فقر اللاجئين في الدنمارك… أحلام الحياة الكريمة تتبدد/ كوبنهاجن – ناصر السهلي
ألغى اللاجئ السوري في الدنمارك حسين العواميدي، خطط لم شمله مع عائلته المكونة من زوجته وأطفاله الأربعة، على الرغم من نجاحه بعد ثلاثة أعوام في نيل إقامة دائمة أهلته للحصول على تأشيرات استقدام لعائلته الموجودة في سورية، إذ شددت حكومة يمين الوسط الحاكم، قوانين اللجوء في أكتوبر/تشرين الثاني الماضي.
“عقب تطبيق تعديلات قانون اللجوء، تم تقليص المساعدات الاجتماعية إلى النصف لمن لا يعملون 100 ساعة بموجب عقد عمل”، كما يوضح حسين الذي صار يتلقى 4 آلاف كرون (ما يوازي 576 دولارا أميركيا)، بدلا من 8 آلاف كرون (1152 دولارا)، يدفع منها إيجار مسكنه وقيمة المواصلات وبقية نفقات المعيشة الغالية، الأمر الذي لا يمكنه من إعالة أسرته التي ستعيش في فقر مدقع يبدد آمالهم في حياة كريمة تريحهم من معاناة الأوضاع المتردية في سورية.
معايير الفقر في الدنمارك
منذ الربع الأول من عام 2011، وحتى الربع الثالث من عام 2016، استقبلت مملكة الدنمارك 19.632 طالب لجوء سوري، وفقا لإحصاء موثق عبر موقع الإحصاء الدنماركي الحكومي، من بين هؤلاء الخمسينية السورية أم عزيز والتي تعيش هي وزوجها سميح، الذي كان يعمل محاسبا في سورية، على الإعانة الاجتماعية، ريثما يجري تأهيلهما لغويا وعلميا حتى يمكنهما الاندماج في سوق العمل.
بعد دفع الفواتير المختلفة يتبقى للزوجين من الإعانة الإجتماعية، حوالي 2000 كرون دنماركي (287 دولارا)، بالكاد تكفي لشراء الطعام وضرويات المنزل، كما تقول أم عزيز ، التي تؤكد أن التضييق المادي لم يعد في الدنمارك فقط، بل ينتشر في الدول المحيطة، كما تروي لها صديقاتها، وتتابع بتأثر “لو كان الواضع في سورية يسمح لما بقيت أسبوعا واحدا هنا”.
تصمت قليلا، وقد مر على تهجيرها من شمال سورية ثلاثة أعوام وتضيف بصوت مخنوق “لم أختر أن أصل إلى دولة في شمال أوروبا بسبب المال، بل الناس كانت تختار بحسب قوانين الدول في لم الشمل وسهولته، انظر اليوم كل القوانين صارت شبه موحدة، لكن أن تشكو من الفقر فهذا والله أخجل منه”.
لكن ما هي معايير الفقر في الدنمارك، يجيب الخبير في شؤون الاقتصاد الاجتماعي جون أبليسغورد، قائلا لـ”العربي الجديد”:”المسألة تقاس وفقا لمتوسط الدخل، وكل من لا يتعدى دخله 60% من متوسط الدخل في الدنمارك والذي يبلغ 39.781 دولار سنوياً، يعتبر في خانة الفقر”.
وتعد البيئة المهاجرة واللاجئون، الأكثر تأثرا بمسألة الفقر من حيث نوعية الحياة، إذ تعيش نسبة كبيرة منهم على الإعانات الاجتماعية لعدم قدرتها تلبية حاجات سوق العمل، كما يشرح أبليسغورد العضو في حزب اللائحة الموحدة اليساري، والذي ذهب إلى تفصيل أرقام الدخل والاحتياجات اليومية للعائلات وفقا لأرقام رسمية صادرة عن “مجلس الأعمال الدنماركي”، موضحا أن “الأسرالمكونة من شخصين ويتوفر لديها 204 كرون يوميا لكل شخص (29 دولارا) تصنف وفقا للمعايير الدنماركية على أنها من الأسر الفقيرة”.
أما العائلة المكونة من 3 أشخاص، فإنها تعد من بين العائلات الفقيرة في حال توفر لكل فرد أقل من 173 كرون يوميا (24 دولارا)، ويشرح الخبير الدنماركي بأنه من تلك المبالغ يجب دفع الفواتير الأساسية والعيش بالبقية بما فيها شراء الملابس وغيرها من الاحتياجات”، قائلا “على افتراض أن متوسط الدخل للفرد في الأسرة الدنماركية بعد الضريبة، 538 كرون يوميا (77 دولارا)، فإنه يمكن فهم الاختلال الذي يعيشه هؤلاء اللاجئون الذين يشكون من عدم قدرتهم على تلبية متطلبات الحياة في الدنمارك”.
الفقر يعيق الاندماج
تبرر وزيرة الأجانب والدمج الدنماركية انغا ستويبرغ، تعديلات قانون اللجوء المشددة بأن “القادمين إلينا ليسوا لاجئين بل مهاجرون يبحثون عن تحسين أوضاعهم الاقتصادية والحياتية والتعديلات تهدف إلى جعل البلاد أقل جاذبية للمهاجرين الاقتصاديين”، وهو ما ترفضه ترينا سورنسن، المسؤولة في مكتب لتأهيل القادمين الجدد لسوق العمل، إذ إن نظام الرفاهية أسس منذ عقود، قبل حضور اللاجئين، كما تقول موضحة أنه على الأجنبي أن يمر بمراحل عدة قبل أن يصبح جزءا من سوق العمل، سواء في تعلم اللغة وامتلاك مهارة ما، وريثما يجري ذلك التأهيل لابد من تأمين حياة الناس اليومية، لهذا يوجد نظام الإعانة الاقتصادي المؤقت في البلديات، من خلال موازنات عامة”.
ويتفق لبيب نمر الخبير في مجال مساعدة القادمين الجدد على الاندماج في بلدية آرهوس (شرق كوبنهاغن)، مع ترينا سورنسن، ووفقا لما لاحظه في عمله بالبلدية التي تأثرت بالقوانين الجديدة، فإن النسبة العظمى ممن تأثروا بقوانين اللجوء والإعانة الاجتماعية المعدلة، هم من اللاجئين الذين قدموا من دول تعاني من الحروب.
ووفقا لمشاهدات نمر، فإن اللاجئين لديهم قابلية أن يشتغلوا، لكن العديد منهم يستغنى عنهم صاحب العمل بعد فترة تدريب تصل إلى 8 أشهر “إذ لا يريد توظيفهم ودفع رواتب مثلما يجب”.
يقول نمر “القوانين جامدة ولا ترى واقع أن هؤلاء تعرضوا للكثير من الصدمات التي لا يعيرها كثيرون اهتماما، كيف تريد من شخص وصل في سبتمبر/أيلول 2015 أن يكون جاهزا لسوق العمل، في حين أنه لم يتعلم اللغة بعد، لأسباب نفسية كثيرة”، وهو ما جرى في حالة السورية الكردية فاطمة، والتي لا ترغب في كشف هويتها، إذ تعاني من مشاكل نفسية، بسبب أهوال الحرب، ما جعلها غير قادرة على تعلم اللغة الدنماركية بعد 14 شهرا من وجودها في كوبنهاغن وذهابها إلى مدرسة اللغة”.
تؤكد فاطمة أن الحرب لو توقفت في سورية، فإنها ستعود مباشرة إلى بلادها، إذ لا يكفيها مبلغ الإعانة حتى منتصف الشهر، وتقول الشابة السورية “بعد دفع أجرة الغرفة والمواصلات والهاتف يبقى لي 1500 كرون (215 دولارا)، أحسب ألف حساب لشرب فنجان قهوة في الخارج، ألا يجعلني ذلك في عزلة عن المجتمع”.
في السادس عشر من الشهر الجاري استوقفت الشرطة فاطمة، سائلة عن بطاقة الإقامة، والتي كانت منتهية الأجل، ما دفع الشرطة إلى تغريمها لعدم تجديد الإقامة، لكن رجال الشرطة تعاطفوا مع حالتها بعد بكائها، وقسطوا الغرامة وخفضوها إلى النصف، لعدم عملها.
وزارة الدمج: نهدف إلى تحفيز اللاجئين على العمل
تؤكد وزارة الدمج أن الهدف من تعديل قوانين اللجوء هو تحفيز اللاجئين على الانخراط في سوق العمل، بحسب ما أكدته موظفة بالوزارة في اتصال هاتفي مع معد التحقيق، مبررة الأمر بأن الوزارة تنفذ ما قرره البرلمان.
ووفقا لموقع الوزارة فإنه منذ بداية نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، دخل في نظام الإعانة المخفض الجديد 43 ألف شخص بينهم 21800 طفل، الأمر الذي دفع الصليب الأحمر الدنماركي ومنظمة “عون اللاجئين” إلى التحذير من نتائج هذه التشديدات التي تؤثر أساسا على الأطفال. ورغم ذلك لم تجد تلك التحذيرات الصادرة أيضا عن منظمات وخبراء في مجال مستوى الحياة آذانا صاغية من حكومة يمين الوسط، التي عززت مواقفها بضم أحزاب ليبرالية إلى صفوفها في نوفمبر الماضي.
ولا تتفهم دورته أولسن، العاملة في المجال الاجتماعي في كنائس شمال غرب العاصمة كوبنهاغن، تعديلات قانون اللجوء، إذ عملت في الشأن الاجتماعي منذ 1982، غير أنها لم ترى مثل هذه القوانين التي لا تأخذ بعين الاعتبار عوائل الفئات الأضعف في المجتمع، ما “يجعل الفقر يزداد ومعاناة اللاجئين تتفاقم”.
العربي الجديد