صفحات المستقبل

نظرات مختلفة لسوريّة المستقبل/ مصطفى الجرادي

 

 

 

أعوامٌ تتالى وتتقادم السنون على بدء الحراك الشعبي في سوريّة (ثورة آذار السوريّة)، والتي يرفض بعض المثقفين “النخبويين” تصنيفها في الخانة ذاتها، ومنحها التوصيف ذاته الذي أسبغوه على ثورات سابقة لها بالتوقيت، ومختلفة عنها من حيث طبيعة النظام السياسي الحاكم كالثورة التونسية والمصرية.

انقضت الأيام على “الثورة اليتيمة” وصار بعضهم يطلق عليها ألقاباً مختلفة، كالأزمة والصراع، وبعضهم الآخر صنّفها تحت خانة “الحرب الأهليّة المباشرة”.

بعيداً عمّا يُحاك في دوائر القرار العالمي أو ما يُرسم لهذا البلد ومستقبلها في الكواليس الخلفية للدول العالمية والإقليمية المؤثرة على مجريات الأحداث ومسارها في سوريّة، تختلف تصوّرات وأفكار الناس عن سوريّة المستقبل.. سورية التي يتخيلونها بعد مدة من الزمن، بالاستماع إلى أحاديث متقطّعة، تجمع سورييّن من مشارب مختلفة أو متابعة ما يكتبونه على جدران حوائطهم الافتراضية “فيسبوك”، “تويتر” وغيرها بإمكاننا أن نستشف ونكوّن نظرات ثلاث تجاه سورية المستقبل كما هي في أذهان جزء من السورييّن.

النظرة الأولى

يعبّر عنها جزء من السكان السوريين الذين يجهدون في تمضية يوميات الحرب القاسية ويقاسون الأمريّن في تحصيل أقوات عوائلهم، فهم لا يرون إلاّ مستقبلاً واحداً لسورية وهو الخلاص من هذه الحرب التي أرهقتهم ووضعتهم تحت رحمة طغاة متعاقبين يتبادلون السيطرة على البشر والحجر، لذا فالمستقبل الذي يرتسمُ في أذهانهم مرتبط ٌبآخر طلقة تُطلق في هذه الحرب التي أكلت الأخضر واليابس، وعندها بالإمكان تخيّل المآل الذي ينتظر سورية وأهلها، سواءً كان متسقاً مع ما يريدونه أو مختلفاً البتة عن رغباتهم وأهوائهم.

النظرة الثانية

يمثّلها تيار سوريّ ليس قليل العدد، وخصوصاً هذه الأيام، يرى أن البلاد تنحو باتجاه التقسيم الذي هو آتٍ لا محالة كما يقولون؛ لا بل يحتجون بأنّ البلاد مقسمة فعلياً إلى دويلات وإمارات وكانتونات، تفرض قوى الواقع المسيطرة رؤاها على السورييّن الذين تحكمهم وتمارس عليهم ألواناً من الديكتاتورية، كلٌّ على طريقته، وبحسب الأيديولوجيا التي تستند إليها هذه الديكتاتورية، وهم يستندون في إثبات صوابيّة نظرتهم هذه إلى الواقع السوريّ الحالي، فالغول الداعشي يكاد يلتهم نصف البلاد، بينما تقتسم فصائل المعارضة المسلّحة مناطق متفرقةً في الشمال والجنوب، وينكفئ النظام الكيماوي في العاصمة والساحل وبعض مراكز المدن الرئيسية الباقية تحت سيطرته. وأخيراً، استطاعت وحدات الحماية الشعبية “YPG” السيطرة على مدينة تل أبيض السوريّة لتحكم قبضتها على شريط حدودي طويل ممتد من كوباني -عين العرب- مروراً بتل أبيض وصولاً للحسكة والقامشلي في الشمال الشرقي في مسعىً لتثبيت حكم مستقل على غرار تجربة إقليم كردستان العراق، وبذا فإنّ سيناريو التقسيم سائرٌ على قدم وساق كما يرى أصحاب هذه الرؤية.

النظرة الثالثة

آخر هذه النظرات أو الرؤى تجاه المستقبل السوريّ يجسدها تيار تفاؤلي ما زال على الرغم من كلّ ما قاسته البلاد من نوائب وأهوال، وما عاناه البشر من مصائب، يحلم بتحقيق حلمه بسوريّة التي خرجوا من أجلها ونادوا في مظاهراتهم بالشعارات التي رغبوا في إحالتها إلى واقع تشهد سوريتهم القادمة، وهم يرون أن السوداوية والكآبة التي تطبع أيام سورية هذه الأيام ما هي إلاّ ، بداية ومخاض حقيقي لطفرة وحضارة غير مسبوقة لهذا البلد، لذا هم يرون أنّه بالانتقال من الحاضر القاتم قليلاً وبنظرة استشرافية للمستقبل، فالتاريخ وبعض المعطيات، تؤكد انتقال سورية إلى مستقبل مزدهر بمجرد الانتهاء من عصر الديكتاتورية الحالي وتوقف الحرب.

(سورية)

العربي الجديد

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى