في نقد السلطة الأبوية/ معتز حيسو
تشكلت العلاقات الاجتماعية في عموم المجتمعات العربية استناداً إلى مفهوم السلطة الأبوية، فكان الرجل الشرقي يتحكم في ضبط العلاقات الاجتماعية وتوجيهها بناء على وعي يقوم على منظومة ثقافية وقيمية سائدة، تستمد حضورها من وعاءٍ ديني ما زال بعض رموزه المرتبطين عضوياً بالسلطة يساهمون في صياغة القوانين الوضعية، وبشكل خاص «قانون الأحوال الشخصية». وهو ما يساهم بدوره في تمكين الرجل من سلطته الذكورية/ البطريركية، فيما تبقى المرأة بشكل عام خاضعة لوصاية الرجل وسلطته في إطار علاقة تقوم على التبعية. ولم ينحصر ذلك على مراحل تاريخية كان فيها للرجل الدور الأساس في العملية الإنتاجية. فالثقافة الذكورية ما زالت تساهم في استمرار العلاقات الذكورية حتى بعد دخول المرأة مجالات العمل. وما وصلت إليه المرأة من تفوق علمي وثقافي ووظيفي واجتماعي لم يترك آثاراً واضحة في تجاوز بنية الوعي السائدة. لكن ذلك لا ينفي حصول تغيّرات جزئية في تجليات الوعي الذكوري، نتيجة اعتبارات متعددة اقتصادية واجتماعية تقاطعت مع انفتاح فضائي، ساهم بدرجـــات مختــــلفة في انفتاح مجتمعاتنا على ثقافات مغايرة لأنماطنا الثقافية، وفي تغيير بعض من تجليات الوعي والعادات والقيم الثقافية والأساليب المعيشية، وأشكال العلاقات الاجتماعية.
بهذا المعنى، لم يرتقِ التطور الاجتماعي إلى حدّ بالقطع مع المنظومات والبنى الثقافية العميقة، ولم يساهم في تجاوز المُتخلِف من أشكال ثقافتنا. فاستمر الركود والاستنقاع، وتمسكت شرائح اجتماعية واسعة بالوعي السائد، وتقوقعت على ذاتها وعلى الهويات الجزئية والانتماءات قبل الوطنية. فالمجتمعات العربية تعاني من فساد اجتماعي يرتبط عضوياً بالفساد السياسي، بسياسات الإفقار الاقتصادي والمعرفي. وهذا يدلل على أن تركيبة النظم العربية وبنية الوعي السائد وأشكال العلاقات القائمة على الانغلاق والكبت الاجتماعي، إضافة إلى عوامل خارجية، ساهمت في ما وصلت إليه الأوضاع العربية. في السياق ذاته تمارس أنظمة الحكم التسلطية الاضطهاد والقمع ومصادرة الحريات ضد المرأة والرجل على حد سواء، لكن ذلك لا يلغي الطابع المركب لمعاناة المرأة.
وعليه، فإن التغيرات الطارئة على طبيعة العلاقات الاجتماعية والوعي الرائج، إضافة إلى تنامي دور المرأة، هي أمور لم تساهم في تمكينها من قضاياها المصيرية، أو في تغيير طبيعة مهامها المنزلية والأسرية وأشكالها، التي تحوّلت إلى أعباء مضافة على عملها الوظيفي. أما طبيعة التربية الأسرية، فإنها حتى اللحظة تقوم على التمييز الجندري، ومن يساهم في تعميق ذلك هي المرأة ذاتها التي تعاني من تسلط الرجل. وهي بذلك تلعب دوراً في استمرار المتخلف من المنظومة القيمية والثقافية، والبالي من العادات والتقاليد.
من جانب آخر، تَساوقَ اشتغال معظم الأنظمة العربية، على استخدام مختلف الأشكال والآليات السلطوية الأمنية، للقبض على دعائم ومرتكزات الهيمنة، مع اشتغالها على مستويات وأشكال وآليات أخرى مختلفة، نذكر منها: أولاً، تمثّل السلطة الأبوية القهرية. ثانياً، توظيف الوعي الديني، وبعض النصوص التي تحضّ على طاعة ولي الأمر والخضوع له، لخدمة سياساتها وتبرير سطوتها واستئثارها بالسلطة. ثالثاً، العمل في سياق علاقتها مع المكوّنات الاجتماعية على نبــــش وتوظيف عادات وتقاليد أهــــلية تعود إلى مراحل سابقة. رابعاً، تضخيم الأيديولوجيا السلطوية وربطها عضوياً بالفكر والوعي الديني السائديْن.
السفير