في رحاب – جمعة الحرائر –
صلاح بدرالدين
ماشهدته الجمعة الماضية في مختلف أنحاء سوريا من تظاهرات احتجاجية حاشدة كتعبير عن استمرارية الانتفاضة الوطنية السلمية وبزخم أكبر وتصميم لامجال فيه للتردد حتى تحقيق هدفها الأساسي في التغيير الديموقراطي بازالة نظام الاستبداد نقول ماحدث في ذلك اليوم فاقت التوقعات وأذهلت المراقبين وغيرت حسابات السلطة المستندة الى تقارير أجهزتها القمعية بالاضافة الى ذلك أفرزت ” جمعة الحرائر ” جملة من الدروس والعبرالجديدة التي يمكن أن تضيء طريق الانتصار وتقرب يوم الخلاص ومن أبرزها :
أولا – التأكيد مجددا على اختراق الشعب لحاجز الخوف وتبديد مابناه النظام من صورة الترهيب في جرائمه المقترفة في الشهرين الماضيين والمتوجة بمزيد من الوحشية في الأسبوع الأخير فور اجتياح القوات العسكرية مستخدمة الدبابات والمدفعية لمدن ومناطق درعا وبانياس وحمص هذه المدن المنكوبة التي لم تستكن رغم جراحاتها ومعاناتها والتي لاقت التضامن والاسناد من شقيقاتها مناطق ومدن مختلف المحافظات من القامشلي الى دير الزور والرقة وحلب ودمشق .
ثانيا – افشال خطة النظام وخلط أوراقه المبنية على محاولات ايهام الداخل والخارج بحسب أبواقه الاعلامية وتصريحات مستشارة رأس النظام للصحيفة الأمريكية أن الأزمة في حكم المنتهية ولاتحتاج الا لأيام معدودات وكان رد الشباب حاسما ومربكا لأهل النظام .
ثالثا – قطع الطريق نهائيا على محاولات استدراج الجماهير السورية نحو مواقع ردود فعل عنيفة واستمرار المظاهرات السلمية بثبات وتصعيد في لهجة الشعارات التي توحدت على – الشعب يريد اسقاط النظام – .
رابعا – افشال خيارات النظام تجاه المكون الكردي وبعض مناطقه – المختلطة – بمشاركة مختلف المكونات والأطياف من كرد وعرب ومسيحيين في تظاهرات محافظة الجزيرة ودحر مخطط الأجهزة الأمنية في اثارة الفتن القومية والدينية والمذهبية الذي وضعه ويشرف على تنفيذه مكتب الأمن القومي وشقيق رأس النظام ماهر الأسد .
خامسا – تصعيد التظاهرات السلمية في المناطق الكردية ” بجمعة الحرائر ” من جهة التوسع العددي كان ردا على محاولات النظام في عزل الكرد عن الحراك الوطني بوسائل الترهيب والترغيب المختلفة ومنها حكاية – المرسوم الرئاسي – المضلل حول التجنيس والتحضير لاثارة فتنة جديدة داخل الصف الكردي والخطة الأخيرة مازالت قيد التنفيذ .
سادسا – تطوير الشعارات المرفوعة صوب شعار رئيسي جامع لكل المناطق – الشعب يريد اسقاط النظام – هو الرد المناسب على ألاعيب السلطة وهرولة البعض في الوقت ذاته بخصوص ما أشيع عن حوار مزعوم بين دوائر النظام و – المعارضة – بعد أن علم القاصي والداني بعدم أهلية السلطة الحاكمة لقبول أو تقبل أية خطوة اصلاحية وبعد أن أعلن شباب الانتفاضة عن موقفهم بعدم الاستعداد لأي حوار مع السلطة الا بعد انسحاب الجيش وقوات الأمن من كل أماكن تواجدها وتقديم المجرمين – من مؤسسات وأفراد – للمحاكم واطلاق سراح السجناء والموقوفين والمخطوفين جميعا من القدامى والجدد وحل الأجهزة الأمنية وتعديل الدستورواعلان الرئيس الوريث عن عدم الترشح مرة أخرى وقبول النظام لاجراء انتخابات نيابية حرة نزيهة في أقرب وقت .
سابعا – ان ما أبداه الشباب السورييون في هذه الجمعة من صبر وشجاعة ويقظة واقدام وتحد واضح لجبروت النظام الأمني المستبد سيغير خيارات المجتمع الدولي نحو المزيد من الانفتاح على القضية السورية ومضاعفة النقمة على النظام ومحاسبته في المحاكم والهيئات الدولية على ما اقترف من جرائم القتل وانتهاكات لحقوق الانسان .
ثامنا – لم تبدل الانتفاضة السورية وهي على أبواب شهرها الثاني مسار القضية الفلسطينية في تحقيق المصالحة الوطنية فحسب بل أثرت في علاقات النظام الدولية مع أمريكا والاتحاد الأوروبي والاقليمية أيضا بنشوب الأزمة مع تركيا والاحتمالات المفتوحة في تبدل موازين القوى على الساحة اللبنانية وبوادر حصول تحولات عميقة في المؤسسات الاقليمية مثل – مجلس التعاون الخليجي – الذي وافق على ضم الأردن – على الحدود الجنوبية من سوريا – والمغرب الى عضويته مما سيعيد خلط الأوراق في المنطقة برمتها الى جانب تعديل الاستراتيجيات الأمنية والاقتصادية والعسكرية .
تاسعا – بسبب الانتفاضة الوطنية السورية السلمية اهتزت أكثر المؤسسات الاعلامية العربية مثل فضائيتي – الجزيرة والعربية – وتعرضتا الى استقالات واقالات أبرز العاملين فيهما من الذين تم تعيينهم بمداخلات دوائر سورية معروفة وقد تدفع هذه الهزة القناتين الى تعديل أنظمتهما الداخلية المعمولة بها .
عاشرا – بات واضحا ومعلوما للجميع أن الشارع السوري المنتفض هو الذي يحدد مسار الأزمة ويكفل باضعاف النظام وصولا الى تغييره وليس الاتحاد الأوروبي أو المواقف الأمريكية والتركية فكل هؤلاء يطورون مواقفهم تبعا لتطورات الداخل ومدى استمرارية الانتفاضة التي أقنعت الغرب والعالم – حتى الآن – بعدم اهلية النظام للاصلاح وعدم استعداد اهله الحاكمين المتسلطين من العائلة والأعوان التخلي عن الامتيازات والصلاحيات لمصلحة من تفرزهم الانتخابات الديموقراطية الشفافة .
هذه هي الدروس المستقاة حتى اللحظة من الانتفاضة السورية ومحطتها الأخيرة على طريق الانتصار ” جمعة الحرائر ” .