صفحات العالم

فعلاً… قوّة لبنان في ضعفه/ حـازم صـاغيـّة

 

تستفزّ عبارة “قوّة لبنان في ضعفه” كثيرين. فهذه العبارة التي كان يردّدها السياسيّ الراحل بيار الجميّل، مؤسّس حزب الكتائب اللبنانيّة، تصطدم بكلّ ما اتّفقت عليه الثقافة السياسيّة العربيّة وتواضعت: الجيوش القويّة، الأعداء، الحسم، المقاومة، الجهاد إلخ…

لكنّ الفارق النسبيّ اليوم بين لبنان ومحيطه كامن بالضبط في العبارة هذه. أمّا الخطر من أن تتساوى حالة لبنان مع حالة محيطه، وهو خطر قائم طبعاً، فنابع من مقدار القوّة الذي ينتجه الوضع اللبنانيّ، والذي يتّخذ راهناً شكل التدخّل العنفيّ في الصراع الدائر في سوريّا.

يقال هذا وفي البال أنّ تركيبة اللاقوّة أعفتنا من وجود جيش كالجيش السوريّ “الباسل” الذي يلقي البراميل على شعبه، ويسجّل هزيمة بعد أخرى أمام “العدوّ القوميّ”، أو كالجيش العراقيّ، “الباسل” بدوره، والذي سبق للأكراد والإيرانيّين والكويتيّين أن خبروا “بسالته” على مراحل، قبل أن تتعرّض لامتحانها الأخير في الموصل، أو حتّى كالجيش المصريّ الذي خنق الحياة السياسيّة والتعبيريّة في بلده منذ 1952، وما إن حملت ثورة يناير للمصريّين وعداً آخر حتّى عاد الفريق السيسي إلى سياسة إحكام القبضة.

وإذا كانت اللاقوّة هذه تخفّف أسباب المخاوف المتبادلة بين الطوائف اللبنانيّة، وتحدّ بالتالي من العناصر الخلافيّة، فإنّها تستجيب التكوين الاقتصاديّ للبنان الذي يتطلّب الاستقرار ولا يتطلّب بتاتاً قضايا القوّة والغلبة، كما تستجيب، بالصداقات التي تنتجها، سياسة خارجيّة لا تذهب مذهب الانحيازات الحادّة والقصوى.

هكذا رأينا أنّه منذ الخمسينات، حين بدأت سياسات القوّة (جيوش، ديكتاتوريّات، اقتصاد موجّه، قضايا “مصيريّة”) تستولي على البلدان المجاورة، يهاجر سوريّون وعراقيّون ومصريّون إلى لبنان ويستقرّون فيه، علماً بأنّه ليس نعيماً بأيّ معنى من المعاني، وهو نفسه شهد حرباً، وقد يشهد حروباً تالية، بسبب بؤر القوّة فيه. إلاّ أنّ عدم تحوّل القوّة إيديولوجيّةً حاكمة للبنان، أو نظاماً يحاكي تلك الإيديولوجيا، لم يدفع اللبنانيّين إلى الهجرات الواسعة نحو بلدان القوّة والاستقرار فيها.

تبقى الحجّة السقيمة عن التحرير، وهو المركب الخشن الذي كان يمكن اللبنانيّين تجنّب ركوبه لولا التعرّض لاحتلال كان في وسع اللاقوّة أن تعفينا منه. وهذا، على رغم كلّ الكذب الرائج اليوم، كان واقع الحال لفترة امتدّت من 1949 حتّى 1968. وكم يتبدّى الآن، ولا سيّما مع انتقال حزب الله إلى سوريّا، وتنامي المخاطر الإرهابيّة التي يتصدّرها تنظيم داعش، أنّ ضعف لبنان في قوّته.

وهي قوّة قابلة لكلّ توظيف وكلّ استخدام، ابتداء بالذين حملوا السلاح “لتحرير فلسطين” وما كانوا، في آخر المطاف، سوى خدم للأنظمة العسكريّة والاستبداديّة المجاورة، وانتهاء بالذين قدّموا أنفسهم مقاومين لإسرائيل وانتهوا مقاومين للشعب السوريّ، يفتحون علينا أبواب داعش والجحيم.

موقع لبنان ناو

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى