عودة البرابرة/ بشير البكر
ليتنا لم نترُكِ الأرضَ
كان في وُسْعِنا أن نُهرِّبَها
بعيداً عن الرصاصِ
مثل التبغ التركي
من ماردين
ملفوفاً تحت السراويلِ
ثم نشمسها خلف الحواجِزِ
فوْق عَلَمِ الثورة.
وفي غَفلة الحرّاسِ
عندَ نهاية الليلِ
ندخِّنها كزهرةِ العيدِ
تَحْتَ سماواتٍ صافية.
ومِثل الآخرينَ
الذين هُمْ نَحنُ
كان يمكن أن نبقى
أفراداً وجماعاتٍ
في الساحات العامة
ننتظرُ الثورةَ
بأكفانِ الشهداء.
ليتنا صَرَخْنا معاً
في أول النهار
قبل فوات الأوانِ،
يا ذات الجديلةِ الشقراء.
ولمْ نترُكْها هناكَ
ترفرف كالطائرِ
بين الأسلاكِ الشائكة
على وشك السقوطِ
إلى ما صارت عليه
شأنَ الجِيفَةِ الإلهيةِ
فِي المَدافِنِ المُقدَّسَة.
في البداية رصاصٌ
قَوافِلُ الشهداء
والنازحين
مَرَّ الربيعُ الثالث
ولم نُكفِّن موتانا بعدُ
نَمَا الزرعُ تَحْتَهُمْ
وهُمْ ينتظِرُونَ في العَرَاء.
ليتَنَا قبْلَ العزاءِ
التَقَطْنا لها صُورةً أخيرةً
ذاتَ نهارٍ مشمسٍ
وهي دافئةٌ
كقلبِ طفلٍ أعمى.
كان علينا
قبل وُصُولِ البرابرةِ
أنْ نَطْرُدَ الخطباءَ
ونَرفَعَ القُبَّعَات للرِّيفِ
وهو يَنْزِلُ
مِنَ القُرى البعيدة
بِكُوفياتٍ حمراء
على مرأىً من الحُرَّاس الغُرَبَاء
حِينَ لا أحد
يكترثُ بالدماء
لِشِدَّةِ القتل
يُعمِّرُ الفلاحون
مقابِرَهُمْ في السماء.
كالأطفالِ فُوجِئنا
بِنَظَراتِ الجنود،
القنّاصون على النواصي
طيلةَ الوقت،
الذين لم يكتفوا بقتلنا
صاروا يَشعُرُون بالتعب
جرَّاء الكراهية.
أولئك القادمون
من الجبال
باتوا
بلا أحلامٍ ريفية
تَسَاقَطُوا
في حُروب الضواحي
ولم يتركوا أثراً
في سِجِلاَّت الجنود المجهولين.
في نهايةِ المطافِ
لا حاجةَ لنا
كيْ نَحْفِرَ قبورَنا
طالَمَا أنّ الحرب لم تنته.
بانتظارِ مزيدٍ من المجازرِ
تَحَتَّمَ علينا أن ندفن الخوفَ
بوقارِ مَنْ يرقُدون
تحت الترابِ
منذ زمنٍ بعيد.
وَحدَها الحربُ
في ثيابها المُرَقَّطَةِ
تجلس
على شرفات المنازل
صاحيةً طيلةَ الوقتِ
مثلَ سيدةٍ
فقدَتْ أولادَهَا الثلاثة.
لِنُواجِهِ الأمرَ
آنَ الأوانُ
كي نعودَ إلى الغابات
لنقتل الذئابَ بأيدينا.
العربي الجديد