في الحساب الأخير../ علي نون
طبيعي تماماً أن يقول رئيس سوريا السابق بشار الأسد إنّه لن يخرج من موقعه إلا جثّة هامدة، وهو الذي تمكّن على مدى السنوات الماضية، من البقاء برغم تحوّله الى جثّة سياسية تامة!
إكثاره من الكلام في الآونة الأخيرة يدلّ على ازدياد معدلات اليأس عنده. وعلى تيقّنه من أنّ المساعدة الروسية وقبلها الإيرانية مع ملحقاتها، تقف عند حدود الأشخاص أيّاً تكن مواقعهم ومراكزهم وأحجامهم. وأن الاختيار بينهم وبين سياقات المصالح العليا (أو السفلى!) ليس حزّورة رمضانية، وإنّما علمٌ قائم في ذاته، تأخذه الدولة وتضعه في موضع القداسة.
وإيران وروسيا من بين تلك الدول برغم الأدلجة الطافحة في أدائهما العام وبيانهما السياسي!
وبين «إنهاء حكم آل الأسد» وانهيار النظام برمّته، أو بالأحرى إكمال تفتّت مقوّمات «الدولة» السورية، يسهل الاستنتاج بأنّ الخيار الأول كان ويبقى موضع «خلاف» بين قوى إقليمية ودولية لكنّها تبحث عن «توافق» وليس عن تحويل الخلاف الى اشتباك. فيما الخيار الثاني كان ويبقى موضع توافق مبدئي ومسبق بين تلك القوى ذاتها التي أظهرت وتُظهر ما يكفي من مؤشرات على مرونتها، ثم على اعتمادها (مختارة) سياسة غير كسرية ولا قاطعة!
سوء حظ «آل الأسد» (الإضافي!) هو أنّ الثورة ضدهم اندلعت بعد انهيار نظام القطبين. وانتهاء الحرب الباردة. ولم يعد ممكناً اليوم ما كان ممكناً في السابق لجهة الاكتفاء بالاصطفاف في أحد معسكري تلك الحرب لتبرير أي فظاعات داخلية… واشنطن مثلاً، دعمت أكثر الأنظمة وحشيّة وعسكرة واستبداداً وهمجيّة من أميركا الجنوبية الى الفيليبين لأنها كانت ضد «الشيوعية»! فيما دعمت موسكو أي نظام ادّعى «المركسة» أو القرب منها، حتى لو كان عند بابراك كارمال في أفغانستان!
بشار الأسد يعرف، أكثر من غيره، أنّ الدعم الروسي والإيراني مكّنه من البقاء ميدانياً في مكانه على مدى السنوات الماضية، مع أنّه لم يكن دعماً كافياً لإيصاله الى «الانتصار»! لكنّه يعرف يقيناً أكثر من ذلك: لم يكن ذلك الدعم وحده مَنْ أبقاه في مكانه، وإنّما غياب القرار الأميركي بإسقاطه!
.. ثمَّ يعرف راهناً، أنّه استنفد كل شيء ممكن، بشرياً ومادياً في الجيش والأجهزة والطائفة وميليشيات الشبّيحة والذبّيحة إلخ! وأُحرقت معظم أوراقه بما فيها ورقة «الإرهاب». وأخذ من الروس والإيرانيين أكثر مما يستحق من أثمان! وإن الطرفين في موازاة ذلك استثمرا فيه زيادة عن اللزوم، في ظلّ افتراض مردود ملائم عماده الأول «غياب» واشنطن عن الصورة، وترسيخ قواعد لنفوذ أكبر وأشمل من الخريطة السورية!
اكتشاف الطرفين راهناً، مع إدارة دونالد ترامب، أنّ الخسارة (مع بشار الأسد) لن تطال المردود المفترض فقط، وإنّما رأس المال الأساسي، يدفع بالروس الى مراجعة الموقف إيجابياً.. في حين لا تزال إيران تتأرجح بين خيارَي المساومة أو المقاومة، أي بين السيّئ والأسوأ!
بهذا المعنى، نعم. صار «مصير» الأسد الأخير تفصيلاً غير مركزي لكن على قاعدة انتهاء زيته ومفعوله وأدواره! خصوصاً أن فزّاعة الإرهاب «البديل» عنه، تواجه (قبله) مصير الإمحاء والإفناء، من الموصل الى الرقّة! وبالتالي لم يعد أمامه سوى الصراخ الإنشادي الأخير، وفي وجه جلاّديه الحلفاء (وليس غيرهم!) الذاهبين حُكماً، الى إنزاله عن أكتافهم، حرصاً على مصالحهم، بعد أن صعدوا على رقبته لبناء تلك المصالح! وأخذوا في طريقهم عمران سوريا وأرواح أهلها!
طالت قصّة «آل الأسد» وزادت أكلافها، مع أنّها لا تحرز! وآن الأوان لإسدال الستارة عليها.. ثم إطلاق قصة أخرى أقل ضرراً وتكلفة!
المستقبل