صفحات الثقافة

في النهاية التي تحدث من دون توقف/ فراس سليمان

 

 

ماذا يفعلون في الحرب؟

يطحن بعضهم العظام والجماجم على عجل لينسوا أنهم أصبحوا قتلة. يتمترسون خلف جثث بعضهم ويفتحون النار على جثث أخرى. يستغل بعضهم اقتحامات الهدوء ليعصروا قلوبهم على أرض باردة في ليل يتشقق، منتظرين نهاراً قد يأتي ليربطوا بما تبقى من أوردة وشرايين، أنفاسَ أخوتهم المتقطّعة.

* * *

 

الأطفال والنساء والعجائز حشائش متشابكة مرتجفة تتدلى من ثقب في جدار الهواء الذي يفصل جبهات القتال؛ حشائش تتدلى من أصص ملأى بالدم.

* * *

 

في النهاية التي تحدث من دون توقف، يرقب بعضهم خائفين تحلّل الأشياء والأسماء، يقسّمون الندم على أعداد كثيرة ثم يضربونه عرض الحائط.

في النهاية التي تحدث من دون توقف، يحاول الأحياء أن يبصقوا… أن يصرخوا فتنفجر أحشاؤهم عفناً.

ينفجر صوابُ التاريخ أخطاء قاتلة.

في النهاية التي تحدث من دون توقف، الجميع أذلاء منتظرون.

* * *

 

يخرج كلّ طرف مسلّحاً بكفنه.

* * *

 

كلّ طرف، ذاكرة مرسومة برداءة.

* * *

 

هل على اللاجئين أن يشكروا الله لأن خيامهم ليست لها نوافذ ليطلّوا منها على سماء مهدّمة؟

* * *

 

والفارّون من الموت، مَن لم يموتوا، يعيشون أصداءً في أمكنة لم تعد موجودة في ملاجئ ذاكرات مدمّاة.

* * *

 

ينصهر اللهُ أدواتٍ حادة قاتلة في أيدٍ عمياء.

* * *

 

كلّ نصّ مقدس، بطن شرور.

كلّ تأويل اغتصاب.

* * *

 

لأن الطاغية لا يستطيع أن يرى سوى صورته، ولأنه ليس معتاداً أن يرى صورته تهتز، هو لا يصدّق. يجلس في لحظته المتجمدة ظانّاً أنه يصنع التاريخ. الطاغية لا يفتقر إلى رعايا يثبتون له ما يريد أن يراه، صورته وحسب.

الآن، ولمّا اهتزت صورة الطاغية، الجميع رأى ما عداه. فالطاغية لا يرى ولا يسمع. فقط يتوهم ويطلق أوامر، لكن الشعب يمزّق صورتكَ، أيها الطاغية.

الطاغية يخرج من فقاعته/لحظته، وإذا خرج فإنه لا يخرج إلا ليقمع. ليعتقل. ليقتل. ليحبس المستقبل في ماضيه. إذا خرج، فإنه لا يخرج إلا لينتهي.

* * *

 

أما نحن وقد ظننا أن المسرح مهيأ لأصواتنا وأقدامنا، فننتبه الآن أننا كنا مجرد مشاة بطيئين في بهو طويل يقود إلى خارجٍ ما. القتلة الذين كانوا بيننا ولا يزالون. الذين كنا نلكز بساطتهم بأكواعنا بكثير من التعالي وبقليل من الشفقة، الآن يحتلّون المكان.

القتلى والذين سوف يقتلون الذين تتعالى صرخاتهم، القادمون من الألوان الحادة للحياة، يقلبون خشبة المسرح، بينما نحن في بهونا الطويل، نحن الذين كنا نفكر في المخارج نبكي الآن ضائعين.

* * *

 

وقال قائدهم: يمكنكم تسوية هذه الأرض المحفّرة بالجثث.

* * *

 

في هذا الشرق الملعون أيضاً، الأوطان لها أعمار.

* * *

 

في الحرب، العبث الذي يسعى إلى صفائه. له أن يتنصل من المعنى الذي أنجزه. خالصاً يذهب إلى نفسه، جارّاً وراءه القتلة والضحايا.

* * *

 

في الحرب، وأنتَ تتفرّج على كل هذا الموت، امسح على كتف الجثة التي تجلس قربك. وإن كنت وحدك، فامسح على كتفكَ.

* * *

 

في الحرب، لكَ أن تسمّي الثقب في الخزّان جرحاً.

* * *

 

في الحرب ليس للألم إيقاع. كما أنه ليس نشازاً.

النهار

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى