في الغوطة ما يكفي من الأطفال لتوثيق الفجيعة/ عقل العويط
ليس ثمة حاجةٌ لمعرفة وقائع ما جرى في غوطة دمشق، فالوقائع ماثلةٌ في سكينة الجثث المرصوفة رصفاً هناك.
أما الحلول والأجوبة، فما أهون الحلول والأجوبة في أحوالٍ كهذه.
خذوا المقابر الجماعية، على سبيل المثال. حفرٌ قليلة تكفي، يُهال عليها القليل أو الكثير من التراب. هكذا تستطيع عين قابيل أن لا ترى. ومعها عيون المجتمع الدولي.
لكنّ أحداً لم يبخل علينا بالتقاط الصور في الغوطة. المصوّرون كانوا هناك. هم، على كلّ حال، مدعوّون دائماً إلى الحفلة. ثمة إذاً من الصور، ما يفيض حقاً على الحاجة، حيث، يا سادة، ركامٌ بشريّ مستريح، إلى جانب ركام.
والحال هذه، تستطيع الشاشات أن تنقل ما يطيب لها أن تنقل، ويسع الموثِّقين أن يوثِّقوا ما ينبغي لهم أن يوثِّقوه، ليكون وليمةً دسمة على مائدة المراجع والهيئات الانسانية والحقوقية والدولية.
اطمئنّوا. ليس من ضرورة للاستعجال. تستطيع المراجع والهيئات أن تأخذ وقتها. يسعها أن تستغرق في قيلولة طويلة. يسعها أيضاً أن تقلب الصفحة.
في العادة، الأمور في العدالة الدولية تجري هكذا. صدِّقوني، ليس ثمة ما يدعو إلى العجلة في شيء. فالحكّام، والقتلة، والقضاة، جاهزون في كلّ وقت، لفبركة الأدلّة الدامغة، وتقديم البراهين المضادة. ألم تروا كيف خرجت إسرائيل إلى الآن بريئة من كلّ ذنبٍ في فلسطين؟! ألم تروا كيف خرج حسني مبارك طليقاً؟! بعد قليل سيُبَرَّأ الجيش المصري من تهم الإفراط في استخدام القوة. وسيُبَرّأ مرسي أيضاً. “الأخوان” والتكفيريون بريئون أصلاً. أليس كذلك؟! وحده الشعب المصري هو المذنب. وأيضاً أمّ الدنيا. والحال هذه، لِمَ لا يكون الأمر كذلك في غوطة دمشق؟! وفي دمشق؟! فمَن قال إن النظام الأسدي مجرم؟! ومَن قال إن الثائرين عليه كلّهم شعراء؟!
يدلي السوريّ الأعزل، واللبناني الأعزل، والعراقي الأعزل، والفلسطيني الأعزل، بشهاداتهم في اختصارٍ شديد: ثمة الكثير من الأرواح المنذورة لهشاشات الهدوء الأخير. ألا يكفي برهانٌ كهذا، لكي نؤوي الصور في حفرٍ آمنة؟!
صدِّقوني، ليس ثمة حاجةٌ حقيقية للسؤال عن حقيقة ما جرى في غوطة دمشق. فقد كان هناك ما يكفي من الأطفال لتوثيق الفجيعة.
في الغوطة، يا سادة، موتٌ كثير. هل في سوريا سوى حكّام لإدارة هذا الموت؟!