فنانو سورية تحوّلوا حرسا جمهوريا لكن درعا ليست الجولان!
لينا أبو بكر
البي بي سي العربية، المشرق، الجزيرة، العربية، فرانس برس، روسيا اليوم، كلها تركز عدساتها على ما اختاره الشارع – زاوية التقاط الخبر الأهم: ‘الحَوَل السِّياسي’ فالدبابات تقَتحم درعا التي يقطنها مدنيون سوريون وتقع تحت سيادة سورية كاملة وعلى بعد 20 كيلومترا فقط من هضبة الجولان التي يحتلها الجيش الاسرائيلي منذ النكسة عام 1967، فان يضطر نظام ما لاحتلال ومحاصرة مدينة تقع أصلا تحت حكمه وسيطرته لمجرد أن المدنيين يطالبون بإصلاحات، بينما يغفل جيشا بل ودولة ـ يفترض أنها عدوة ـ تتوغل في عمقه الجغرافي منذ ما يزيد على الأربعين عاما من دون أن يكلف نفسه إطلاق رصاصة عرس واحدة حتى في سمائها – فإن هذا النظام لابد يطبق مبدأ الدول ‘الحكومات’ الفاشلة التي تحدث عنها المفكر الامريكي اليهودي نعوم تشومسكي في كتاب يحمل نفس الاسم.. إذا ما هو الداعي لكل هذا الإصرار على الفشل كسلطة تحكم البلاد؟
درعا، بانياس، دوما، ثم ثالث أكبر المدن السورية حمص، وبالأمس انضمت دمشق إلى القافلة كلها أصبحت تتظاهر من دون شعور بالخوف، ليس فقط للمطالبة بالإصلاحات والديمقراطية ـ فهذه مرحلة يتجاوزها المتظاهرون مجرد أن يتورط النظام بقمع التظاهرات بالدم ـ إنما بتطبيق الديمقراطية تلقائيا من دون مرسوم جمهوري، فالهتافات أمام الكاميرات تضع خطة مقاومة تقضي بعدم توجه العسكر والأمن وذخيرة السلاح إلى عقر الدار، إنما إلى الجولان المحتلة فهي أولى بكل هذا التحرك العسكري المهيب، ولن أبالغ لو قلت إنك تكاد تسمع أصوات السوريين في الجولان تأتيك من وراء جدار مشتغيثة بلا غيث: ‘بنو صهيون أولى بمعروف النظام من العُزّل، أين كانت كل تلك العسكرة قبل درعا’؟ على أهل الجولان ألا يستغيثوا لأن تصريح رامي مخلوف اليوم كان قنبلة الإغاثة المضادة: فلا استقرار للأمن الاسرائيلي إذا لم يكن هنالك استقرار في سورية، يا حبيبي!
ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك
تختصر الثورة السورية مضمون حكاية هابيل وقابيل منذ فجر الخليقة، فعملية الاستفزاز ومحاولة جر البلاد إلى النزاع المسلح والحرب الأهلية، التي تطيل أمد أي نظام، هي محاولة يائسة، وكل ما نراه من مظاهرات مناصرة ما هي إلا وقوع في فخ اللحظة، فلو كان النظام ابن الشارع فلماذا يتظاهر مؤيدوه لمناصرته؟ هل يحتاج إلى تأكيد شرعيته مادام المعارضون خونة؟ هل هي مواجهة بين المؤيدين والخونة؟ هل تستقيم هذه المواجهة؟
التلفزيون السوري يتسلح بفلول الحرس الجمهوري من بعض فناني الدراما السورية الذين يحشدهم على شاشاته بهدف التأييد وتأكيد الشرعية، التي تدحضها جماعات ‘فاسدة’ تعمل بأجندة خارجية؟ يا للهول!
إنها ‘مغارة الدم’ المكان الذي قتل فيها قابيل أخاه، وقد احترق قربانه تماما على طريقة حرق ورقة المقاومة، وتأمل الحوار البلاغي في القرآن الكريم الذي يكشف عمق الاختلاف النفسي بين الأخوين: ‘لئن بسطت إلي يدك لتقتلني، ما أنا بباسط إليك يدي لأقتلك’، هنا التصميم على اتقاء خطر المواجهة مع دمك الذي هو غريمك في النهاية، كي لا تقع في فخ الدفاع عن النفس بالهجوم عليها، وتلك هي المعادلة التي لا يمكن لك ان تفهمها سوى على هذا النحو ..
‘يا حيف’ أغنية سميح شقير التي تُذَكِّر بامرأة مصرية وقفت أمام كاميرا الجزيرة تبكي أبناءها وقد قتلوا على يد أمن مبارك وهي تصرخ: ‘تقتل ولادك يا مبارك’؟ رغم ما في هذا الاستنكار المرير من تبرير له إلا أن فيه ما يناقضه، ففي ظل تكريس ثقافة ‘الزعيم الأب’ يسقط الإيمان به مجرد أن يتحول إلى قاتل لأبنائه، لم تنفع محاولات مبارك بفرض أبوة قسرية على شعب أسقط الوجوه قبل الأقنعة، وهو تماما ما يحدث مع الشعب السوري وهكذا غنى شقير: ‘يا حيف، طَخّ رصاص على الناس العزل … يا حيف …. وأطفال بعمر الورد تعتقلن كيف؟ وإنت ابن بلادي تقتل بولادي وظهرك للعادي وعلي هاجم بالسيف يا حيف؟’ هنا ينتهي الكلام يا نظام، ولا تبقى الضحية رقما كما ذكر تقرير الجزيرة، فالشهداء أناس بشر لهم أسماء وأعمار وعائلات وأماكن وموت وربما قبر! ولهم إرادة لن تكون إرادة عاقة طالما أنها تقاوم القتل!
باسم ياخور يخرج عن النص!
يُعَدُّ مسرح الدمى وعرائس القماش، أو ما يسمى ‘مسرح الاراجوز’ اكتشافا فرعونيا، إلا أن اليابانيين برعوا باعتماده كوسيلة للتلقين فقد أصبحت بعض الدمى عندهم أوثانا، ويشبه هذا إعادة اكتشاف عرائس الدمى اليابانية برؤية ‘بعثية’ ـ نسبة إلى حزب البعث – ليستخدمها كتقنية درامية في مسرح المواجهة مع الشعب الذي لم يتجاوز بنظره سن البلوغ، لم يزل النظام يتخذ من الكوريغرافيا وسيلة للتسلية والإضحاك في هذا المسرح العجائبي الذي يغدو فيه التلفزيون أراجوزا، أو قرقوشا حسب المسمى الآخر له، أما من أين جاءت التسمية فهي نسبة إلى وزير ظالم في عهد الأيوبيين، هل لك أن تتخيل إذن كيف ترتبط البهلوانية والخديعة بالظلم والاستبداد؟ لم يعد التلفزيون جهازا للتسلية، بل صار منظومة استبدادية تستعرض تقنياتها بما أتيح لها من أراجوزات فنية تستبد بالمنطق الأخلاقي للفن بتحويله إلى ‘مسخرة’!
اعتدنا عليهم يقارعون طواحين الظلم والفساد، لنكتشف في عصر الثورات أنهم كانوا يقومون برحلة دنكيشوتية للوهم، الآن يصبح الشعب هو سلطة الفساد في كواليس انتمائهم إلى صفوف الحرس الجمهوري وتخليهم عن مهمة الفن الأسمى ‘تجميل الواقع’، ثم تحفيزه على التغيير، والسمو بالقيم الإنسانية النبيلة، بل ومواجهة الطغيان بالإبداع، ماذا حصل بعد درعا؟
عابد فهد في ‘حفلة سمر بعد النكسة الجمهورية’ يدافع عن وجود زينة اليازجي في العربية، ورفيق السبيعي بدا منهكا وقد ‘فقد وزنه’ يعني ‘خس’ وهو يستبسل بالدفاع عن وحدة سورية وأمنها الذي هو رأس نظامها، أما عباس النوري فحدث ولا حرج.. قيل ان الجماهير العربية تطالب قناة الإم بي سي بسحب اعتماده مقدما لبرنامج ‘لحظة الحقيقة’ اعتراضا على موقفه من الثورة السورية، أما أمل عرفة فهذه بدت في مواجهة الكاميرا متقززة من اتصال الكاتبة السورية ريم فليحان على البرنامج لتعتذر عن توقيعها بيان ‘حليب درعا’ وبالنيابة عنها وعن زميلتها كنده علوش لقد بدلت فليحان موقفها للأسف!
لكن أمل عرفة ومقدم حفلة السمر بدآ بالسخرية واللعب على ورقة الاعتذار تلك وكانا سيمضيان قدما لو لم يوقفهما عابد فهد الذي طالب باحترام هذا الموقف وتجاوز ما سبقه، وحين كدنا نستبشر خيرا بخروج باسم ياخور عن طوره لما اعترض على الجلسة التلفزيونية باعتبارها جلسة تحقيق مع الفنانين وتشكيك بمواقفهم الوطنية، فجأة انحرف عن مسار الشارع الذي نادى في ذات الوقت بالتعبير عنه وعن همومه، ليحط رحال ‘السمر’ على أرض المؤامرات الإعلامية الخارجية ضد سورية، ويا مصيبتك يا شام! لقد خرج ياخور عن النص ولكنه خروج صامت ومكمم وأبكم لا معنى له!
هناك جوقة أخرى للتلفزيون السوري لا أدري من أين يؤتى بها؟ فمشهد الأم التي تسلم ابنها للسلطات الأكثر ائتمانا ـ كما تقول – عليه من الخونة والمحرضين، تنصح كل الأمهات باتباع نفس الخطوة!
أية أمومة تلك التي يتغلب الجبن فيها على الخوف الفطري السليم؟ الخوف الذي يدفعها للاستبسال بالدفاع عن أبنائها لا رميهم الى التهلكة؟ إن كان المشهد غير مفبرك فهذه مصيبة وإن كان مفبركا فالمصيبة أعظم، لأن اللعب على عواطف الناس والعبث بعقولهم ومشاعرهم والاستخفاف بمنطق الأمور يجعلنا نعيش في عصر الإقطاع التلفزيوني، حيث يقسم الإعلام الولاء إلى إقطاعات يمنح البعض منها بركته ويزج بالبعض إلى الآخر إلى غياهب التغييب، فنحاكم من: الإقطاع؟ الجبن؟ أم أنه علينا محاكمة التلفزيون السوري الذي يعاقب المشاهد على ترجيح عقله في الفرجة؟
الفتنة أشد من الطغيان..
أيها الشعب المصري البطل، لا تأسف على مبارك، فمرحلة الفتنة بين المسلمين والمسيحيين كانت هي الخطة الأخيرة للتوريث قبل رحيل النظام السابق، وما نراه الآن بعد تفجير كنيسة إمبابة ليس إلا استكمالا لإجراءات هذه الخطة، ولست أوافق الأستاذ صلاح عيسى رئيس تحرير جريدة ‘القاهرة’ على استبعاده لاحتمال تدخل فلول النظام بهذا الحرق، إنها عصابة توغلت في البلد واستشرى توغلها حتى نخر كالسوس في عظمها وإلا لماذا يغيب الأمن؟ المسألة أوضح من الشمس، فأمنك الآن يا مصري هو عدوك، ولك في تونس عبرة، فرجال الأمن فيها الآن وعلنا ينقضون على الشعب وبين السبسي والراجحي معركة حامية الوطيس استعرض برنامج ‘حديث الثورة’ الذي يقدمه محمد كريشان على قناة ‘الجزيرة’ تفاصيلها ليقف بنا عند أخطر مراحل الثورة في مصر وتونس وهي: بدء الثورة من جديد، وليس استكمالها، فبعد إطلاق السجناء من أربعة سجون تونسية في وقت واحد، لم يعد الأمن حارسا إنما متآمرا على الأمن، الثورتان بين فكين قابضين: إما الانفلات الأمني أو الفتنة أليست تلك محاولة استخباراتية ‘أمريكية’ لثني الشعوب عن القيام بالثورات ضد الطغاة ؟ هل تدخل الثورة معركة الحرب الباردة بين البيت الأبيض والشارع؟ من إذن سيشهر سلاحه أولا؟
شاعرة عربية – لندن
القدس العربي