فلسطينيو سوريا بلا مرجعية!
علي بدوان
كشفت وقائع ما حدث في مخيم اليرموك الطامة الكبرى في أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا الذين أصبحوا عملياً بلا مرجعية ملموسة، وقد تحللت معظم الفصائل والقوى الفلسطينية عن مسؤولياتها تجاه مجتمع اللاجئين، الذين يعيشون الآن أوضاعاً صعبة نتيجة الإنعكاسات العامة للأزمة الوطنية في سوريا عليهم.
لماذا وصلت الأمور إلى هذه الحال؟
موطن الخلل في أوضاع الفلسطينيين في سوريا أن مجموع القوى الفلسطينية العاملة وعددها خمسة عشر فصيلاً تتفق على العنوان العام للموقف الوطني وهو “الحياد الإيجابي”، لكنها تختلف في التفاصيل وفي وضع آليات العمل المطلوبة منها تجاه المجتمع الفلسطيني. وهي لم ترتقِ حتى الآن الى مستوى الحدث، ولم تستطع توفير مرجعية وطنية لعموم الفلسطينيين في سوريا، لأسباب تتعلق بالخلافات والتباينات في صفوفها، وقصور رؤية البعض منها لمسار الأحداث، حيث فضل بعضها اتخاذ موقف انتظاري لما ستؤول إليه الأحداث في البلاد، فيما فضل آخرون اتخاذ موقف الركون والنأي بالنفس بدلاً من الغوص في أحوال الناس والعباد.
إن الإجتماعات القيادية التي تواترت لمجموع القوى الفلسطينية في سوريا لم تكن أكثر من مجالس لقاءات عامة أو حتى ثرثرات وكلامولوجيا لا يتحول إلى “فعلولوجيا”، وسادها المنطق التعويمي من قبل غالبية القوى التي لا تريد أن تدفع أثمان موقف وطني مسؤول.
فقد عقدت تلك القوى نحو عشرة اجتماعات خلال شهور الأزمة السورية، وللمفارقة العجيبة أن كل ما كانت تتفق وتجمع عليه تلك القوى، يَتَبَخر في اليوم التالي، أو يجري تعطيله. فالتفاهم والتوافق العام موجود على ضرورة التمسك بـ “الحياد الإيجابي” لكن غالبية تلك القوى، إن لم نقل جميعها، لا تريد عملياً أن تعمل على الأرض وسط الفلسطينيين وذلك إنطلاقاً من حسابات ضيقة ذاتية وعصبوية، وانطلاقاً من مواقف كيدية بين مختلف الأطراف.
إن إحدى مآسي العقل السياسي الفلسطيني، أنه يعشق أن يعيش في التهويمات السياسية، أو التعويمات السياسية والكلامولوجيا، والمماحكات النظرية ليخفي إما العجز، أو المناكفة، أو السياسة الإنتظارية غير المسؤولة، أو روح الثارات بين أطرافه.
أما اللقاءات الثنائية والإتصالات بين كل تلك القوى، فقد كانت وما زالت أقرب لجلسات تبادل حكايات وروايات وقصص ما يجري في المخيمات والتجمعات الفلسطينية دون المبادرة للقيام بعمل ملموس.
ومن”المضحك المبكي” في تلك اللوحة السوريالية أن بعضاً من تلك القوى قاتل من أجل وجوده في الهيئة المعنية بتوزيع المساعدات العينية والمادية المتواضعة التي وصلت إلى الفلسطينيين في سوريا من رام الله، لكنه في المقابل يعمل على تعطيل أي عمل فلسطيني جاد ومسؤول تجاه الناس في الشارع.
وعليه، وعلى ضوء تلك الصورة إياها، ضاعت المرجعية الفلسطينية المسؤولة في سوريا، وغاب معها الدور الجماعي التوافقي المسؤول، ليحل مكانه موقف الإجتهاد والتقرير من قبل بعض القوى دون غيرها عن المجموع العام. وفي هذا بات فلسطينيو سوريا كالأيتام.
النهار