في خلفيات التصعيد التركي ضد سورية
خورشيد دلي
قبل بدء الاحتجاجات في سورية بأيام كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في سورية يفتتح سد الصداقة بين البلدين على نهر العاصي ويخاطب الرئيس بشار الأسد بمفردات الأخ والصديق ويتحدث عن المستقبل الباهر للعلاقات بين البلدين بعد سنوات من التحسن فيها والتي وصلت إلى مستوى وصفها بالإستراتيجي.
فجأة ومن دون مقدمات تغيرت لهجة اردوغان وأركان حكومة حزب العدالة والتنمية تجاه النظام في سورية وبات لسان هؤلاء التهديد والوعيد والإنذارات والفرص وإعطاء الدروس وغير ذلك من لغة الاستعلاء قبل ان تنتقل أنقرة إلى الانخراط في الوضع السوري مباشرة من خلال احتضان المعارضة وصولا إلى تبنيها ومن ثم الانتقال إلى المطالبة بتغيير النظام في سورية. السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا هذا الانقلاب في السياسة التركية؟ وما هي خلفيات هذا الانقلاب؟ بداية، أريد ان أقول لكل من يرى ان حكومة حزب العدالة تنطلق في سياستها هذه انطلاقا من دعمها لمطالب الشعب السوري بالحرية والديمقراطية والتغيير.. ان هذا نوع من الوهم وربما قلة الوعي أو الفهم للسياسة التركية، وأقول لهؤلاء إذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا تعترف تركيا بحقوق أكرادها؟ وفي الحالة السورية لماذا لم تقم بوساطة بين المعارضة التي تحتضنها والنظام وهي التي قامت بوساطة بين سورية وإسرائيل؟!
في الحقيقة، ثمة خلفيات سياسية تقف وراء مجمل السلوك التركي إزاء الوضع السوري، اختصرها في الأسباب الثلاثة التالية : 1- ان تركيا حزب العدالة والتنمية تريد كسر أو تغيير البوابة السورية من أجل ان تكون الجيوسياسة العربية مفتوحة أمام سياستها المضمرة ( العثمانية الجديدة ) بكل ما تحملها هذه السياسة من أبعاد اقتصادية وسياسية وثقافية واجتماعية ومذهبية وأمنية، فكسر هذه الحلقة المصنفة في ( الهلال الشيعي ) يعني فتح ( كريدور) أمام السياسة التركية العثمانية عبر سورية تجاه الأردن وعمق الخليج العربي ومصر… وهو ما يعني إقامة ( هلال سني ) محل ( هلال شيعي ). 2– ان عامل التنافس والصراع بين تركيا وإيران على المنطقة العربية قوي سواء جدا في الخليج أو الشرق الأوسط، وفي ظل هذا التنافس فان دول الخليج العربي التي لها خلافات ومشكلات وحساسيات مع إيران ترى ان دعم الدور التركي يعد شكلا من اشكال محاربة الدور الإيراني والاشتباك معه إقليميا، ومع صعود الحركات الإسلامية ولاسيما الأخوان المسلمين في الشارع العربي وتحديدا في البلدان التي تشهد ثورات واحتجاجات فان حجم المطالبة العربية بدور تركي بدأ يأخذ طابع الاستنجاد بدولة إقليمية وهو ما تحاول تركيا استغلاله ولاسيما في الملعب السوري، فضلا عن تقديم نموذج حزب العدالة والتنمية للحكم. 3- ان تركيا وبعد سنوات من الحديث عن نظرية صفر المشكلات والعمق الاستراتيجي والعودة إلى بنيانها الحضاري حسمت خيارها لصالح الانضمام إلى البلوك الغربي كما تحدث وزير الخارجية احمد داود أوغلو قبل فترة، وما الموافقة على نشر الدرع الصاروخية على أراضيها الا تأكيد على هذا الخيار، وفي الأساس بجب ان لا ننسى ان تركيا عضو مهم في الحلف الأطلسي ولها علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة. وهي هنا تنطلق من نظرية المشاركة في الحدث واقتسام المغانم بدلا من البقاء في مقاعد المتفرجين والانكفاء على الداخل.
منطق تركي ربما يضعنا أمام ما هو أخطر في عدم فهم السياسة بأبعادها الكلية في الشرق الأوسط وتحديدا في الحالة السورية، ما أريده قوله هنا، هو أن السياسة التركية التي لم تفهم ان صفر المشكلات لا يتحقق بفتح صفحة جديدة دون حل مشكلات مزمنة في التاريخ والجغرافية فان مسألة إسقاط النظام السوري لا يكون الا بإسقاط منظومة علاقات إقليمية كاملة تضم إيران وسورية وحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي بل وحتى العراق بعد رحيل القوات الأمريكية، فجميع هذه الأطراف تراقب الوضع السوري لحظة بلحظة ويدها على الزناد.
ايلاف