صفحات الناس

في اللاذقية… قلق وخوف/ جورج مالبرونو

 

 

«استلمت إشعاراً يقضي بالتحاقي بالجيش، ولكنني لا أرغب في ذلك»، أبلغ أحمد رب عمله قبل أسبوع. ولكنه أمام مفترق طرق مسدود: الذهاب بحراً إلى مدينته اللاذقية والانضمام إلى المهاجرين في رحلة غامضة المآل أو القتال مع المتمردين الإسلاميين الذين يهددون إقليم نظام بشار الأسد. وإلى اليوم، لم يحسم الشاب أمره.

ولا يخفى أن الإنهاك أصاب الجيش السوري إثر أربع سنوات على الحرب. ومنذ شهر، تساعد مقاتلات جوية روسية الجنود السوريين ومقاتلين شيعة لبنانيين من «حزب الله» ومقاتلين إيرانيين في المعارك البرية. والضحايا يسقطون في ميدان المعركة. وعلى بعد 30 كلم إلى شمال شرق اللاذقية، تعلو دورياً أصوات إطلاق نار تقرع ناقوس دفن «شهيد» جديد. وعدد الضحايا عشرات الآلاف منذ بدء النزاع في 2011. وفي حزيران (يونيو)، خشي سكان الساحل الأسوأ حين حاصر متمردون إسلاميون جورين، وهي بلدة غالبية سكانها من العلويين على بعد 30 كلم من اللاذقية. وقبل أسابيع، سيطر «جيش الفتح»، وهو تحالف على رأسه «جبهة النصرة» – وهي الفرع المحلي من «القاعدة»- على جسر الشغور على بعد 40 كلم من المدينة الساحلية، بعد إمساكه بإدلب. و«سقوط جورين هو لا محالة كارثة»، يقول مقرب من بشار الأسد. فلو سيطر المقاتلون عليها، وسعهم من عليائها الانقضاض على سبحة القرى العلوية المشرفة على الساحل في طريقهم إلى اللاذقية وطرطوس. ولم ينسَ سكان هاتين المدينتين مذبحة نفذها إسلاميون في صيف 2013، وسقوط مئات السكان ضحايا انتقام وحشي.

وفي حزيران المنصرم إثر حصار جورين، بادر الجيش بمساعدة مستشارين إيرانيين إلى إنشاء مركز عمليات، وشيد حوله ما يشبه «خط ماجينو» (سلسلة تحصينات) صغير لحماية الساحل. «أفلح الروس في إبعاد الإرهابيين، ولكننا كنا نتوقع أن يكون تقدمهم أسرع وأجدى»، يقول مقرب من الأسد. وعلى رغم شهر من الغارات، أخفق الموالون لنظام الأسد في استعادة مدينة بارزة، واقتصر تقدمهم على السيطرة على عدد من البلدات فحسب. وعلى رغم أن التدخل الروسي طمأن مؤيدي الحكومة السورية إلى أن النظام لن يسقط، لم يتبدد القلق. «ففي مطلع التدخل الروسي، كان الناس يشعرون بالراحة حين يرون الطائرات العسكرية تقلع. وحسبوا أن الأمر لن يطول، وأن الحسم يسير. ولكنهم اليوم بدأوا يدركون أن التقدم بطيء. في دمشق لا يزال الناس يستمعون إلى وسائل الإعلام التي تتوقع نصراً سريعاً. فهم بعيدون عن المواجهات، ولا يدركون ما يجري. ولكننا نحن هنا (في اللاذقية) نختلط بالعائدين من الحرب ونسمع ما يقولون عن مجريات الأمور. فعاد القلق ينخر طمأنينتهم»، يقول عبدالله، وهو تاجر يقيم في حي أمني. وهو يزجي ووالده والأصدقاء الوقت كل مساء، بتدخين النارجيلة والجلوس في الشرفة البحرية. وهم يسرون إلى البحر ما يشغلهم من تساؤلات. وإلى اليوم، كان في وسع الأصدقاء من حلب الوصول إلى اللاذقية. ولكن منذ أيام، قطع جهاديو «داعش» طريقاً يسلكها سكان الأحياء الموالية للخروج من المدينة الكبيرة في الشمال. وهذا حدث سيء. فتربع من جديد الخوف والقلق محل الأمل (في نهاية الحرب).

والوقت يمر وينفد. فالشتاء قريب، وسوء الأحوال الجوية سيعرقل إقلاع طائرات السوخوي الروسية من مطار حميميم القريب. وجراح الماضي القريب ماثلة: ففي منتصف أيلول (سبتمبر) الماضي، اقتنص الثوار فرصة سنحت أمامهم جراء عاصفة رملية هبت ليومين، فسيطروا على قاعدة أبو الضهور، وهي آخر القواعد في يد النظام في شمال غربي سورية. وذبحوا عشرات من جنود النظام. «يجب أن يمسك الجيش بمدينة بارزة ليثبت لنا أنه لم يخسر قدراته، وأن النصر في متناوله. نحتاج إلى نصر رمزي. ونشعر أن الجيش صار عاجزاً»، يقول صناعي يواصل عمله على رغم الحرب. وقبل وصول الجنود الروس، كان مطار اللاذقية جسر سكان الساحل إلى دمشق وموسكو والجزائر والخليج. والحركة لم تهدأ في مقاهي ومطاعم اللاذقية وجوارها. وهذه النواحي مثل واحة هادئة أو جزيرة في بحر هائج. لذا، قصدها آلاف من الحلبيين وأهالي الرقة ودير الزور، ولجأوا إليها.

واللاذقية لن تسقط مثل بيت من ورق على ما حصل في إدلب. «هناك زرع الثوار خلايا نائمة استيقظت بين ليلة وضحاها. هنا من المستحيل أن تجري الأمور على هذا المنوال»، يقول جنرال متقاعد. ولكن هل يعود هذا اليقين إلى مرابطة الجنود الروس؟ ففي الأسابيع الأخيرة، تحسنت الأوضاع الأمنية. «وانخفض عدد السرقات وتراجعت وتيرة الشجارات التي كثرت حين كان الناس يشعرون بالخوف»، يقول حسين وهو موظف. ويحرس الحواجز في الشوارع الداخلية رجال شرطة.

ويتولى عسكريون حراسة الطرق السريعة. أما ميليشيات قوات الدفاع الوطني فأرسلت إلى البلدات القريبة من جبهة المواجهات. فالناس ينظرون إليها نظرة ارتياب. «فهي سرقت منازل الأرمن في كسب اثر تحرير المدينة»، يقول حسين.

وعلى رغم احتمال اصطدامها بإيران، تسعى موسكو إلى رص صفوف الجيش وبناء جيش يعتد به تكون له الغلبة على الميليشيات التي ازدهرت في الأعوام الأخيرة. «يعتقد كثر أن الروس والإيرانيين هم من يوجهون دفة البلد»، يسر إلي حسين. وشأن كثر غيره، يميل إلى الروس. فـ»على خلاف إيران، لدى روسيا هدف (أو غاية) سياسي واضح: دعم الأسد ومساعدته. والغاية الإيرانية غامضة. ونحن لا نرغب في التوسع الشيعي ولا (في العيش ضمن) الإمبراطورية الفارسية».

* مراسل، عن «لوفيغارو» الفرنسية، 30/10/2015، إعداد منال نحاس

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى