صفحات الرأي

فواز طرابلسي.. نظريات وضع معين قد لا تطبق في آخر


بيروت (رويترز) – يقول الباحث الاكاديمي اللبناني فواز طرابلسي في كتاب له صدر اخيرا انه قد لا يمكن نقل تجربة معينة تنشأ في بلد معين الى بلد اخر وتطبيقها كما طبقت في البلد الاول.

وكان الدكتور طرابلسي يتحدث في هذا الموضوع في كتابه “الديمقراطية ثورة” الذي صدر عن دار رياض الريس للكتب والنشر وجاء في 284 صفحة متوسطة القطع.

وفي فصل من الكتاب عنوانه “التحول الديمقراطي: مقاربة تاريخية” قال طرابلسي “الافتراض الموجه الى هذه الدراسة هو ان النظريات والمفاهيم والافكار التي تنشأ ضمن وضع قومي او اقليمي معين ليست بالضرورة قابلة للتطبيق ضمن وضع آخر.

“فعلى رغم ان العديد من المثل والقيم باتت شاملة بصرف النظر عن موقع نشوئها الاصلي لا نستطيع القول ان كل نظرية او مفهوم او فكرة تم انتاجها ضمن مجال نظري محدد -وفي الحالة هذه قيد الدراسة نعني بذلك الغرب- تتمتع بالضرورة بكفاءة التطبيق الشامل قبل اخضاعها للاختبار او للتحقيق النقدي.

“والواقع ان فكرة المجال العام هي فكرة تبدو متطابقة مع التجربتين الاوروبية والامريكية الشمالية الى الحد الذي لا يسمح لها بأن تكتسب بدهيا قيمة وامكانية تطبيق شاملتين.”

اضاف الكاتب يقول انه و”لتبديد اي سوء تفاهم اسارع هنا الى الاعراب عن تحفظي بشأن مدلولين متضمنين عادة في مقولة كهذه: المدلول الاول هو ان المنهج الذي ينطوي عليه الافتراض والذي يقودنا بشكل اساسي الى تبني مقاربة نقدية تاريخية ومقاربة لمسألة المجال العام لا يعني تبني اي شكل من اشكال جوهرية القومية او الثقافية.”

ورأى طرابلسي ان نشر مؤسسات دولية افكارا ومفاهيم وتصويرها على انها بذلك اضحت عالمية امر ليس صحيحا.

وأضاف يقول مكملا كلامه السابق “اما المدلول الثاني فهو ان مجرد الاتيان بأية افكار او مفاهيم او نظريات ونشرها من قبل مؤسسات دولية وبالتالي اعتبارها “عالمية” لا يكفي بحد ذاته لجعلها شاملة. كما ان ادعاء “العالمية” لا يضفي على تلك النظريات والمفاهيم صفة من الشمولية.”

وبعد تناول زوايا اخرى من المسألة اورد بعض ما اسماه “ملاحظات اولية” فقال “يثير القبول السائد دون تمييز في دول الجنوب للكثير من النتاج الفكري المعولم خلال عصر ما بعد الحرب الباردة عددا من الاسئلة والملاحظات المنهجية. وقد ولدت اساليب المقاربة التي لا تكف عن التحول الى قضايا المنطقة مقاربة تعتمد البدء من الصفر لانتاج المعارف الاجتماعية.

“نجد بالتالي ان الانتاج الفكري يقوم بتغيير مساره مع كل “موضة فكرية” مفروضة عالميا مما يؤدي مرارا الى اعاقة اي محاولة للتقويم النقدي “للموضة” السابقة التي تتعرض دوما للانتقاد لكونها اصبحت عتيقة الطراز او غير مناسبة للتكيف مع التطورات العالمية الجديدة او النظام العالمي الجديد وتكون النتيجة الحتمية تكرار البدايات دون اي تراكم للمعرفة لان عناصر الواقعية الاجتماعية يعاد تعريفها وتصميمها باستمرار وبكل بساطة تطلق عليها اسماء جديدة.”

وتابع يقول انه بالامكان “متابعة هذه النزعة في جميع مجالات النتاج الفكري عمليا. والمثال المناسب هنا “تقارير التنمية البشرية” الخاصة بالمنطقة والصادرة عن الامم المتحدة. فتعبير “التنمية البشرية” يحل حاليا محل تعبير “التنمية” بدعوى ان فكرة التطور ذاتها قد ألغيت من قاموس المجال الاقتصادي وتركت للاسواق غير النظامية ويشار اليها حاليا في افضل الاحوال بالتعبير المتواضع “النمو” ليشمل الثالوث الجديد: الحرية والمعرفة والنوع. وهذا الاستبدال بدل ان يدمج الجدة ضمن مجموعة المشاكل الفعلية للمنطقة او يتمثل هذه الجدة ضمن جدليته النظرية غالبا ما يحجب تلك المشاكل بكل بساطة.

“فقد حلت الدراسات التي تتناول الفقر محل الدراسات التي تتناول توزيع الدخل – اقتصرت الدراسات الاخيرة على دراسات تجري على مستوى عالمي (المليار الاغنياء ومن تبقى) بعدما بدأ الفقر يتحول الى ما يشبه الكارثة الطبيعية او الوباء.

“والنتيجة اننا ندرس الفقر دون دراسة الثروة. نحن نعرّف “الفقير” ولا نعرّف “الغني”. وفي ما يتعلق بالطبقات الوسطى فهي اما ان تصور وكأن عددها وتأثيرها قد تقلصا وبالتالي فهي تحتضر.. او يناط بها دور المؤتمن على رسالة الديمقراطية. وفي الحالتين لا يستثمر سوى اقل القليل بلغة الجهد السياسي – السوسيولوجي في دراسة السلوك السياسي للطبقات المشار اليها…

“اما في ما يخص حل مشكلة الفقر فالامر هنا لا يقل عن مشروع طموح للامم المتحدة لمحو الفقر على نطاق عالمي مع تحديد تواريخ ثابتة لانجاز “العمل” لكن يبقى ان نقول ان محو الفقر نهائيا يجري تأجيله عاما بعد عام مع انكشاف النتائج الهزيلة لتلك الحملة.”

من جورج جحا

(إعداد جورج جحا للنشرة العربية – تحرير أمل أبو السعود)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى