في عشق مدينة.. دمشق
لَم أمشِ في شوارع وطني طوال ثلاثين عاماً كما مشيت في أزقتها وحاراتها، لَم أصادق من أبناء وطني بقدر ما صادقت من أبنائها، بكيت وضحكت وأحببت على ترابها، تنفّستُ الحضارة والتاريخ بين جدرانها، عانقت حجارة أبوابها، أمضيت أجمل أيام حياتي في أحضانها، عشقت روحها فسكنت روحي.
قلب ينبض بالحياة، جبلها شامخ وسهلها عامر، نسماتها وإن تلوثت بآلات البشر تبقى ترياقاً لكل مشتاق وعاشق، لوحة ترسمها أربعة ملايين ريشة كل يوم بلا كلل أو ملل، ريفها يُعيد الروح إلى فاقدها ويُضفي على شحوبها الرومانسي ألواناً تعانق عراقتها.
هي دمشق حبيبة الملايين، مدينة الياسمين التي بعبقها تجذب العاشقين وتلوّعهم عند عتباتها، عاصمة التاريخ ومدينة الثقافة، أجمل ما رأت عيناي من المدن.
دمشق عاصمة سوريا العزيزة، أرض الشام، منبع البطولات ومصبّ رجال الفكر والسياسة، مسرح الفنون وحديث الشِعر، تتربع على عرش المدن السورية، فتُشكل مع باقي المحافظات تحفة طبيعية لا تفتقر لسهل أو جبل أو ساحل أو تاريخ، سوريا الجمال، سوريا الثقافة، سوريا الفن، سوريا التاريخ، سوريا الحضارة.. لا ينقصها سوى الحرية.
تعيش دمشق وأخواتها اليوم مشهداً تراجيدياً مؤلماً، تتمزّق بين أبنائها، فبعضهم قاتل وبعضهم مقتول والأغلبية ترقُب بتوتّر، حالة من الفُرقة والعزلة، خوف من مجهول وتحدّي المعلوم، أزمة سياسية بكل ما تعنيه الكلمة وربّما اجتماعية.
أشعر بحزن عميق لما آلت إليه الأمور مؤخراً كما كنت حزينة للحال التي سيطرت على سوريا في العقود الأخيرة، وما يضاعف هذا الحزن ذلك التعتيم الإعلامي المقصود على ما يحدث في الداخل السوري مؤخراً، فتهت بين الأخبار والمعلومات المتضاربة وبتُّ جاهلة لشأن أهتمّ حقاً بمتابعته عن كثب، والنتيجة ذهول وجدل بين أبناء الشعب السوري وإرباك لمتابعي هذا الشأن. لَم أعد أستطيع مواكبة تطوّر الأحداث أو تصديق أيّ خبر أيّاً كان مصدره، لا أرى سوى كراهية عمياء وحقد يطفو على السطح فيغذّي أزمة اجتماعية تضاعف حجم الأزمة السياسية.
لا أستطيع أن أعقّب حقّاً عما يحدث في سوريا في الفترة الأخيرة لعدم توفر الحقائق وبُعدي عن ساحة الأحداث، ولا أريد أن أتهم أحداً بناءً على موقفه ممّا يحدث فيها، ولا أدري أيّ طرف أميل لتأييده كشخص يتمسك بموقف في الأمور التي تستأثر باهتمامي، لكن، كيف أكبت غضبي وحزني وقلمي عندما يتعلّق الأمر ببلد يسكن في داخلي برضاي ورغماً عني؟ فقررت أن أكتب ثرثرة من القلب حيث أنّ عقلي مُغيب في هذه الحالة.
عندما أقرأ عنوان خبر أو أشاهد تعليقاً عن الشأن السوري، أحاول أن أشيح بنظري لأنّ ثقلاً ما يقبع على صدري فأشعر بالاختناق، سئمت من الغموض والحيرة، الشتائم والاتهامات، كم أتمنى أن يقوم إعلام حيادي بنقل الحدث أو حتى أيّ إعلام خارجي يفي بالغرض وسأقرر بنفسي مدى مصداقيته وما سأصدّق من أخباره. اليوم، أحاول الاطمئنان على حالها من بعض المقربين الذين أثق بمصداقيتهم من أبنائها، لعلّي أجد إلى الحقّ طريقاً وأشبع تلك الحاجة القاهرة الطاغية على حالي لمعرفة ما يحدث على ترابها.
في ظلّ هذه الأجواء، لا يسعني سوى التمني بأن أرى سوريا حرّة طليقة، جميلة عريقة، منارة للثقافة ودولة منيعة، أن يعيش شعبها موحَّداً حرّاً كريماً. لا أدري إن كان هذا ممكناً في ظلّ النظام السوري القائم، ولا يهمني حقاً، سواء في ظلّ هذا النظام أو غيره، أودّ أن يتحقق هذا الحلم في بلد لا يستحق سوى المثالية – أو أقرب ما يمكن إليها – في نظري. قد لا أكون حيادية الرأي فيما يتعلق بسوريا، فالعاطفة تغلُب في حالة العشق، لكن، إن استمر النظام السوري بعنجهيته وتسلّطه، وإن استمر الشعب السوري بالانقسام، أخشى ما أخشاه عليها.
ثمّة الكثير بعد لأقوله، لكنّ الكلمات تهرب من أطراف أناملي، سأترككم مع بعض الصور للمعشوقة دمشق لعلها أبلغ من الكلام، وفي قلبي أمنية بأن يستوي الحال وينال كل من له حق حقّه، أن تبقى دمشق وسوريا مصانة لا يصيبها شر أو بلاء، وأن تضيء منارتها على أوطاننا فتنير لنا درب الحرية، الثقافة والجمال. وأمنية شخصية بأن أعود لزيارتها قريباً لأتعرّف على باقي تحفها الساحرة وأقبّل الحبيبة دمشق قُبلة اشتياق وعشق وحياة.
http://the-point-o-view.blogspot.com