صفحات العالم

في المسألة الأبدية!


حسين شبكشي

بائس وحزين ومثير للشفقة والسخرية في آن واحد مشهد الرئيس بشار الأسد في لقائه التلفزيوني مع المحطة الأميركية والمذيعة المعروفة، باربرا والترز، الذي احتاج بعدها لثلاثة مؤتمرات صحافية من فريقه الإعلامي لشرح وتوضيح وتبيان مقصده مما قاله! وهذا المشهد هو آخر فصول الاستبداد الفكري المفروض من النظام على شعبه، ومحاولة نقل صورة الحاكم «المحبوب» للعالم، الذي «لا علاقة» له بالقتل والقمع والاستبداد والذل الممارس بحق شعبه الأعزل منذ سنوات طويلة.

وسيل التعليقات والانتقادات اللاذعة جدا من الإعلام الدولي والسوريين أنفسهم على ما قاله بشار الأسد هو أكبر دلالة على الوضع المهترئ الذي وصل إليه النظام، وانعدام الثقة وفقدان المصداقية، ولعل تعليق السيدة العجوز السورية وهي تشاهد حديث رئيسها، يختزل الوضع بأكمله، فهي قالت بلهجتها العامية السورية: «خطي شو حباب لو ما بعرفك منيح كنت بصدقك»، كنت دوما أستغرب من إصرار نظام الأسد في سوريا دائما، وفي كل مناسبة، على تكريس فكرة «أبدية» النظام وحكمه، ولذلك كانت دائما عبارات وشعار «إلى الأبد يا حافظ الأسد» معلقة وموجودة في كل مكان، مما جعل موضوع التوريث للابن من بعد وفاته مسألة طبيعية جدا وغير قابلة للبحث والتشكيك أو النقاش لأنها تسير بانسجام مع فكرة الأبدية، حتى إن رجال النظام كانوا دوما يكتبون لوحات كبيرة واستفزازية على نقاط التفتيش داخل المناطق اللبنانية، التي كانت تتبع للجيش السوري، وكان يُكتب عليها «حافظ الأسد إلى الأبد وما بعد الأبد».

وطبعا بسبب هذه الذهنية والثقافة القمعية التي تكرس بالإكراه والقوة تولدت بالتدريج الفكرة الكبرى المطلوبة، وهي: سوريا الأسد، وأصبحت بالتالي كل البلاد وخيرها من وبسبب وإلى الأسد ونظامه، وباتت المنافع والأرباح الاقتصادية لذوي القربى والمناصب المهمة الأساسية للدائرة المقربة من الرئيس، ولا بد أن يتوقف المراقب عند هذه الحالة ويسقطها في مقارنة «من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت»، وهي الحالة التي ولدت تأليه الفرد الحاكم بصورة غير مباشرة، وسخرت موارد البلاد وأجهزتها لهذا الغرض الأساسي، وولد بالتالي فكرة الجيش المؤدلج العقائدي، الذي لا همّ له حقيقة سوى حماية الرئيس وأسرته، ولم يتبقَّ من اسمه الرمزي «حماة الديار» سوى ذكرى رومانسية بعيدة تماما عن الواقع.

ولذلك جاءت الصدمة الكارثية على الرئيس ونظامه وهو يرى الثورة الشعبية الكبرى من شعبه ليلا ونهارا في كل أنحاء بلاده ومن كل الملل وكل الطوائف لشهور تسعة تطالب برحيله؛ لا تكل ولا تمل، وجيشه ينشق، وتجاره يمتنعون عن دعمه، وشعبه يسخط عليه، والعرب والعالم الحر يطالب بصوت واحد بضرورة رحيله وتنحيته، لأنه فاقد للشرعية وقاتل لشبعه. سقطت الخدعة الأسطورية وسقط القناع الوهمي، وخرجت سوريا الشعب، وليس سوريا الأسد، تطالب بالحرية والكرامة والعدل الحقيقي، وهو مفتاح فهم ما هو حاصل اليوم؛ أن السوريين «كفروا» بعبادة الأسد، وقرروا العودة للكرامة ولا شيء سواها، لا أسدية ولا أبدية، السوريون يريدونها حرية.

مشاهد العصيان المدني والمسيرات السلمية وأرتال الضحايا لن تذهب سدى، ما خرج شعب أبي حر ينشد الحرية والكرامة وعاد دون أن ينالها، هذا هو درس التاريخ الأعظم وسنة الله في الكون «ولن تجد لسنة الله تبديلا». وإن غدا لناظره لقريب.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى