صفحات العالم

غياب دور أوباما في سوريا


نيكولاس كريستوف

نتجت أفضل لحظات الرئيس أوباما في مجال السياسة الخارجية، وأبرزها الغارة على مجمع بن لادن السكني أو التدخل في ليبيا، عن المشاركة الوثيقة والتقدير الجيد للمخاطر.

وتأتي هفواته عندما يكون سلبيا أو غائبا، كما هو الحال في سوريا. إنني بشكل عام أحد المعجبين بسياسة أوباما الخارجية، لكن فيما يتعلق بالشأن السوري، ثمة حيرة متنامية حول العالم مفادها أنه يبدو عالقا في حالة من التباطؤ والتقاعس عن اتخاذ أي إجراء ملموس.

إن الولايات المتحدة يجب ألا تغزو سوريا. لكننا يجب أن نعمل مع حلفائنا من أجل إمداد الثوار، الذين يجتازون عمليات التدقيق التي نجريها، بالأسلحة والتدريب والمعلومات الاستخباراتية.

إنني في أسبين لحضور الاجتماع السنوي لمجموعة «أسبن» الاستراتيجية، وهي مجموعة تضم أعضاء من الحزبين تتطلع إلى الشؤون الدولية، وأنا في حالة من الدهشة من العدد الكبير من الخبراء الاستراتيجيين الذين أكن لهم الاحترام ممن يرون أنه قد حان الوقت لاتخاذ إجراء عنيف.

أخبرني ويليام بيري، وزير الدفاع في عهد بيل كلينتون، بأنه لو كان في البنتاغون اليوم، لاقترح التدخل العسكري في سوريا، شريطة مشاركة تركيا ومن دون قوات على الأرض. على وجه التحديد، قال إنه سيفضل فرض منطقة حظر جوي وحظر بري في شمالي سوريا.

قال بيري: «هذه ليست استراتيجية كاملة، لكنها يمكن أن تسهل عملية الإطاحة بالأسد، كما أن لها فائدة إنسانية حقيقية». وأضاف: «وفي حالة نجاحها، يمكن أن تساعدنا في التأثير على نظام ما بعد الأسد. لكن، إذا ما تقاعسنا، لن نكون في موضع يسمح لنا بالتأثير على هذا النظام».

حدثتني مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية في حقبة كلينتون، قائلة: «إنني أؤيد التدخل، لكنه ليس بالضرورة أن يكون تدخلا عسكريا على الأرض. علينا أن نشارك بصورة أكبر فيما يحدث».

قالت أولبرايت إن التدخل الأميركي يجب أن يكون متعدد الأطراف، مع ضرورة أن لا تعرقل عدم القدرة على تنفيذ مشروع قرار صادر عن الأمم المتحدة اتخاذ أي إجراء مجددا، مثلما حدث في كوسوفو في عام 1999. قالت: «لا يمكننا تحمل أن نكون في طريق مسدود، بينما يقتل الناس هناك».

مثلما أرى، ثمة ثلاثة أسباب رئيسية تدعو للتدخل في سوريا.

أولا: كلما استمر القتال لفترة أطول، تزعزع استقرار المنطقة بدرجة أكبر. إن سوريا الآن في حرب أهلية مرتبطة بالانقسام بين السنة والشيعة في المنطقة. وكلما زاد عدد القتلى واللاجئين وعمليات القتل الانتقامية، صعبت محاولة العودة بالأوضاع إلى المسار الصحيح. وكلما طالت مدة الحرب، زاد خطر اتساع نطاق التأثير ليشمل لبنان والعراق والأردن.

ثانيا: يعتقد أن الأسد لديه الكثير من أطنان السارين وغازات الأعصاب «في إكس». وهذه الأسلحة الكيميائية يمكن أن تقع في أيدي الجهاديين أو تنتشر في السوق السوداء العالمية، ويجب أن نعمل مع الثوار السوريين من أجل المساعدة في تأمينها إذا لزم الأمر.

ثالثا: هناك مبادرة إنسانية. يبدو أنه قد قتل عدد من الأفراد في سوريا يفوق عدد من قتلوا في ليبيا عندما بدأ ذلك التدخل، ويزداد عدد القتلى بشكل مفزع.

بدأ المتظاهرون ثورتهم سلميا، لكنهم تعرضوا لقمع وحشي لا يوصف. ومن ضحايا الثورة الذين باتوا بمثابة أيقونة لها فتى يدعى حمزة الخطيب، تم اعتقاله في مظاهرة مناوئة للأسد، والاعتداء عليه جنسيا، ثم تعذيبه حتى الموت في سن الثالثة عشرة.

ما الذي يمكننا فعله؟ قد تتمثل إحدى الخطوات بالنسبة للولايات المتحدة في أن تبعد قواتها البحرية عن الساحل السوري، فيما وجهت تركيا وإسرائيل المزيد من القوات بالقرب من حدودها مع سوريا. ومن شأن هذا أن يفرض قيودا على القوات السورية، بحيث يقل عدد القوات المتاحة للأسد لقتل شعبه.

لقد قدمت آن ماري سلوتر، طالبة من برينستون عملت من قبل كواحدة من كبار المسؤولين في إدارة أوباما، اقتراحات مهمة لاتخاذ إجراء بشأن سوريا. فهي تقترح أن تقوم الولايات المتحدة ودول أخرى بتزويد القادة الذين يضطلعون بمهمة حماية المدنيين ويحاولون تفادي عمليات القتل الطائفية أو الانتقامية بمدافع مضادات للدبابات وأسلحة مضادة للطائرات، وربما طائرات. وقد صدق بعض قادة الجيش السوري الحر على قواعد السلوك هذه.

وبالتعاون مع حلفائنا، يمكننا أيضا أن ننصح القادة السوريين بأنهم إذا ما تخلوا عن الأسد، فربما يلعبون دورا في مستقبل سوريا. أما إذا ما أكملوا معه الطريق، فقد لا يكون لهم مثل هذا الدور.

دائما ما يمكن أن ينحرف أي تدخل عن مساره، وهناك مخاوف مشروعة تتعلق بسلوك الثوار السوريين. ومن المؤكد أيضا أن عام انتخابات رئاسية ليس بوقت مثالي للتدخل، على الرغم من أنه في هذا الصدد، يمكن أن يتعاون أوباما مع الجمهوريين من أجل كسب دعم من الحزبين. إنني لست من الصقور. كنت معارضا بشدة لحرب العراق والصعود الأفغاني. وأنا معارض بشدة للتحول اليوم باتجاه الحرب مع إيران. لكن سوريا، على غرار ليبيا، حالة نادرة يمكننا أن نتخذ فيها خطوات بسيطة توفر فرصة جيدة للإسراع بإسقاط ديكتاتور. وبعد 17 شهرا، هناك إجماع متزايد على أن أوباما يجب أن لا يظل واقفا موقف المتفرج.

قال نيكولاس بيرنز، وهو مساعد وزيرة الخارجية السابق للشؤون السياسية، والذي يعمل الآن أستاذا بجامعة هارفارد: «إنني مؤيد لأسلوب تعامل الرئيس مع الشرق الأوسط بشكل عام، غير أن إدارته كانت لها ردود أفعال ملموسة بشأن سوريا. إنك تسمع سؤالا من جميع العرب هو: «أين الولايات المتحدة؟»

سيدي الرئيس أوباما، هل من إجابة؟

* خدمة «نيويورك تايمز»

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى