حدث في أحياء حلب المحررة أنني التقيت بطفل يعمل في محل بيع الفلافل، وأصابع يده اليسرى مقطوعة إلا الأبهام، فأخرجت كاميراتي من الحقيبة، وبدأت تصوير الطفل أثناء عمله. أثناء تصويري لعدة لقطات له من عدة زوايا، دار في عقلي فكرة أمن وسلامة الطفل، هل أهله في مناطق سيطرة النظام؟، أو ربما في مناطق سيطرة تنظيم “داعش”؟. ربما نشر صورة عنه تأتي بالمفسدة عليه، فسألته متى تنصرف وأين منزلكم، سأطلب إذناً من والده في حال تواجد أهل في المناطق المحررة من حلب، أجابني الطفل بعد أن أعجبته فكرة التصوير، والدي لديه محل لبيع الألبسة في الشارع ذاك.
فوراً وبدون أي تردد ذهبت إلى محل والد الطفل، رجل أربعيني ذو لحية شقراء يحرك شفتيه بكلمات غير مفهومة!
– كيف حالك يا عّم؟
العم وهو يحرك شفتيه بسرعة: الحمد الله، أهلاً أخي.
– هل أنت والد الطفل الذي يعمل في محل بيع الفلافل؟
– نعم.. خير.. تفضل.. فيني ساعدك بشي؟
عرّفت عن نفسي، وأخرجت الكاميرا من الحقيبة وطلبت منه إذناً لتصوير ابنه إن أمكن.
وما إن سمع بكلمة (إعلامي) حتى تغيرت حركة شفتيه واستنفرت ملامح وجهه الأحمر ومسك بيدي وقال لي وهو يمسك بيدي ويدفعني نحو الأسفل حتى أجلس على كرسي بلاستيكي.
– قال باللهجة الحلبية، قعود … قعود لقلك إنت قد ولادي وبدي انصحك.
– تفضل يا عّم بتشرف.
– يا ابني بلالك هي الملعونة (الكاميرا) واهتم بأمور دينك وأمتك!!
حاولت التحدث ولكنه واصل كلامه
-الإعلام حرام يا ابني حرااااام شرعاً وما أجبلك شي من عندي وبعرفك عّم تقول بينك وبين نفسك شو فيه هاد الشيخ صار يخرّف، راح جبلك حديث من الكتاب والسنة.
– أنا: كتاب!!! وسنة!!!! والإعلام حراااام!!!
وهو يبتسم ابتسامه انتصار: نعم حرام وبأدلة شرعية… قبل كل شي صلي على النبي وقول بِسْم الله… رب العالمين، قال: “يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا”. وأنت مو منهم بس غالبية الأخبار يلي تطلع على التلفزيون من فساق والعياذ بالله… تشوف المذيعة السافرة وتشوف المذيع حليق اللحية!!! والله يبعدك عنهم يارب…. الله يبعدك عنهم…
واصل وهو يبتسم بعد أن وضع كفه على كفي وأخذ يحركها، الآية خلصنا منها وهي الآية موجودة بسورة الحجرات… أما الحديث فهو صحيح مليار بالمئة وانت تعرف إمامنا البخاري أكيد… هو يلي مصححه وخود معلومة إذا الحديث مكتوب عليه صحيح البخاري لا تفكر بمدى صحته للحديث، الرسول صلى الله عليه وسلم قال: كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما يسمع… يعني بلا الموأخذة منك بتنزل قذيفة أو برميل بالشعار، ع القبضة الإعلاميين ينشروا الخبر وما يتبينوا ودينه دين بيّنا… وياما في نسوان كانوا حوامل ونزلوا بسبب خبر كاذب نشروه الإعلاميين عن اقتحام وتقدم جيش بشار.
قلت لنفسي: نصف ساعة في محله راح أطلع بنظره زنديق ويبطل يقول بلا المؤاخذة منك. وفي سبيل تلطيف الجو قلت له: يا عم أنا بدّي صوره بالكاميرا يعني ابنك حدث وموجود وين الكذب أو النبأ الفاسق وأين أحدث بما لم أر… ابنك وموجود!
العم: يا عيون عمك هل أنت قادر تخلق مثل ابني و- العياذ بالله – يوم القيامة… ضيف لمعلوماتك المصورين أشد الناس عذاباً يوم القيامة إذا تعرف مثل هذا الحديث عن النبي
– سمعان بهذا الحديث سمعان!!
– إذاً إثمك بلا المؤاخذة أكثر وأضعف من يلي ما يعرف بأثم المصورين وبدي أعتذر منك ما أسمحلك تصور ابني.
– بدّي اعتذر منك وما أسمحلك تصور ابني لو قايللي إياها أول شي بس!!
خرجت بعد الاعتذار منه في حال كنت سبباً في إزعاجه وتعكير صفو يومه، ولكنه رفض خروجي من محله حتى ضيفني ثلاث حبات تمر.. وختم كلامه… فكر بكلامي يا ابني إني لك من الناصحين.
تبين لي بعد الاستفسار عن هذا الرجل أنه من جماعة تدعى (جماعة الدعوة والتبليغ).
(سورية)
العربي الجديد
