عين المستبد/ روجيه عوطة
لعين المستبد دور بذاتها، وهو أن تبقي محكوميه قبل النظر والعماء، في تلك الحدود، حيث يمعنون في فعلين متوازيين ومتطابقين، أي التفرج والتمثيل. شرط فعلهم الاول هو التحديق عبر تصور ما، ولأن هذا التصور هو من تأليف السلطة وتنظيمها، فهو لا يتيح لهم سوى بلوغ مرآها. وهكذا، يستحيل تفرجهم بمثابة سبيل لوقوعهم عليها أينما كان. وشرط فعلهم الثاني هو أن يؤدوا أنفسهم أعلى ذلك المرأى، كما لو أن ظهورهم مقابله هو فرصة وجودهم الوحيدة، فهم، بعيداً منه، معدومون. يتفرجون، فلا يجدون الا السلطة، ويمثلون، فلا ينوجدون الا قدامها، وفي الحالتين، تذهب الى الرسوخ فيهم.
فحتى لو بالغ أحدهم في التفرج، فهذا الامر لن يجعله يزاول النظر، بل إنه، في أقصى وضعه، سيحظى بعين المستبد، ويشاهد من خلالها. وحتى لو بالغ في التمثيل، فلن يحضر، بل سيحظى بهيئة المستبد، ويبرز بها. التفرج والتمثيل، وكما تريدهما السلطة، يتركان منفذهما خلف صورتها، وهو كلما اطنب فيهما، يبقى في ورائها، ولا يستطيع أن يصل اليها ويتخطاها، فحين يدنو منها، تفارقه، ذلك، حتى تنتقل اليه، تأهله، وبالتالي، تقوم به، وينسحق.
مع حدوث الثورة، يفلت المحكومون من التصور، الذي كان يحدِّقون عبره. ينتهي تفرجهم، وبذلك، لا يعود من المستحيل أن يمسكوا بصورة السلطة، التي، وبعدما كانت تنأى عنهم باستمرار، لكي تسكنهم بحدة مرئية ولامرئية، تشخص وتحيط بهم من كل صوب وحدب. هذه بداية مشاهدتها، ومعها، بداية الارتطام بجدارها، أو الالتصاق به، تماماً، كما هي الحال في بعض أفلام الرعب، حيث الشبح يحاول الخروج من حيطان الغرفة، التي تستحيل، بفعله، مطاطية، وتأخذ شكلها من حركته عليها. وغالباً ما لا يمكن للشبح ان يكسرها من المرة الاولى، لان المقيم في حجرتها ينتبه اليه، فيبدده. مع انتباه السلطة الى ان الشبح يجرب اختراق صورتها، تسترجع هذه الصورة تماسكها، أما، هو يعاود مسعاه من جديد، وذلك، الى ان يخلف الشقوق فيها. وهذه بداية النظر.
كلما اضحى المسار من التفرج الى المشاهدة، ثم، الى النظر، سالكاً، يصير المسار الآخر، من التمثيل الى الغياب، ثم، الى الحضور، سانحاً. فالمرأى، الذي كان المحكومون يؤدون أنفسهم عليه، هو في وشك انهياره، وهم الآن في مواجهته من أجل تعطيله، ولأنهم لا يستطيعون إطفاءه مباشرةً، لا يوفرون وجودهم له، ولا يظهرون فيه. اذ يختفون عن ذلك المرآى، الذي تدأب سلطته على جعله شاسعاً، وعلى الرغم من وسعه، لا يتمكن من هؤلاء الغائبين. ومن حالهم هذه، يرتجلون ويصنعون حضورهم، ولما يضربهم الموت في غيابهم، يبقون موجودين، وحين يضربهم في حضورهم، يرجعون غائبين.
تقدم المقاوم السوري في حلب باتجاه التمزقات في وجه بشار حافظ الأسد (الصورة أعلاه)، وضع رأسه بينها، مقتلعاً عين المستبد بالكامل، وحاشراً مكانها عينيه شبه المستترتين، وفمه البادي على جلاء بهجته. لقد تخطى ذلك المقاوم صورة النظام، وبضحكته قال: “على الرغم من الحصار الذي فرضته عين المستبد علينا، وعلى الرغم من محاولات اعدامها لنا، مزقناها، وخلعنا صورتها، فأبدها القاتل بات خلفنا، وكلما اقترب منا، سنبتعد، حتى يتفرق ويزول”. فلا يمكن لوجه المستبد ان يهبط بدون شق عينيه، والخروج منها، وفي اثر ذلك، يحل الضحك، ومفاده: الاحتجاز خلف المقلتين، خلف النظر والعماء، في حيز التفرج والتمثيل، انتهى، ولن يتوقف عن الانتهاء.
المدن