في سوريا.. أولياء الدم في انتظار المعارضة
أمل عبد العزيز الهزاني
الجامعة العربية التي تقدمت مشكورة بمبادرتها لحل الأزمة في سوريا، تتعامل مع النظام السوري بلغة دبلوماسية عالية، تمنحه مشروع الحل وتعطيه الوقت الكافي لتنفيذه، وتعده بأن الأمور ستتحسن إن التزم ببنود المبادرة. الجامعة كانت تتفاوض مع طرف واحد من معادلة الأزمة وهو النظام، أما الطرف الثاني، أي المعارضة، فكانوا متفرجين على مسلسل المبادرة وهم منقسمون على أنفسهم؛ المجلس الوطني يائس ويريد تصدير ملف الأزمة لمجلس الأمن، وهيئة التنسيق الوطني تبحث عن معجزة إصلاح النظام لنفسه، فلعبت دور العطار الذي يريد أن يصلح ما أفسده الجبروت والدهر. بعد دعوة جامعة الدول العربية المعارضة للاجتماع في القاهرة جاء دورها، دورها التاريخي الوطني والإنساني في تغليب المصلحة العامة على مستحقات النضال الفردي التاريخي.
لنتذكر أن الثورة السورية قامت في بداياتها على مطالب بسيطة بعضها يدخل ضمن الإصلاحات الموعودة التي كانت تقال بصوت عال في أروقة إدارة النظام، ولكنها انحرفت عن طريقها حينما قوبلت بعنف غير مبرر من قوات الأمن، فسرت بأنها ضربة استباقية خشية أن يتجرأ الشارع على التشبه بالثوار التوانسة أو المصريين أو اليمنيين أو الليبيين. كبر حجم المطالب بعد القتل المتعمد وإطلاق الرصاص الحي المباشر والتعذيب في المعتقلات والإهانات التي تعرض لها المحتجون، وبلغت عنفوانها حينما طالبت بإسقاط النظام فانكسر عندها حاجز الرهبة الذي كرسه النظام طوال عقود من الزمن، ما بين المواطن العادي الذي كان رفضه تعليق صورة حافظ الأسد على حائط منزله يودي به إلى السجن، وأجهزة الأمن التي أمسك قادتها بشؤون الدولة ومواقع الحكم فيها واستثماراتها الداخلية والخارجية.
كل بيت سوري في مطلق المحافظات السورية، لديه أب أو ابن أو زوج أو قريب قتل أو اعتقل وعذب من قبل قوات الأمن، لم تعد القضية مطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية فقط، على الرغم من أهمية هذه القيم التي كانت تنادي بها رموز المعارضة التقليدية ممن لهم تاريخ مع الاعتقال والتهجير. هؤلاء الذين يخرجون في المظاهرات كل يوم مستصرخين هم أولياء الدم الذين فقدوا أهلهم وأحباءهم منذ مارس (آذار) الماضي وحتى اليوم بلا ذنب اقترفوه، ولن يرضيهم سوى خروج الأسد حيا أو ميتا، من عرينه أو من حفرته، هذا هو الباعث الأقوى الذي جعل من الشباب الصغار عتاة جبارين على أنفسهم، يقبلون على الموت بصدر عار ورحب، يخرج أحدهم وهو يعلم أنه قد لا يعود، ثم لا يعود، ويستمر إخوانه وجيرانه في الخروج، ولا يعودون، وهكذا.. عناوين من البسالة فاقت كل تصور أو خيال، لذلك لم يقبل النظام السوري بتنفيذ بنود المبادرة العربية، لأن قبوله بها يعني أن يبتلعه المحتجون. اللافتات التي رفعها هؤلاء الشجعان كان فيها الكثير من العتب واللوم على الجامعة العربية، وهم يعتبون منذ جمعة «الله معنا» في الخامس من أغسطس (آب) الماضي التي أعقبت نداءاتهم المتكررة للعرب بالتدخل، ولكن الحقيقة هي أن المائتي قتيل الذين ذهبوا منذ إطلاق المبادرة العربية هم للأسف ثمن لحالة التمرحل التي يتطلبها العمل السياسي، ولا ننسى أننا كدنا نخسر الكويت في أول تسعينات القرن الماضي والعرب منقسمون على طاولة الجامعة العربية. الجامعة، على الرغم من افتقارها لآلية تنفيذ أي من مواقفها فإن تدخلها في الأزمة السورية بهذه المبادرة التي تعتبر جزءا من سيناريو طويل، سيقتل كل أمل لدى حلفاء النظام بالإبقاء عليه أو التحامي عنه، وعلى الجامعة ألا تبطئ حركتها ولا تتأخر في مشاركة العالم معالجة الأزمة وحماية المدنيين من خلال إحالة ملفها إلى مجلس الأمن، كما ولا تحاول أن تدعي ما لا تستطيع.
المبادرة العربية ليست فرصة لحماية الثوار السوريين من عربدة النظام فحسب، بل فيها محاولة من الجامعة لإنعاش حالتها المتدهورة، التي جعلت منها مؤسسة بلا روح، مترددة وضعيفة، ومنبوذة من الشارع العربي. ولا بد من ذكر أن على رأس الأسباب التي تسببت في تدهور حال الجامعة العربية هي عضوية سوريا الأسد، وليبيا القذافي، ويمن صالح، وسودان البشير، فالجامعة العربية مثل الدول؛ حين يتولاها الطغاة تتلبس شخصية المواطن المهادن.
* كاتبة سعودية
الشرق الأوسط