فارس بني أحلام/ أيمن أسود
في لحظة الاستيقاظ الثقيلة، تجرني قدماي إلى طاولتي المكدسة بقصاصات الورق والزجاجات الفارغة وما فاض من صحن السجائر وعبث الليلة المنصرمة. أجلس على الكرسي وأشعل باكورة سجائري، ومع أول رشفة قهوة، أنتظر ألم المعدة الذي يجتاحني كل صباح. بعدها أمسح على عيني بقليل من الماء لأني لا أستطيع صبراً في مواجهة صوت خروج الماء من الصنبور الشبيه بضجيج مطرقة حدادٍ مفتول العضلات. أنفي لا يزال يتنفس دخان ما قبل النوم، وأذناي متخمتان بشخير قض مضاجع الأهل والجيران.
تبدأ ومضات الوعي في الدماغ مع تتالي فناجين القهوة مصحوبة بتأخر ملحوظ في عمل المفاصل. أقبع في مكاني بلا حراك، بينما أطلق العنان لأفكاري وهواجسي ووساوسي.
أستحيل كائناً مسكوناً بهوس الانتقام، ولأن أعدائي كثر ومنتشرون في كل بقاع العالم، فلا بد لي من أن أستغل الفيزياء حتى الثمالة، فأصبح قادراً على التحرك بسرعة الضوء، وأشرب من الكيمياء سائلاً سحرياً لأجد نفسي جريئاً في استعمال السكاكين والبلطات وسم الأفاعي والأسلحة الآلية بمختلف صنوفها.
أتوجه مباشرة وبسرعة البرق كي أضع رصاصة في مؤخرة رأس السفاح لكن سرعان ما أتراجع، لأن ذلك في ملتي واعتقادي قتلٌ رحيم لا يروي الظمأ. سأبدأ بالغرباء ولن أقتلهم دفعة واحدة، بل واحداً تلو الآخر. سأهرس البعض من خصيتيه بمقبض حديدي وأتركه يموت ألماً وسأضع لآخرين ال “فتيش” في مؤخراتهم لينزفوا لساعات ثم لا أنسى أن أستولي على ما بحوزتهم من عملة صعبة. طبعاً سأحتفظ بالكثير منها لنفسي ثم أطير فوق المحاصرين وأنثر عليهم بعض مما غنمته منها.
أُلاحق الطيارين في السماء، وأتعمد أن يشاهدوني أمامهم وخلفهم وبجوارهم فأنا أسير بسرعة الضوء. أحتار في كيفية قتلهم، وسأكتفي بثقب خزان الوقود بحيث ينفذ فوراً كي تسقط طائراتهم على الأرض وتنفجر بها ذات القذائف التي أُريدَ لها أن تقتل من لا حول لهم ولا قوة، وأسترق السمع للتصريحات الطنانة لمن هم على الأرض يؤكدون فيها أنهم هم من أسقطها. طبعاً، لن يفوتني أن أدس عقرباً صحراوياً جائعاً أشقر اللون بجيب مدرس التربية العسكرية الذي أسال الدماء من وجهي على مرأى من كل الطلاب في غفلة من زمن.
أحب تعذيب ضحاياي كثيراً لكني أخشى منظمات حقوق الإنسان ومن مثقفين كثر سيدينون أفعالي الإجرامية. أضع لحربي أوزارها لبعض الوقت كي انتقل إلى هؤلاء المثقفين وأصفعهم فرداً فرداً. أُعرّج على بيتٍ وأصفع سيده وأهمس بأذنه أن هذا سيتكرر. أنهب ما تيسر من مصارف حكام العالم الحقيقيين وبسرعة البرق أنثرها فوق البوادي والقفار والعشوائيات وأهبط بجوار أجمل الجميلات لأخبرها بأني أنا من فعل ذلك. طبعا ستعجب بي وتبادرني بقبلة حارة، أحملها بعدها إلى أجمل بقاع الأرض وبما أنني أتحرك بسرعة الضوء أستطيع أن أبحر عبر الزمن (حسب أينشتاين) فأصبح معها شاباً عشرينياً يطفح فحولة.
يحملني الشوق إلى حبيبتي أيام الجامعة التي تركتني وأحبت زميلاً لي. لم يكن وسيماً وكنت مجتهداً أكثر منه، إلا أنه طلق اللسان، يستطيع أن يتحدث عن الماركسية والعمال والنضال الثوري وصغار الكسبة والحلاقين وحقوق المرأة لساعات دون انقطاع ويستشهد بمئات المقولات لياسين الحافظ. سأدخل عليها وأتلمس كفيها وأقبل عينيها كما كنت أفعل. لن أسبب لها أيّ أذى لكني سأشعرها بأن جنيّاً يلاحقها من مكان لآخر مستغلاً أنها لا تراني.
أثناء عبوري للزمن، سأسرق كل ما كتبه نزار ودرويش عن المرأة والحب والأوطان وبلقيس وريتا قبل نشره وأصدره في دواوين تحمل اسمي لأكون معشوق اليساريات الحمراوات والمناضلات السلميات العفيفات والجميلات غير الطائفيات والعاملات في حقوق الطفل وتمكين المرأة.
بعد هذا كله، سأكون قد أنهيت علبة سجائر كاملة وعدة من فناجين القهوة وإبريق ال “متة” وتكون حموضة معدتي قد بلغت البلعوم، عندها يحين وقت المشي لساعتين بسرعة أرضية وبمفاصل هرئة لأقاوم ارتفاع السكر والضغط والشحوم الثلاثية وتصلب الشرايين.
وفي صباح اليوم التالي، أعود للسفاح فلا أجد طريقة مثلى لقتله. سأقبض عليه وأضعه في قفص وأسمح لكائن واحد فقط بزيارته: أسد، غير منتحل الصفة.
مدار اليوم