غرف التدخين/ نوال العلي
خطرت لي فكرة وأنا أبحث عن غرفة المدخنين في مطار هيثرو، وأدوخ السبع دوخات من دون أن أستطيع العثور عليها. أنا مدخنة إذن، وعلى ما يبدو أنني أعمل في الصحافة الثقافية.
قلت إنني كنت أبحث عن غرفة المدخنين حين فكرت في معنى “الثقافة”. فكرت بصديقي، الذي اضطهده المثقفون في إحدى الجلسات لأنه قال: “الدين كعنصر ثقافي”. قوبل صديقي باستهجان شبيه “بالبهدلة” ثم اعتراض بالغ من المثقفين المتدينين، الذين رأوا في اعتبار الدين عنصراً من الثقافة تقليلاً من شأن الدين بل إنه إهانة له!
جرِّب أن توقف طالباً جامعياً وتسأله ما هي الثقافة، أغلب الظن أن إجابته ستتعلق بالروايات والشعر وربما يضيف الرسم، مثلما يمكنك أن توقف “مثقفاً” وتسأله عن الحداثة فيعتقد أنها قصيدة النثر!
ما هي الثقافة إذن؟ طيب هذا سؤال كبير عليّ. ما هي الصحافة الثقافية؟ قد تستغربون أنني من المنادين بالتخلص من الصحافة الثقافية. أعني، التخلص منها بالصورة التي نعرفها كلنا.
عملت في صحف عربية مختلفة، وأعتقد أن الأقسام الثقافية فيها تشبه غرف المدخنين في المطارات، وهذا ليس خطأ العاملين فيها، الأمر برمته متعلق بكيف نفهم الثقافة؟ ثم ماذا نصنع بفهمنا هذا في الصحافة؟
الخلطة التي توصلنا إليها، بتواطؤ الكل، أن ننتج شيئاً هجيناً؛ لا هو بالثقافة ولا هو بالصحافة. شيء يشبه تماماً دخان سجائرنا في غرفة التدخين في المطار، تشفطه أنابيب غامضة، وربما يسعل بعضهم منه، لكن كلنا نعرف أننا ننتج وهماً. وأن الذين يمرون بنا، إن لم يكونوا مدخنين مثلنا، فإنهم لا يروننا.
أوجعني غونتر غراس في كتابه “مئويتي” حين قال: “أيها الصحافيون، يا صبيان الملاحق الثقافية، اقرأوا جيداً فأنتم الأسوأ”.
من يومها أستيقظ لأبدأ العمل فأشعر أنني الأسوأ، أمسك فكرة لا ترغي في يدي، كيف أغسل فكرة صغيرة بماء الثقافة العسر.
العربي الجديد