في خيانة الدخيل، وسقوط الجبل….
فاضل الخطيب
“لو قام سلطان الأطرش من قبره، ووقف ضد بشار الأسد، فإنني سأطلق النار عليه”/ هذا ما قاله شرشوح من جبل سلطان الأطرش قبل أكثر من سنتين، وقبل أن يرتقي لمنصب شبيح..
يبدو أن شبيحاً آخر مازال أميناً لتلك الثقافة، ولكونه لا يستطيع إطلاق النار على سلطان الأطرش، قام قبل عشرة أيام وأطلق النار في ظهر الجبل على الرمز الذي يربطنا بسلطان الأطرش..
الأسد ورصاصه ودمنا يربطهم، والحرية ودمنا يربطنا مع سلطان الأطرش..
لا يمكن تصديق مدى تسابق بعض الشبيحة على النذالة في الجبل، فعلاً لا يمكن تصديق أن يقوم صاحب مضافة بتسليم دخيل عنده إلى المخابرات بكل فخر ويفخر بهذا السلوك آخرين مثله، أو أن يقوم البعض بالمساهمة بسجن أفراد من خيرة أبناء وبنات الجبل، أو هناك من يقوّد على أهل بيته/وهذه ليست فقط كلمة عابرة/ بهدف كسب ود المخابرات..
بعض المغلوبين على أمرهم يضعون شروطاً وقياسات للثورة التي قد يساندوها، ولا يعترفون أن الذي يجري في سوريا هو ثورة، بينما هم يتغنون بثورة 8 آذار وثورة التصحيح! الواحد منهن ما “بمون يمسّح طرفه” بدون إذن من المخابرات، وبحط شروط؟! ناس فقدت توازنها مع قرقعة المتي، ناس فقدت رجولتها بين كلمة أمر يتلقاها من عنصر مخابرات ما بتعرف قرعة أبوه منين..
أن يكون المرء جباناً، فهذه مصيبة “رجولية”، لكن أن يكون ذلك الجبن مغلفاً بغباء و”بواقة وقوادة” فهذه كارثة عليه وعلى أبنائه..
بعد أن نفذ التعليمات، مسح شواربه، وشلح جواربه، وانسلّ في فراش زوجته وصورة معلمه أمامه، وفي الصباح نظر أطفاله في عينيه نظرة احتقار.. الأطفال تعرف قراءة آثار “القوادة والبواقة” في عيون آبائها، تشعر كيف يترجم أهله شعار “شبيحة للأبد لاجل عيونك يا أسد” وتطويره إلى “عاهرات للأبد، لاجل عيونك يا أسد”.. غداً سيبقى وحيداً مع خيال معلمه وعيون أطفاله وذكريات دفاعه عن المجرم والخونة..
ماذا يقولون لأطفالهم غداً، عندما يسألونهم في أي موقع كنتم في زمن الثورة؟ ما فهمه أطفال درعا قبل سنتين، يستعصي فهمه على بعض الشوارب التي تخون الضيف وتطلق النار على الخط الذي يربطنا بسلطان الأطرش..
تسأل بعض ملحقات الشبيحة في هجومهم على الثورة عن “منظومة القيم التي يجب أن تضحي من أجلها”؟، وأنا أقول للذين يرشّون مساحيق الرجولة المغتصبة على نذالتهم: هل يكفي 42 عاماً من اغتصاب السلطة في عائلة واحدة؟ هل يكفي أن أكثر من نصف أهل الجبل يعيشون في بلاد الغربة قسراً/وليس سياحة؟ هل يكفي استملاك المخابرات الوافدة على الجبل والتي أذّلت الجبل خيرة أرض ظهر الجبل؟ هل يكفي التفكر والتفكير كيف قمعوا هبة عام 2000 ضد النظام في الجبل ومن أطلق النار على شبابا الجبل وأردى العشرات منهم، ومن كان السبب وأين الجناة والمحاسبة؟ هل يكفي سرقة آثار الجبل؟ هل يكفي أنه خلال 42 عاماً لا يوجد في محافظة “يتغنى البعض بجوفياتها وأنها كانت العمود الفقري للتحرير من الاستعمار” لا يوجد فيها أي مشروع يستقطب حتى لو بضع عشرات من العمال أو الفنيين؟ هل يُعقل أن غالبية خريجي الجامعات في الجبل يعملون في الغربة بالبيتون والخدمات، وبذلّ الغربة؟ هل يكفي مئات مليارات الدولارات التي “وفرها” الأسد من راتبه؟ هل تكفي عصابات شبيحة عائلة الأسد التي كانت بيدها اقتصاديات الاستيراد غير الرسمي عبر البحر ومنذ عقود؟ هل يكفي إفساد كل شيء، حتى القهوة المرة؟ هل يكفي أنه بقي ضريح القائد العام للثورة السورية الكبرى الذي يستشهد الشبيحة أيضاً به وبثورته، بقي بدون تشييد عقوداً من الزمن بعد وفاته، بينما صار نصف سوريا وخلال أسابيع باسم باسل الأسد /الولد الأرعن الأزعر؟ إذا كانت محافظات سوريا عندها ألف سبب للقيام بالثورة، فإن محافظة السويداء عندها ألف سبب وسبب..
من لا يملك الشجاعة للانحياز للثورة، على الأقل ألا يقف ضد وطنه ويدافع عن الذي فرط بالجولان، خصوصاً بعض الجولانيين والجولانيات الأنذال..
العار أن يستشهد البعض في الجبل بسلطان الأطرش، ويلوكون أحذية المخابرات الذين أهانوا كل تاريخ الجبل وأذلّوا شوارب “رموزه”.. عار أن يصبح جبل سلطان الأطرش ممسحة وملاذاً للخونة أمثال الأسد، أن يصبح حظيرة طلائع..
كل هذه الشوارب تحتمي بجزمة ماهر الأسد؟ وممن تخافون؟ وهل العرعور الذين تدّعون الخوف منه أقوى من فرنسا؟ وحتى لو فرضنا أن العرعور أقوى من فرنسا وأنكم نذلاء جبناء بعكس أجدادكم الذين قارعوا فرنسا، لكن كيف تفسرون مطلق النذالة أن يبوق ابن الجبل ضيفه؟ وهل من عادات الجبل أن نسلّم الضيف الذي يأكل من زادنا للمخابرات؟..
قبل سنتين ونصف اعتقلت مخابرات حفيد الذي طالب الاستعمار الفرنسي بعدم الرحيل، اعتقلت حفيد الذي قاد ثورة التحرير الأولى التي طردت الاستعمار الفرنسي، ولم يتجرأ ولا نذل واحد من بعثيي الجبل أو رجال عائلاته المعروفين أن يُعرب عن كلمة احتجاج أو محاولة فيها كرامة، رغم أنكم تتسابقون على التمسح بعباية سلطان الأطرش! ويمكن سرد اغتصابكم فرداً فرداً وتمريغ شواربكم عقوداً من الزمن..
هل تعلمون أن جماعة العرعور تتفاوض مع عائلة الأسد منذ خمس سنوات، واختلفوا في العشرة شهور الأولى للثورة مع النظام على نسبة اقتسامهم السلطة؟ وهل تعلمون أن التفاوض لم ينقطع حتى الآن؟ وإن اتفق أخوان العرعور مع أخوان الأسد، أين يكون محلكم من الإعراب؟ وهل عندها يصبح العرعور غير مخيف؟ وللعلم أن أخوان مصر هم “سوفييت” الأخوان في المنطقة، أي أنهم المرشد للجميع، وأنهم ضد الثورة، أي مع ترميم نظام الأسد، وأن أخوان العرعور يقتربون من إيران بوتائر سريعة. الشمس لا يمكن حجبها بالغربال، و”ما فيه بزقة تحت حجر وفوق شارب بتختفي”..
من يفقد كرامته مرة، يسهل عليه ترك ما تبقى منها، وقد يكون صمتُ البعض خلال سنتين، هو سلفة للإعفاء من الوقوف دقائق صمت على أرواح الشهداء، لقد شارك البعض بصمته سلفاً بقتل الشهداء..
من يفرط بكرامة أهله أو جاره، يفرط بحليب أمه ومستقبل أبنائه وكرامة قبور أهله..
قضى قسم من جيل حافظ الأسد في الجبل جلّ حياتهم في الهجرة في أعمال “الفاعل/البيتون”، وقضى أبناءهم بعد تخرج أكثرهم من الجامعة جلّ حياتهم حتى الآن في الهجرة في أعمال “الفاعل/البناء والخدمات”، ويسعى جلّ الأبناء /إن استطاعوا الزواج، أن يقضي أبناؤهم أيضاً جلّ حياتهم بعد أن يكونوا قد تخرجوا من الجامعات في نفس أعمال الجد والوالد مع ذلّ الغربة.. يبدو أن البيتون هو القاسم المشترك بين كرسي الأب والإبن هناك، وبين عمل بعض الآباء والإبناء هنا..
من الصعوبة أن يجد الفقير أقرباء، وعلى ضوء ما تقدم، صار صعوبة أكثر أن يجد خلدون زين الدين ورفاقه بين أكثرية أهل جبله حلفاء.. رصاصات، رفضت الاستعصاء.. شبيح، ربما شرب من نفس دلّة القهوة.. يصل الشعاع كثيفاً من بين ثقوب السماء، لكنه غير كافٍ.. رغم أن هذه الحياة ليست لنا، لكنها ذات قيمة وتستحق أن نعيشها من أجلهم.. الحياة تحتاج زمناً، وقد قتل جبله زمنه..
صارت مهمتنا البحث عن حجج للتبرير هنا، وإدانات هناك، هذا قليل من أجل الحياة.. انسحب الجندي بهدوء وراء دمائه في التربة، حيث هناك بين قبور أجداده، قبور أجداد من ضغط على الزناد.. هذا الجبل ليس كما يجب أن يكون، بل ليس كما وجب أن يكون، هذا الجبل يعيش حالة استعصاء، يرفع نفاياته وينثرها سماءً للغدر تغطي “جيشاً من البوّاقين والقوادين”.. هذه الحياة الجبلية ضيقة، ليس فقط في طولها، بل في عرضها أيضاً.. سقط وهو يقول :اذهب عِشّْ!، فالحياة لك.. كان هناك ما يجب العيش من أجله وفِعله على هذه، أو تلك التلال.. يكبر البعض عندما يموتون، وإذا كان المرء كبيراً في حياته أيضاً، فالموت يرفعه أكثر.. استعصاء يوازي طلقة ذاتية في الصدغ..
“نريد ان نورث اهلنا كرامة سلطان وليس اموال رامي مخلوف”/هذا ما قاله أحد رفاق خلدون زين الدين من ضباط الجيش الحر، لكن هل يستحقها “جبل الشبيحة؟”..
حبل الصمت اليوم يصبح مشنقة للأطفال غداً.. بنادق الشبيحة لن تحمي أحداً، وكل من في رأسه عقل يعرف أنه لا مكان للأسد وعائلته في سوريا.. انتهى عصر الطغاة والأنذال، وغالباً الذين يُدفعون إلى ممارسة القتل والاغتيال، يُقتلون لاحقاً في ظروف “غامضة” ومن نفس جهة الأمر.. من كان وسيلة رخيصة، من السهولة التخلص منه بنفس الوسيلة.. من ارتضى لنفسه أن يبيع بعضها، سيضطر لبيع ما تبقى منها بدون مقابل.. الشبيحة الشاردة في الجبل تشكل خطراً على نفسها وعلى غيرها أيضاً.. لم يعد الاقتراب من دائرة الطاغية نعمة، بل نقمة/حتى لو كان في جبل بعيد.. صار الوقت متأخراً.. ابحثوا عن “حجج” تخفف ضغط بقايا الضمير، وأشلاء الشوارب البلاستيكية….
21 / 1 / 2013. فاضل الخطيب.
الحوار المتمدن