صفحات الثقافة

فرسان يراقبوننا من العصور الوسطى/ خورخي بالما

 

 

ماذا لو لم يكن

رجلٌ تصطدمُ فخذهُ

ببوَّابةِ مصنعٍ

يحفظُ أطعمته

ماذا لو قُرِعَ الجرس فجأةً

وأرعدت صافرةُ الإنذار

وفُتِحَ البابُ

وكعاصفةٍ

عبر اضطرابٌ بجانبهِ

فاستيقظَ؟

ملاكٌ عارٍ يبكي مُرتجفاً

في إحدى زوايا غرفة الطعام

ماذا لو لم يكن بُكاءً ذلك الذي يُبلِّلُ وَجهه؟

ماذا لو كان إحساساً أو أيًّا ما كان،

ماذا لو لم يكن أصلاً ملاكاً أو حارساً

بل حُلماً مُفزعاً،

وآثار خوفٍ مخبوءةٍ بين الثنيات

في عينين محمومتينِ لرجلٍ يتضرّع؟

امرأةٌ حُبلى تتسلَّق

سقالةً

تاركةً

على حافَّةِ السَّماءِ

الغذاءَ في وقت محدَّدٍ من منتصف النَّهارِ

ماذا لو كانت المرأة بهلوانةً مُتَّشِحةً بالنار

تَتَسلَّق السَّقالات

تُطلُّ علينا من السماء

بساقينِ كجذعينِ

بعينينِ كما الرَّبيع

بشَعْرٍ يندلعُ شُعلةً

في علياء يومٍ متذبذب؟

رجلٌ فارقَ الحياةَ منذ ساعتين

يدعو إلى التأمُّل

في الدنيا الزائلة

وقريناتها،

ماذا لو استيقظ فجأة

ووجد ذلك حلماً ثقيلاً،

سيئاً،

ثم رفع جفناً

فانخطف بَصَرهُ من جديدٍ

بانفجارٍ مُلوَّنٍ لسماءٍ

عابقةٍ برائحةِ صيفٍ مُمتدّ؟

ستمرُّ زهورٌ

وأقرباءُ

ومراسمُ غيابٍ مؤجَّلةٍ

كهبوبُ ريحٍ دافئةٍ

في غروبِ يومٍ من يناير.

إذ لم يكن ذلك إلا حُلُماً

ما الموتُ سوى حُلمٍ أسود نُحاولُ نسيانهُ،

كُلَّما تسلَّقت المرأةُ

ذاتُ الشَّعرِ المُنسدل النَّارِّيِّ

والعيونِ الذَّهبيَّةِ

سقالةَ السَّماءِ

وخطفت أبصارنا.

 

فرسان

من وقتٍ لآخر

يُرى بعض الفرسان القدماء

بدروعٍ مُهترئةٍ/ قديمةٍ لكن كاملة/

متعبين لكن غير فاسدين/ ينظرون من

إحدى أركان المدينة

بينما ننتظرُ هطولَ أمطارِ أبريل

كانتظار حلولِ البركات

إذ يصعب النَّومُ/ الحلمُ/ الاستماع إلى أغانٍ

تتحدَّث عن الرّوحِ/ عن الحمائمِ/

عن طيورٍ ملوَّنةٍ تعبرُ سماءَ الطُّفولةِ

في درجةِ حرارةِ ثلاثين.

من وقتٍ لآخرَ يلتقي

فرسانٌ قدماءُ، عند أركان المدينة/

بعيونٍ متعبةٍ/ لكن حيَّة/ بملابس رثة/

يلوّح منها الكبرياء/

بصدر يمتلئُ ثغرات وأسئلة/

يتطلعون إلى سماءٍ منهارةِ/

يتلصَّصون بخوفٍ

من الزوايا الأربع الرئيسية

للدهشة.

لا مجالَ للتعليق/ لا فسحة للشكّ/

رأيتهم الليلة/ على بعد أربع ثوانٍ من جبهتي وجبهتك/

بينما كنتَ ترقد في نومك، كنتُ أحرس أحلامك متلمِّساً طريقي بها/

عندما قلتَ لي: “هكذا كنتَ تحلم بفرسان يراقبوننا من العصور الوسطى”

قلتُ لك: “نعم/ كم كانوا متعبين/

مسنِّين فقراء، معتدِّين بذواتهم

كم كانوا جميلين”.

 

سَقَّالات

نرى وجوهاً لا قلوباً/

على الأقل ذلك القلب المحطّم

برأس مُطرِقة/ بشاب السَّقَّالة البعيدِ/

بأيدٍ صغيرة/ بعرق غير مدرك/

بخفقانٍ تَلَبَّسَهُ الشيطان

على حافة الهاوية.

فقط في مركبهِ الحائرِ

في مهده

ذي الألواح الخشبيَّة والحديد

في نعشه المحمول

دائمِ الاهتزازِ كبندول

كشهابٍ لامعٍ

في السماواتِ البعيدةِ

في المدينةِ التي تَهرُشُها

أدخنةٌ وأبواقٌ وطيورٌ فارَّةٌ من المطر

بين طرقاتِ المطرقةِ

التي تُصدِرُ أصواتاً من الأسفل

لملايين

كنوتات موسيقية عذبة

تتساقط من السماء.

 

* Jorge Palma خورخي بالما (مونتفيديو، 1961). شاعرٌ وروائي وصحافي من الأوروغواي، له العديد من الدواوين، منها: “بين الريح والظل” و”النسيان” و”يوميات السماء” و”درب التبانة”. إلى جانب الشعر والرواية، يكتب القصة القصيرة أيضاً، ومن مجموعاته القصصية: “جنان اصطناعية” و”أحدهم يتنفس في الظل”.

 

* ترجمة عن الإسبانية غدير أبو سنينة

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى