صفحات الثقافة

غاليريات افتراضية تواكب الثورة السورية


راشد عيسى

قليلة معارض الفن التشكيلي التي احتضنتها دمشق خلال الخمسة عشر شهراً الفائتة، لا لأن الظروف لم تعد تساعد على الوصول إلى الغاليري الذي اعتدنا ارتياده، وليس فقط لأن السوريين استجابوا لدعوات المقاطعة للفعاليات الثقافية. الأمر ببساطة لأن الغاليري، واللوحة التي تحكي همومنا، باتت في مكان آخر. الغاليري باتت مكاناً افتراضياً، على صفحات موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ولكن، وللمفارقة، استطاعت اللوحة أن تحقق تواصلاً أكبر مع «جمهورها»،مشاهدة وتعليقاً ونقاشاً، أو حتى استنكاراً.

كذلك وجد التشكيليون السوريون ضالتهم هناك، فهم يعرفون جيداً أن الغاليري لم تعد تتسع لهم. وعلى ذلك جاءت الغاليري الافتراضية الأولى وهي صفحة على الفيسبوك حملت عنوان «الفن والحرية»، خصصت للتضامن، رسماً، مع الثورة، وقد أطلقها مجموعة من الفنانين من بينهم يوسف عبدلكي، وإدوار شهدا، وفادي يازجي، ومنير الشعراني، وياسر صافي، ونسيم الياس، وسواهم، وسرعان ما انضم إليها عشرات من أسماء سورية وعربية. المجموعة جاءت تيمناً بجماعة تشكيلية يسارية مصرية انشغل أعضاؤها بالشأن العام وقضايا المجتمع. لكن ليست صفحة «الفن والحرية» هي كل شيء، فمن تسنى له أن يزور بعض مراسم الفنانين سيرى أن أعمالاً فنية كثيرة عن المرحلة ما زالت تقبع في الظل، في انتظار الظرف المناسب كي تخرج إلى النور. كذلك يمكن القول أيضاً إن فنانين كثراً كان لهم مساهماتهم الكثيرة المنشورة على صفحاتهم الشخصية، من بين هؤلاء أعمال الفنانين عبدالكريم مجدل بيك وتمام عزام وإيمان حاصباني وسواهم.

بصمة الفنانين التشكيليين، والمشتغلين عموماً بالفنون البصرية، بدت واضحة على نحو لافت، وعموماً كان صوت هؤلاء الفنانين قوياً ومؤثراً. ليس أدل على ذلك من عدة فعاليات بصرية «فيسبوكية» خلاقة مواكبة بشكل يومي لفعاليات الثورة، المفاجئ فيها، أنك تشعر أن فريقاً كبيراً يقف وراءها في الوقت الذي لن تجد أكثر من شخص واحد، هو الفنان، يعمل بدأب ودقة الساعاتي.

ذلك ما نشهده مثلاً في صفحة «أماكن الثورة السورية» التي أنشأت لكل مدينة، أو قرية، شهدت حدثاً، مظاهرة، أو مجزرة، بوستراً يمثلها، يرفق ببحث صغير في معنى اسم وتاريخ ذلك المكان. عمل فني باهر حقاً، يريد أن يسلط الضوء على أماكن لم نكن لنسمع باسمها، الأماكن التي تستحق أن تكون في الضوء.

وعلى غرار هذه الصفحة هناك واحدة تحمل اسم «سوريا تنادي» وهي عبارة عن بطاقات بريدية تحاكي تلك التي يقتنيها السياح لدى زيارتهم بلداً أو مدينة. لكن بطاقات الثورة السورية لن تدع السياح ينعمون في هناءتهم هذه المرة، فهي هنا تحمل نفساً مأساوياً، وعناوين مقلقة من قبيل «موت في الطريق»، و«جنائز جماعية»، و«في سوريا الرصاص يزين البيوت»، و«في سوريا نبكي آباءنا في كل ساعة».

وهناك أيضاً العمل البارز «طوابع من الثورة السورية» التي تحاكي الطوابع البريدية التقليدية، فتسعى إلى تكريم شخصيات متضامنة مع الثورة، أو من قلب الثورة، وأحياناً تكرم مدناً، وكتابات، بل تكرم ما تعتبره تأسيساً للثورة، مثلما كرمت الشاعر نزار قباني الذي رحل قبل اندلاع الثورة بسنوات. طوابع بلغ عددها حتى الساعة حوالى ثلاثمئة وخمسين طابعاً بريدياً.

إلى جانب هذه الأعمال هناك قبل كل شيء ما يرفعه المتظاهرون والناشطون أنفسهم من لافتات وصور ورسوم، يلفت من بينها رسوم الجدران «الغرافيتي»، والتي تشي جميعها بفنانين في الظل، لا بد أن يخرجوا إلى النور في يوم قريب.

راشد عيسى

(دمشق)

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى