صفحات العالم

مقالات تناولت داعش وجبهة النصرة

حرب تركيا على “داعش” و”النصرة”/ عبد الرحمن الراشــد

الجديد في الأزمة السورية القديمة أن تركيا قررت لأول مرة محاربة أخطر تنظيمين مسلحين على التراب السوري. لماذا قرر الأتراك فتح النار على جماعات إسلامية متطرفة بعد أن كانوا يمنحونها المأوى والعتاد؟ لا بد أنها سياسة تركية جديدة، بعد أن كانت سياستها السابقة ترك «الحدود على الغارب» لهذه الجماعات، التي استخدمت الأراضي التركية ممرا، ومحطة للتمويل، في وقت تعمدت فيه السلطات التركية غض النظر عن عبور المتطرفين والسلاح ما دام ذلك لمقاتلة النظام السوري. لم يجهل الأتراك أن مئات العابرين هم مقاتلون منتمون لتنظيمات جهادية في نفس خط تنظيم القاعدة، لكنهم كانوا يدعون الجهل بحجة أن نحو نصف مليون سوري عبروا الحدود أيضا، وأنه من الصعب فحص الداخل والخارج في هذه المنطقة الرمادية.

إلا أن التطورات الأخيرة أثبتت للأتراك أن تنظيمي دولة العراق والشام الإسلامية (داعش)، وجبهة النصرة، يحملان أهدافا أبعد من قضية إسقاط نظام الأسد. أحسوا بأنهم يحملون على أكتافهم العقرب التي ستلدغهم في وقت لاحق، كما لدغت حلفاء سابقين لها من قبلهم. وكانت أخبار هجوم تنظيم «داعش» على كتائب الجيش الحر المعارض وقتله وخطفه لقيادات الجيش الحر مثار استنكار عريض في داخل سوريا وخارجها. وبالتالي، لم يعد أمام الأتراك سوى إغلاق البوابة في وجوههم، الأمر الذي حدا بـ«داعش» إلى قصف مواقع تركية، لترد تركيا بقصف الجماعة الإرهابية. وهكذا أصبحت الجبهات الحربية ثلاثية الأبعاد: جبهة النظام السوري، وجبهة الثوار، وجبهة تنظيمات القاعدة.

أهمية الموقف التركي العدائي ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة أنه يصحح النظرة الخاطئة عن سوريا وتركيا معا. أحد أكبر الأخطاء التي وقع فيها ثوار سوريا، في لحظة إحباط، اعتقادهم أنه ليس مهماً من يحارب النظام السوري، ما دام يحارب إلى جانبهم، على قاعدة عدو عدوي صديقي. أما نظام الأسد فقد أدرك مبكرا أن لعبة تشويه الثورة السورية، وتحويلها من ثورة شعب مظلوم إلى جماعات إرهابية، ستحقق له النصر بعد أن يؤلب العالم ضدها. سبق لنظام الأسد أن فعلها في لبنان، وفعلها في العراق، وكذلك في فلسطين. استخدم الجماعات المتطرفة لأغراضه من خلال إدارة تحالفات حققت له أهدافه.

بدورهم، أدرك الأتراك أن «دولة العراق والشام الإسلامية» ليست سوى جماعة إرهابية تدميرية لا تقل شرا عن حزب العمال الكردستاني الذي يحاربونه منذ عقود. وقد أظهرت الأحداث العنيفة الأخيرة كيف أن «داعش» و«النصرة» نجحا في كسر ظهر الثورة السورية عسكريا محليا، وسياسيا دوليا، بدعم دعائي من نظام الأسد الذي يروج أن الجيش الحر مجرد عصابات، وحقق هذا تقدما كبيرا لقوات النظام في مناطق مختلفة.

نعتقد أن تركيا قادرة على لعب دور كبير في حسم الصراع في سوريا، وإسقاط نظام الأسد، بحكم ضخامة إمكانياتها العسكرية، وطول حدودها التسعمائة كيلومتر مع سوريا، والتقدير الكبير عند الشعب السوري للدور التركي. بإمكان الأتراك أن يصححوا موقفهم، ليس فقط بمنع الجماعات المتطرفة على التراب التركي، بل بدعم الجيش الحر ومساعدته على تنظيم نفسه، والامتناع عن دعم الجماعات الخارجة عن الجيش الحر.

الشرق الأوسط

داعش: الموت الآتي من الشمال/ نائل حريري

خلال شهرين صعبين على الواقع السوري، كانت مراوحاتٌ دوليّة متنوعة تتأرجح بين إقرار ضربةٍ عسكريّةٍ ضد النظام السوري وبين محاولات ديبلوماسيّةٍ للفرار من تصعيدٍ يبدو أنّه لم يكن يخدم أياً من الأطراف. تأججت الساحة الدولية وقاعات الاجتماع الديبلوماسية فيما يتمّ تطبيق ملامح اتفاق روسيّ – أميركي أعدّت بوادره منذ فترةٍ بانتظار أجلها المستحقّ.

إنما لا يمكننا تجاهل تركيا، الجار الأكثر حساسيّةً في المنطقة، التي تحتمل الضغوط المتزايدة من جهة حدودها الجنوبية على أمل موطئ قدم في اللعبة السياسية المقبلة. من سوء حظها أن الاتفاق الدولي لم يجر في مصلحتها، فمع دخول القضية السورية محراب مجلس الدولي وحصولها للمرة الأولى في تاريخها على قرارٍ أممي لا يصطدم بجدار «الفيـــتو» الـــروسي – الصيني، سقط اسم «مجموعة أصدقاء سورية» من الكواليس السياسية واختفى معها المقعد التركي من موقع المشاركة في القرار، وفي الآن ذاته عادت «الدولة الإسلامية في العراق والشام» لتظهر في شكلٍ مفاجئ، مريب، مؤثر في شكلٍ فاعل في تغيير الخريطة الجيوعسكرية السورية ككل.

انطلقت «داعش» فجأة من حالة استقرارها وهدوئها لتستهدف المعابر التركية بهجماتٍ نوعية مستخدمةً العربات المفخخة ومعلنةً مسؤوليتها علناً، ومن ثمّ إرسال تعزيزاتٍ في محيطها، الأمر الذي قابله الجانب التركي بإعلان – لا يخلو من ارتياح كما يبدو – إغلاقه المعابر الأربعة لأسبابٍ أمنية. حصل الجانب التركي بذلك على المبرر الكافي لإغلاق معابره من دون أن يعتبر ذلك انقلاباً في الموقف السياسي أو حصاراً لقوى المعارضة السورية المسلحة.

ساهم هذا التحرّك المفاجئ من جانب «داعش» في تحقيق فائدةٍ مثلّثة للنظام السوري. فهو من جهةٍ أولى ساهم في تحقيق أمنية النظام الكبرى في إغلاق المعابر التركية، قاطعاً بذلك سبل التسليح لكتائب «الجيش الحر» إلا عبر بعض قنوات غير شرعية، ومن جهةٍ ثانيةٍ أوقف حركة الاستيراد التجاري غير المسبوقة من الجانب التركي، فاستغلّ النظام السوري الفرصة مباشرةً بإلقاء مبلغٍ بسيطٍ للتداول (نحو عشرة ملايين دولار) موحياً بأنّ هذا التدخّل هو ما رفع سعر الليرة السورية بما يزيد على 25 في المئة من قيمتها في يومين. والحقيقة أن السبب الرئيس كان تكدّس القطع الأجنبي بكثرة في الداخل من دون دخوله في سوق التجارة المتبادلة مع الجانب التركي.

من جهةٍ ثالثةٍ، أطلق هذا الحصار العنان لـ «داعش» كي تحاصر «الجيش الحر» من شماله، فراحت تستميت في السيطرة على المعابر السورية – التركية، ومن ثمّ بدأت في مهاجمة كتائب «الجيش الحر» في المناطق المجاورة. توافقت «داعش» مع «جبهة النصرة» متناسيةً الخلافات الأيديولوجية، وراحت تضرب الكتائب المتاخمة للحدود الشمالية بحجّة «كفرها وزندقتها وتعاونها مع النظام السوري»، بدءاً من معاركها في قرية اعزاز (تبعد 6 كيلومترات عن الحدود التركية) مروراً بقرى الباب وتلرفعت ومناطق أخرى من ريف حلب، بالتزامن مع معاركها في ريف إدلب الشمالي، مروراً بالرقة ودير الزور والحسكة، وصولاً إلى منابع النفط السوري.

هلال شماليّ داعشيّ يبدو كفيلاً لدى السيطرة عليه بتحقيق كثير من المكاسب ومنح الحرّية لـ «داعش» في فتح المعابر التركية والسيطرة على الجانب السوري منها، واحتكارها لتصدير النفط السوري واستيراد السلاح وتوزيعه وفق رغبتها إلى كتائب «الجيش الحر» التي تعلن ولاءها ومبايعتها لـ «الدولة».

في ظلّ هذه الخريطة السوداء يمكننا استشراف مكسب سياسيّ عسكريّ واحد، هو إعادة تشكيل الخريطة الجيوعسكرية لكتائب «الجيش الحرّ» المتفرقة والكتائب الإسلامية. فعلى أثر معركة «داعش» مع «عاصفة الشمال» أصدرت كبرى الكتائب والألوية الإسلامية البيان الرقم 1 الذي تهاجم فيه مواقف «داعش» وتطالبها بالتوقف عن تكفير المسلمين بغير وجه حق، وتدعوها إلى سحب آلياتها ومدافعها من قرية اعزاز الحدودية. منذ تلك اللحظة بدا أنّ الولاءات المختلفة بدأت تجتمع في فسطاطين هما «الداعشيون» و «اللاداعشيون». يبدو أنّ هذه المسألة باتت واضحة بالنسبة الى كبار المموّلين الذين سارعوا منذ أيام قليلة إلى الاجتماع لإعادة هيكلة قيادة أركان «الجيش الحر» وتفعيل دور رئيسها اللواء سليم ادريس، استعداداً لما يبدو أنّه سيكون أكبر معركةٍ داخليّةٍ في تاريخ الثورة السورية بين قطبين هما «داعش» و «الجيش الحر» (اصطلاحاً). ستكون هذه المعركة معركة حياةٍ أو موتٍ بالنسبة الى الثورة المسلّحة ككل، إذ يعوّل على انتصار «الجيش الحرّ» ضمان استمرار الدعم والتسليح للمعارضة ومن ثمّ الحديث عن إمكانيّة تمثيل إدريس لها في طاولة المفاوضات، وربما إشراك تركيا في مهاجمة الشمال السوري من جهتها. من جهة مقابلة، وفي حال انتصار الطرف المثبّت على القائمة السوداء للإرهاب العالمي، سيعني هذا أنّ الدعم سينقطع عن أيّ تشكيل معارض، وقد يتحوّل إلى النظام السوري في «حربه ضدّ الإرهاب».

الحياة

عن داعش../ زيـاد مـاجد

يستقطب تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” – داعش، بمقاتليه الأجانب الوافدين الى سوريا، إهتماماً متزايداً نظراً لتوسّع رقعة انتشاره في البلاد ولممارساته المخيفة، ولتسلّطه على السوريين في المناطق التي يسيطر عليها.

ويتكاثر حضور هذا التنظيم إعلامياً في الغرب ويعدّه كثر من المعلّقين، عن جهل أو خبث، واحداً من أبرز فصائل الثورة السورية المسلّحة، أو يزجّون به مع بعض جماعات الإسلام السياسي السوري في نفس البوتقة، معتبرين الجميع متماهين “جهاديّاً”.

العجالة التالية لا تدّعي أكثر من التذكير بثلاث ملاحظات مرتبطة بـ”داعش” تغيب للأسف عن الكثير من المواقف والسجالات.

الملاحظة الأولى تتعلّق بالمعارك التي خاضتها الجماعة في سوريا طيلة الأشهر الماضية. فهي، إذا ما استثنينا مشاركتها في المرحلة الأخيرة من معركة مطار منغ مع قوات النظام، خاضت مجمل قتالها مع القوى الكردية، ومع “لواء أحفاد الرسول” و”لواء عاصفة الشمال” وعدد من كتائب الجيش الحرّ، إن في رأس العين أو الرّقة أو حلب أو أعزاز. كما أنها أقدمت على اعتقال عدد من أبرز الناشطين والإعلاميين الذين واكبوا الثورة السورية منذ انطلاقتها، أي قبل سنتين من حكمها  للرقة “المحرّرة”، كما خطفت أصدقاء للثورة وداعمين لها من طيبة الأب باولو.

الملاحظة الثانية تتّصل بصعود هذه الجماعة سورياً في لحظة تعود العمليات الانتحارية والتفجيرات القاتلة المنسوبة الى “القاعدة” في العراق الى التكاثر، بما يمكن اعتباره لحظة تقدّم لقوى عدمية تستفيد من الوضع السوري ومصائبه، ومن الاضطراب الأمني السياسي العراقي المتفاقم، لتعبّر بعنفها الضاري والمشهديّ عن قدرتها على الاستثمار السريع في “الفراغ” لتعزيز حضورها.

والملاحظة الثالثة مفادها قدرة “داعش” المذهلة على الانغلاق والبقاء جسماً عصيّاً على التواصل الاجتماعي أو الإعلامي المباشر مع السوريين ومع العالم. وليست تغطية الوجوه، وعدم ظهور الأمراء والمسؤولين الكبار، ورفض المقابلات الإعلامية، كما الاحتفاظ بالمختطفين في أماكن سرية وعدم تسرّب شيء عنهم وعن أحوالهم، سوى مظاهر لهذا الانغلاق وما يضفيه على التنظيم من هالة وسرّية و”مهابة”…

تشير هذه الملاحظات الى أمرين:

أولاً، أن قتال “داعش” للنظام محدود جداً، وأن جهدها العسكري الأساسي كما آلتها القمعية، هي في مواجهة كتائب وألوية وناشطين وجماعات بعيدين عن هذا النظام أو ثائرين عليه. وهذا لا يعني بالضرورة أن “داعش” عميلة للنظام أو أنها بالكامل صنيعته، بل هي في أولويّاتها لا تُعنى بأمر إسقاطه ولا بالثورة عليه، وأنها تبحث عن الهيمنة وقضم المساحات السياسية التي حرّرتها الثورة في السنتين الماضيتين وتصطدم لذلك بقوى هذه الثورة.

ثانياً، أن “داعش” تتغذّى من الوضع الإقليمي الراهن ومن استمرار النظام في سوريا، وتُغذّي الأخير في المقابل عبر تكريس الصورة التي اعتمدها في دعايته منذ البداية توصيفاً لمعارضيه، وعبر التسبّب في إحباط جزء لا يستهان به من جمهور هؤلاء المعارضين.

لكل ما سبق ولغيره من الأسباب المرتبطة بفكر “داعش” العدمي وبممارساتها، يفيد بعض المعارضات السورية أن تنهي الارتباك الحاصل في المواقف العلنية تجاه هذه الجماعة، وأن تقول إن لا علاقة لهكذا جماعات لا من قريب ولا من بعيد بالثورة السورية، بل هي قوّة معادية لها، والتخلّص منها واجب لا يفوقه أهمّية إلا التخلّص من النظام. ويفيد أيضاً أن يركّز إعلام المعارضات على هذا الأمر، كي لا يبقى البحث فيه حكراً على أفراد أو على صحافيين…

موقع لبنان ناو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى