونا إلى فرضيّة أخرى، هي مقدار البطش الذي استخدمه نظام الأسد، ولم يكن وحدَه من الحكام المستهدفين من شعوبهم مَن يملك ذلك، لكنه خُليّ بينه وبين ذاك البطش المهول، وهو ما لم يحدث في ليبيا، مثلاً، حيث سارع حلف الناتو إلى منع القذافي من الإجهاز على الثوّار في بنغازي، على الرغم من أنهم كانوا مسلَّحين، وليس كذلك الثورة السوريّة، في بدايتها التي استمرّت ثمانية أشهر سلميّة. ولولا الحرج البالغ، لربما ما انعطف الموقف الأميركيّ، إلى الدعوة إلى تسليم السلاح الكيماويّ، عندما أمعن الأسد في استخدامه، في مَقاتِل واسعةٍ، يندى لها جبين كلَّ إنسان.
أم أن المنحى الذي نحته الثورة السوريّة نحو (الإسلاميّة)، حتى في شعارات الجيش الحرّ، وشعارات الجُمَع التي كانت تنادي، أحياناً، بتطبيق الشريعة صراحة، أو بترك التعويل على الدول الأجنبَّية؛ ما يعني ضمناً رفض التعاطي مع شروطها، أو فقدان الثقة بوعودها، في أحسن الأحوال: “ما إلنا غيرك يا الله”، جعَل الدول الفاعلة أكثر حذراً في التفريط بنظام الأسد المعروف، مقابل بديل غير مضمون؟ وزاد في ذلك الحذر طفوُّ حركات وجماعات أكثر راديكاليّة، أو تطرُّفاً، وإرهاباً، كما داعش التي أضحت، فيما بعد، الذريعة القويَّة للتدخّلات الغربيّة، وللتحالف الدوليّ الذي أسّسته أميركا، وقادته ثم إلى التدخُّل الروسيّ؛ لحماية النظام وتعزيزه، امتداداً بالنفوذ الروسيّ إلى كلّ سورية.
يمكن القول إن العامل الأهمّ في بقاء الأسد لا يعود إلى عوامل داخليّة، من قبيل نقصان الانخراط الشعبيّ في الثورة، والحبّ الشديد للقائد الكاريزميّ، بشار الأسد، أو للأوضاع الاقتصاديّة والمعيشيّة في سورية، حيث لم يكن الدافع الاقتصاديّ هو الأهمّ (على الرغم من تركُّز الثروة والامتيازات بأيدي عائلات ومراكز قوى مقرَّبة من نظام الأسد وعائلته)، ولكن الشعارات الأولى كانت تطالب بالحريّة والكرامة “الشعب السوري ما بِنذلّ”. وداخليّا أيضاً، لم يكن العامل الأهمّ عائداً إلى طبيعة النظام الأمنيّ، وتماسُك الحلْقة الضيّقة، وإخلاصها، على الرغم من الانشقاقات الملحوظة في الجيش، وسائر مؤسسات الدولة.
وأين من كلِّ ما ذُكر وغيره شعاراتُ حزب البعث:” حريّة اشتراكيّة…”؟
ولم يكن صمود نظام الأسد عائداً إلى الدعم الإقليميّ المتمثل في إيران والعراق وحزب الله وغيره. ولا في الخطاب الإيديولوجيّ الممانع والمقاوم، بوصفه خطاباً عابراً للأقطار، ومستحضراً الصراع الأهمّ، والأكثر حساسيّة في المنطقة، وهو الصراع العربيّ الإسرائيليّ؛ ذلك أن هذا الخطاب لم ينجز على الأرض السوريّة، ولدى الشعب السوريّ، إذ ظلّ جزءٌ مهمّ من أرضه محتلّا، وهو الجولان، والمفترض في الدولة، أيّ دولة، أن يكون انتفاعُها بالخطاب الأيديولوجيّ داخليّا، أولاً؛ لتعزيز شرعيّتها، ولتوهين أيّ تشكيك، أو استهداف لها. وأن يكون ذلك خطاباً جامعاً، وهو الأمر الذي لم ينجح؛ إذ طغت عليه الممارسات الفعليّة القاسية والأمنيّة.
نعم، لم تكن العوامل السابق ذكرُها الأهمّ، وإنما الأهمّ هو العامل الدوليّ الذي ظلّ غير مساند للثورة، بل إنه فعليّا، ولو جزئيّا، كان مسانداً للنظام. هذا العامل الذي ما إنْ تبلور في الثورات العربيّة السابقة (وليس من دون أسباب موجِبة، ومعطيات محليّة)، حتى غلّب التيّار الثوريّ على التيّار الموالي، فلم يكن الحسم الشعبيّ الكامل متوفّرا لا في ليبيا، ولا اليمن، ولا حتى في مصر، وتونس، واليوم التالي لـ(النُّظُم الجديدة) كشف عن إعادة إنتاج لتلك النظم في مصر، وفي تونس، ولو في المستوى الفكري. أمّا اليمن وليبيا، فلا تزال الصراعات فيها تعبِّر عن تلك الانقسامات الداخليّة. وها هو الموقف الدوليّ يعود بصراحة، حتى لا نقول، وصفاً آخر، إلى محاولة تأهيل الأسد، ولو مرحليّا، بعد كلّ الجرائم التي وُصفت بأنها جرائم حرب، أو جرائم ضدّ الإنسانيّة. وما دام أن العامل الدوليّ هو الأكثر تأثيراً، فإن مصير الأسد يبقى رهين تلك التفاهمات والمساومات الدوليّة، ثم الإقليميّة.
العربي الجديد