فصل الشجاعة/ محمد المطرود
ابتَسمْ بلا سَببٍ، يَليقُ بِكَ أنْ تَكونَ ضَاحِكا ومُستقبلا الحياةَ كالمجانين، عُضَّ علىَ جُرحِكَ كالفرسانِ وتألَمْ كامرأةٍ، ويَقولُ فَصلُ الشجاعةِ الناقصِ: انظُر في السِكين مغروزة فيك، قل ما أجملَكِ أيتُها السكينُ، ومَسِّدْ قبضتَها كَما لو أنكَ تَمسَحُ بيديكَ فَروَ القطةِ، قطةِ البيتِ النظيفةِ، لُعبةِ الأطفالِ وصانعةِ بهجتِهِم، ولا تخجل الشجاعةُ تقولُ أيضا: كُن حَنونا كوترِ الكمانِ وكُن قتيلا وليسَ قاتلا، وكُن، وكُن جِسرا وجارا خَلوقا وأغنية شجية تنبعثُ كغازٍ نبيلٍ من نافذةِ في الحي البائسِ، احنِ ظهرَكَ لتكونَ واطئا كسورِ الحديقةِ أو حصانِ (قزم) يَمتطيكَ الآخرونَ بسيوفِهم الخشبيةِ وتُروسِهِم الوهم ومايحسبونَهُ النصرَ المرتقبَ، ارفعَ إصبعين: الشهادةُ أو الشهادةُ، قاموسُكَ الفقيرُ لايَحتَمِلُ الاختيارَ (الشهادة أو النصر)، فاختَر الأسهلَ والأقربَ وعِشْ غدَكَ من أولهِ إلى آخرهِ.
استلقِ على ظَهركَ، انظر إلى السماء، لاتنبهر بالغيم والطيور والطائرة، لتعرفَ أنَّ اللهَ هناكَ، لا ليسَ لتعرفَ أنَّ الله هناك، لتعرفَ أنَّ السماءَ عاليةُ وأنكَ سُورُ الحديقةِ الواطئ، ولستَ طائرا ولاجناح لكَ لتعانقَ هذا الأزرق البعيدِ، كُن مُحبطا ومُصدّرا خيبتكَ إلى أولادِ الجيرانِ المراهقين، لأنك لا تبلغُ السماءَ بطيشكَ الذي تسميه: شجاعة. يليقُ بالشجاعِ أن يكونَ خائبا وبائسا وحانقا علىَ الأصدقاءِ قبلَ العدو وباطشا بنفسهِ إن لم يَجد مَن يفتك بهِ من الأعداء.
إذا شتمكَ أحدٌ، اِلتمس لهُ عذرا، مَن شتمكَ كانت حاجتهُ أن يشتمكَ فَحَسبُ، فلاتحمل عليه، فتجرحُ بوحشيتكَ مشاعرَهُ، فيبتئسُ، فيتوحَّدُ، فيمتدُّ كأرخبيلٍ في خوفهِ، فينزوي في الظل أو العتمة وكليهما قاتلان، فلايربي أطفالَهُ كما يجبُ، ذنبُ هؤلاء الأطفال” أطفال الشوارع” فيما بعد تتحملُه أنتَ وليسَ سواك، ممن لايكترثونَ بأحزانِ أطفالِ الشوارع، أمَّا الأمهاتُ، دَعَواتُ الأمهات ستجلبُ لكَ اللعنةَ والنحسَ، والزوجاتُ الفتياتُ سيندبنَّ حظهنَّ العاثر في الليل: “كيفَ استدلَّ الشجاعُ على أزواجنا؟!” وسيحملنَك وزرَ وِحشَةِ السريرِ وبردهِ.
الشجاعةُ عِبءٌ مُضاعفٌ يرهقُ كاهلكَ، ويَحِطُّ من قدْرِكَ إذا انهزمتَ، الشُجعانُ يَنتصرونَ أبدا، هذا ماتقولُهُ ضربةُ حكيمٍ – طائشةٍ والحقيقةُ غير ذلكَ، أنتَ (هنا) صاحبُ قرارٍ، قرارِكَ، وأنتَ هنا بما تملكُ سيدُ نَفسكَ وعبدُ فكرةِ الخلودِ.
اقتَدِ بالشاعرِ يقول: “سئمتُ تكاليفَ الحياة”
لاتقُلْ مثلهُ: سئمتُ تكاليفَ الحياة. قُل سئمتُ الحياة، عشتُها لأرىَ
فالحياةُ.. حياتُكَ متعبةٌ أكثر مما يَنبغي ومَكشوفةٌ لتُقنَصَ باحتفال
قُل: مُتُّ/ مَللتُ أربعينَ حَولا من الأفاعي اِلتففنَ حولَ عُنقي وأحلامي.
اتْرُكْ مباهجَكَ لسواكَ، انشَغِلْ بسواكَ، لطالَما نُذرتَ لَهُم كَبشا لَهُ في الذبحِ والقراعِ، لطالَما نُذرتَ ذات هوى لتكونَ بَعضَ المسيح، يَمشي في الليل ولايغرقُ فيه، ويُلطَمُ علىَ الخدينِ فلايقلقُ ساكنا، ابتَسمْ ودِر قفاكَ لتركلَ كَكُرةِ الصوف، كُن كرةَ الصوف ولاتكن ذئبا، لتكُن لقمةَ الذئب، حِصتهُ في قسمةِ الطبيعةِ، ليتَها أكلتكَ الذئابُ ورثاكَ الشُعراءُ الصغارُ، الشاعرُ الصغيرُ ينتشي بخبرِ الموت، وأنت تموتُ تمنحهُ نَصا هوَ أحوجُ إليهِ من حياتِكَ إليك.
الشجاعةُ كلبٌ أدرَدٌ يُهرِقُ قواهُ في النباحِ، يَصومُ السنة عنِ العضِّ وينبحُ في يوم واحدٍ على عدوهِ وصاحبهِ. الكلابُ الوفيةُ كَكُلِ الكائناتِ الوفيةِ ضعيفةٌ ولاتستحقُ الحياةَ. الحياة للبشرِ الأشقياءِ أصحابِ الضَلالاتِ الكبرى والظِلالِ الطويلةِ في العصاري، الحياةُ للحشراتِ والحيواناتِ التي لا تُرىَ، الحياةُ للذئابِ الفتيةِ والكلابِ المَسعورةِ.
ذاتُ ظَهيرةٍ مرَّت كنتَ رأيتَ نجما، مددتَ يدكَ وقطفتَ نجمة ونسيتَ يَديكَ مُعلقَةَ، قالتهَا العرافةُ: سَترىَ النجومَ بجسدِكَ لابعينيك، فلاشمسٌ ولاقمرٌ ولانجومٌ ولاسماءُ، كَونُكَ الكبيرُ زنزانتُك فاعتَد ظلمةَ الغُرَف ومن فتحةٍ تُسمّى زورا: نافذة، خاطِب السماءَ كما لو أنَّها ابنتك أو ابنةُ عَم (الأوكسجين) القليل.
الشجاعةُ أنْ تبكي، تبكي بحرقةٍ، وتنكشَ الدودَ النحيلَ في قلبكَ، الدودَ الذي آنَسَكَ وأبهجكَ في غربتِك وأشعرَكَ أنكَ قوي، أقوىَ من حيوانٍ أعمىَ يلمُّ بك ولاتراه. الغربةُ التي تهدَّ حيلَ الرجلِ عقربٌ عملاقٌ والحنينُ روحٌ ملدوغةٌ.. مُتنا جميعا بالسُمِّ والذكرىَ وسِواهما، وإذ لَم نرَ أرضَنا ضَربنا بكعابِ أحذيتنا الخريطةَ وقلنا: “عائدونَ ياأمنا التي تحتِ أقدامكِ الجنةُ”. والأرضُ أمٌ قلنا وخبطناها بكَعبِ الأحذية.
اكْتُبْ تاريخك اللامُهم
اكْتبْ بسبعةِ آلافِ سنةٍ من الحِبر
اكْتبْ بأربعين حَولٍ لاحولَ ولايدَ لكَ فيها
اكتُبْ تاريخَكَ الشَخصي: زوجتك/ أبناؤك الميامين/ الحجرُ الذي اشتغلتَ عَليه وحولتَهُ من آبدةٍ إلى حجرٍ يعيشُ الآنَ، الحجرُ الذي طَّوعتَهُ فصارَ له عينان ويتكلمُ موسيقىَ، الحجرُ الذي حننتَ إليهِ وعشتَ في ظل أشباهِهِ في مكانِكَ الجديد، بشرٌ مثلكَ شجعانٌ، صوارمٌ، ذوو بأسٍ يقطعونَ حبلَ سرّتهم بالماضي العتيد/ صاحبِ السمعةِ الحسنةِ، الشجاعُ الذي هوَ أنتَ يُطلِقُ النارَ على ماضٍ يخذلُه كنبي وعابرٍ للقارات ويقتلهُ حقيقة ومجازا، الشجاعُ ولاشجاعَ إلا أنتَ يُعنىَ بالتاريخِ إنْ هوَ صفحةٌ مزورةٌ من الحياةِ وليسَ الحياةَ كلَها.
أخيرا آنَ يزورُ الزلزالُ المدنَ والأرواحَ والطرقاتِ لاتسكُنْ مَكانا عَاليا، لاتمشِ مُحاذاة الجدارِ الآيلِ للفزَعِ، لا تقترِبْ مِنَ الأنهار/ المياهُ النساءُ مغرية/ شفافةٌ/ ضحلةٌ وتغرقُكَ. آنَ يزورُكَ الزلزالُ/ زلزالُكَ الشخصي اسْتَندْ إلى ظلكَ، المعقولُ أنَّ الظلالَ خدعةُ، تَتبَعُ صَاحبَها، الظلُ مِثلُ الكلبِ إنْ أطعمتَهُ أطاعَكَ، فامنحْ ظلكَ بعضَ جَسدِكَ ليَسْندَكَ.
المستقبل