فاروق مردم بك: الثورة السورية أكبر من كل المثقفين وموقف أدونيس السلبي منها ليس مفاجأة
صاحب دار «آكت سود» الفرنسية يرى أن كثيرا من الكتب عن «الربيع العربي» ذات طابع تجاري
بوعلام رمضاني
استبق الكاتب السوري المعارض، فاروق مردم بك، في الحديث الذي أدلى به لـ«الشرق الأوسط»، نشأة رابطة الكتاب السوريين، البديل لاتحاد السلطة الحالي، بتمييزه بين مثقفين سوريين اختاروا صف الثورة منذ البداية، ومنهم المفكر برهان غليون، الذي يترأس المجلس الوطني المعارض، وآخرين شككوا في نجاعتها وهويتها، ومنهم أدونيس، بحجة أنه يخشى «وصول الإسلاميين إلى السلطة». ويقول مردم في حواره هذا مع «الشرق الأوسط» في باريس معلقا عن موقف أدونيس إنه غير مفاجئ، لأنه لم يكن معارضا يوما ما لنظام الأسد.
* كثر الحديث عن موقف «غير واضح» للمثقف السوري، سواء تجاه المعارضة أو السلطة.. ما تعليقك؟
– يصعب إطلاق حكم عام على المثقفين السوريين، كما فعل البعض في الوقت الذي يلعب فيه الكثير دورا طلائعيا وتعبويا في الداخل والخارج، على الرغم من صعوبة وقسوة الواقع السياسي الذي عرفه المثقفون الذين بقوا في سوريا، وخاصة أولئك الذين تعرضوا لكل أنواع التعذيب في سجون سوريا وفي سجن تدمر الرهيب بوجه خاص. ونحن حينما نحاول تقييم دور المثقفين السوريين، يجب أن نستثني آليا المثقفين البعثيين الذين كانوا دوما في خدمة النظام، الذي أمم الثقافة وكرسها للترويج لتوجهه، ونكرم العشرات الذين قضوا ما بين 10 و20 سنة في السجون، الأمر الذي يجبرنا على التحلي بالتروي والتعقل عند الحكم عن المثقفين السوريين، ووضع الأمر في ديمومته التاريخية وسياقه الموضوعي. أما عن المثقفين السوريين الذين يعيشون في فرنسا، فيمكن القول إن أغلبيتهم ما زالوا يسهمون يوميا في تعبئة الرأي العام حول خطورة الأوضاع في سوريا، وحتمية التغيير الديمقراطي، ومن أبرزهم المفكر الكبير برهان غليون، رئيس المجلس الوطني المعارض، وصبحي حديدي وسلام الكواكبي وبسمة قضماني، والكاتب الصحافي، ياسين الحاج صالح، المختفي اليوم، وسمر يزبك، التي لجأت إلى باريس، ورشا عمران وروزا ياسين دون التحدث عن مثقفين متميزين من عيار وحجم مثل ميشيل كيلو وفايز سارة ولؤي حسين وهيثم المالح ومثقفين آخرين لا يمكن ذكرهم كلهم في هذا المقام.
* ماذا فعل هؤلاء عمليا في تعبئة الرأي العام العربي والفرنسي بوجه خاص؟ هل من أمثلة ملموسة حتى تتضح الصورة لعامة القراء؟
– لقد شارك هؤلاء في المؤتمرات والندوات واللقاءات التي نظمت في باريس منذ انطلاق الانتفاضة السورية مع الأحزاب السياسية الفرنسية في باريس، وفي المحافظات، ولم يقتصر دورهم بحكم جنسيتهم على الوضع السوري، وشمل الثورات العربية كلها في علاقتها بالمتغيرات الحاسمة التي تعرفها المنطقة العربية، وأنا شخصيا أسهمت، إلى جانب الكثير من المثقفين السوريين في الكثير من الندوات، كتلك التي نظمت في مسرح الأوديو الشهير، وحضرها نحو 1000 شخص، من بينهم شخصيات سياسية بارزة من اليمين واليسار، مثل آلان جوبيه، وزير الخارجية، وجوسبان رئيس الوزراء الاشتراكي السابق والأمين العام للحزب الشيوعي، ودولانوي، عمدة مدينة باريس. وفي نفس المنظور، أسهم الكثير من المثقفين السوريين في عيد صحيفة «لومانيتيه». وفي كل اللقاءات التي نظمت (15) إلى الآن، أكد المثقفون على خطورة الوضع السوري وحتمية تأييد الثورة الشعبية التي أسقطت حاجز الخوف ضد نظام إجرامي وفاسد، وكما تتخيل، لا يمكن لدور المثقفين أن يتجاوز مستوى تعبئة الرأي العام وتحسيس المجتمع المدني والحقوقي والوسائل الإعلامية والمؤسسات الثقافية والفنية والفكرية بحتمية دعم الشعب السوري المؤيد في معظمه لمبدأ التحرر من النظام الديكتاتوري.
* ما حجم وثقل المثقفين في مختلف أنواع المعارضة السورية وعلى رأسها المجلس الوطني الذي يترأسه غليون؟ وما المعنى الذي تعطيه لوجوده على رأس المجلس؟ وأين أنت من المعارضة؟
– لا ينشط المثقفون في المجلس الوطني فقط وهم حاضرون في مجموع قوى المعارضة، مثل هيئة التنسيق بالداخل، ومن أبرز شخصياتها سمير عيطة وهيثم مناع، وشخصيا لست عضوا في المجلس الوطني وأعتبر نفسي أحد أصدقائه، ولم أنخرط لأسباب أخلاقية ومهنية لا تسمح لي بالتفرغ التام وبالتالي السفر المنتظم والدائم، وأدعم المجلس سياسيا بصفة مطلقة، لأنني أومن أنه من الحتمي إزاحة النظام السوري كلية، ولا أمل في إصلاحه. ولعل التجاوب الذي لقيه في الداخل دليل صحة تصوره. في الوقت نفسه، أعتقد أنه ليس من الأمر السيئ أن يبقى بعض المثقفين على مسافة معينة من المجلس، على الرغم من تأييدهم له واستقلاليتهم علامة صحية أخرى على درب مستقبل سوريا التعددي. وعلى الرغم من احترامي وتقديري لرمزية وجود برهان غليون على رأس المجلس الوطني باعتباره شخصية فكرية من الطراز الأول وسياسية جامعة وتوفيقية، أقول إن الثورة السورية تاريخ عربي جديد بكل المعايير، وأكبر من كل المثقفين مهما كبرت قاماتهم. لكن خصوصية دور غليون في كونه المثقف المناسب للقيام بالمهمة المناسبة، انطلاقا من تاريخه وتجسيده لوفاق بين كل حساسيات وتوجهات مختلف المعارضين للنظام السوري في المجلس الوطني
* ما تفسيرك لموقف المثقفين السوريين والعرب المترددين في تأييد الثورات أو الانتفاضات العربية، خوفا من وصول الإسلاميين إلى السلطة؟ وهل نحن أمام حالة المثقف الذي قال لي أيام المجزرة الإسرائيلية في غزة: «كيف تريدني أن أؤيد حماس المتطرفة باسم محاربة إسرائيل»؛ فنحن لسنا بعيدين عن السياق نفسه من حيث المبدأ، وهذا المثقف لا يختلف في الجوهر عن موقف أدونيس الذي يرفض تسمية ما يحدث في البلدان العربية وفي سوريا بالثورة، تشبثا بمفهوم الثورة التقليدي الحامل لآيديولوجية بقيادة زعامات ثورية، علما بأن ما يقلقه ويحرجه هو الحضور الإسلامي القوي في المعارضة، كما نبه إلى ذلك الطاهر بن جلون وعبد الوهاب المؤدب وآخرون كثر من المثقفين العرب والفرنسيين، وكما تطالعنا بذلك الصحافة الغربية بوجه عام دوريا منذ انتصار الثوار في مصر وتونس واندلاع ثورات أخرى؟
– أولا ليس هناك أي تناقض بين محاربة النظام السوري المجرم والفاسد كما يعرف الجميع وحرب إسرائيل على الفلسطينيين وبين رفض توجهات بعض أصحابها، كما هو الحال مع الإسلاميين في فلسطين أو في سوريا أو في بلدان عربية أخرى. بالنسبة لأدونيس، أقول إنه لم يكن يوما ما مثقفا ملتزما من منظور عملي، وكان له دوما تصور ميتافيزيقي من الواقع السياسي العربي، فهو يؤمن بالأبيض أو الأسود ويكفر بوجود بمناطق رمادية. ولا يتم التغيير في رأيه إلا بتدمير كل البنى، وهذا في رأيي يعتبر تهربا من اتخاذ موقف صريح مما يدور في الساحة العربية بوجه عام والسورية بوجه خاص. وفي حقيقة الأمر لم يكن أدونيس ثوريا يوما ما، وكان مقبولا لدى الأنظمة العربية، بما فيها السوري، ويبقى شخصية ثقافية مهمة وصاحب تاريخ أدبي كبير، وليست هذه هي المرة الأولى التي يؤيد فيها النظام السوري، وفعل ذلك عندما دخلت سوريا لبنان لضرب المقاومة الفلسطينية، وشخصيا لم أستغرب موقفه من الثورة السورية.
* قال أحد الكتاب السوريين المعروفين إنه حظي بدعم النظام السوري للوصول إلى اليونيسكو وعلاقته وثيقة بقادته..
– لم يكن في حاجة للدعم السوري، وعلاقته قوية بالأنظمة العربية وبجهات فرنسية وحتى دولية، ويعتبره البعض قمة في الشعر.
* هل لك أن تحدثنا عن دور وخصوصية دار «آكت سود» التي تشرفون فيها بنشر الكتاب العربي؟
– أولا يجدر الإشارة إلى أنني أمثل تاريخيا دار نشر «سندباد» ، التي اشترتها دار «آكت سود» عام 1995، بعد وفاة مؤسسها، بيار برنار، وعليه، أنا المسؤول اليوم عن كل الإصدارات التي تتعلق بالثقافة العربية والإسلامية. يمكنني القول إن «آكت سود» هي الأولى فرنسيا وأوروبيا في هذا المجال إلى جانب لاديكوفرت المهتمة أكثر بالسياسة. وتنشر الدار سنويا ما بين 20 و22 إصدارا من بينها 8 موزعة بين الرواية والشعر والتراث والبحث بوجه عام، وكما تعلم، لا يمكن لدار واحدة نشر كل ما يصدر في 21 دولة عربية أصبحت تنشر في معظم الحالات باللغة العربية، بما فيها تلك الدول المغاربية التي عرفت في وقت سابق بنشرها باللغة الفرنسية مثل الجزائر.
* صدر كمّ هائل من الكتب الفرنسية عن الربيع العربي، ولا شك أنكم اطلعتم على بعضها؛ كيف تقيمون عموما مثل هذه الكتب؟
– يمكن الوقوف أساسا عند كتب الاختصاصيين من أمثال جان بيار جوليو، «الثورة العربية 10 دروس»، وفانسان جيسار، «حوار مطول مع المنصف المرزوقي الرئيس الحالي لتونس»، والأخرى السريعة التي كتبت من منطلق تجاري، مثل برنار هنري ليفي، هذا الرجل النرجسي والمهووس بالشهرة والمؤيد لإسرائيل في كل الحالات.
الشرق الأوسط