صفحات الرأي

“قادة تاريخيون كبار في ثورات القرن العشرين” لكريم مروة – جزآن


هل يتّعظ ناشطو الثورات العربية بأخطاء أولئك… فيتفادون الخلل؟

    جوزف باسيل

لا عجب ان يبدأ كريم مروة الشيوعي كتابة “قادة تاريخيون كبار في ثورات القرن العشرين” بجزأيه، بلينين قائد الثورة البولشفية، على رغم ان الثورة الشيوعية التي قادها ونجحت في تأسيس أول جمهورية اشتراكية، هي الاتحاد السوفياتي، سقطت وسقط وليدها الاول، وانهارت المنظومة كلها، الا بقيتين كوبا وكوريا الشمالية، بصرف النظر عن واقع الصين حاليا وتوجهاتها الاقتصادية التي لم تعد تمت الى الاشتراكية بصلة. لكن سقوط النظم الاشتراكية، لا يجعل النظام الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الاميركية في منأى عن السقوط، بل هو تعرض لهزة عنيفة أولى عام 2008، انذرت بالآتي، بما يجعل نهاية التاريخ بسقوطه وليس بسقوط النظام الاشتراكي كما توقع.

اذ وجه مروة كتابه الى شباب الثورات العربية، دعاهم الى الاتعاظ بتجارب ثوريين كبار عبروا في القرن العشرين، نجحوا او اخفقوا، اصابوا ام اخطأوا حققوا ما سعوا اليه او نقضوا ما عاهدوا عليه، حرروا اوطانهم وشعوبهم او غالبتهم الدول الاستعمارية فغلبتهم… كل احتمال يمكن ان يتبادر الى اذهانكم تعرض له اولئك القادة، وتجاربهم التي يعرضها مروة هي مدرسة يقرأ في كتبها كل منا، وامثلة يحتذى بها، وخبرات يتعظ بها، اولئك القادة كانوا، كهؤلاء الشباب، من نسيج شعوبهم، خدمتهم الظروف فنجحوا او عاكستهم وعرقلت مساعيهم الدول المستعمرة، فاخفقوا… لكنهم كانوا مناضلين حقيقيين وثوريين اصيلين ولم يهابوا مع انهم كانوا يواجهون قوى استعمارية ليست اقل شراسة، مما يواجهه شباب الثورة العربية.

والافتراض انه كما شكل القرن الماضي المدى الزمني خصوصا في اواسطه للثورة على انظمة الاستعمار والانتداب في المنطقة العربية، ها هو القرن الحالي بمطلعه، يبدأ ثورة شابة على تلك الانظمة التي تكونت آنذاك وغدرت بشعوبها فظلمت وقهرت وقمعت… وحان وقت قطافها.

وكما كان اولئك ثوريين مناضلين، كانت ثوراتهم عظيمة، واعظمها الثورة الاشتراكية في روسيا التي اثرت في الكثير من البلدان والثوريين والشعوب وغيرت مجرى التاريخ في القرن الماضي.

والكتاب لا يؤرخ للثورات، لكنه يستحضرها بميزاتها من خلال رموزها اسماء وادواراً، ويبرز جوانبها العظيمة واهدافها سواء تحققت ام لا، كما يكشف عن مكامن الخلل “التي قادتها جميعها الى نقيض او ما يشبه نقيض ما قامت من اجله وما وعدت شعوبها بتحقيقه: الحرية للانسان الفرد وللجماعة وتأمين الحقوق الانسانية والسعادة…”.

يعبّر عن اعجابه بانجازات الشباب، التي عجز جيله من الحزبيين على مدى عشرات السنين في تحقيقه… “انه واجب الاعتراف بالخطأ الذي ارتكبته مع جيلي من الاشتراكيين، ونحن نناضل بصدق ونقدم التضحيات ونحقق الانجازات. انه الخطأ بعينه الذي قادنا الى الهزيمة والفشل، ليس فقط بسبب انهيار التجربة الاشتراكية، بل لأننا لم نعرف كيف نستخلص الدروس في الوقت الضروري لكي لا تنهار تجربتنا مع انهيار التجربة الأم بسبب الخلل البنيوي الذي رافقها منذ بداياتها حتى نهاياتها”.

37 من قادة العالم

قارب مروة حياة اولئك الابطال ومواقفهم من وجهة نظر شخصية احيانا، وايديولوجية ماركسية، بصفته اياها، وفي بعض ما كتبه اضاء على علاقات شخصية بمن كتب عنهم.

هل تكفي كلمة “الثورة” كي تجمع بين الثائر الماركسي والمحرر الوطني او الداعية الديني او الداعي الى الانفصال؟ وما هو الفارق بين الثورة والانقلاب بغاية السلطة، او تحرير الارض وابدال نظام بنظام؟ بعض اولئك لم يكن ماركسيا، بل اتهمه الماركسيون بالرجعية والانعزال والانفصال، ففيما اثار اعجاب المؤلف؟

كتب مروة في الجزء الاول عن: لينين، روزا لوكسمبورغ، صن يات صن، عمر المختار، عبد الكريم الخطابي، غاندي، سعد زغلول، هدى شعراوي، جعفر ابو التمن، مصطفى كمال، سلطان الاطرش، ماو تسي تونغ، هو شي منه، عز الدين القسام، دولوريس ايباروي، عبد القادر الحسيني، جوزف تيتو، مصطفى البارازاني، جمال عبد الناصر.

وفي الجزء الثاني كتب عن: فيديل كاسترو، ارنستو تشي غيفارا، محمد مصدق، احمد بن بلة، فرانز فانون، الحبيب بورقيبة، عبد الكريم قاسم، جومو كينياتا، اغوستينو نيتو، باتريس لومومبا، مارتن لوثر كينغ، عبد الفتاح اسماعيل، جون قرنق، نلسن مانديلا، جورج حبش، كمال جنبلاط، الامام الخميني وياسر عرفات.

بعض من كتب عنهم لم اكن اعرفهم اومطلعا على دورهم في بلدانهم او بين شعوبهم، كجعفر ابو التمن ودولوريس ايباروي وجومو كينياتا واغوستينو نيتو… والبعض تساءلت عن سبب ايراده ضمن هؤلاء كجون قرنق.

جون قرنق وياسر عرفات

اول ما استوقفني بين الاسماء جون قرنق، فبدأت به علني اكتشف ما الذي دفع بالماركسي مروة الى الكتابة عن قرنق “الانفصالي”، وهل أيد ثورته؟ فعلا لقد قارب حركته بصفته وطنيا سودانيا، ناضل من اجل استقلال السودان ووحدة ارضه وسيادته، ثم من اجل رفع التمييز عن اهل الجنوب ضمن وحدة البلاد.

في الحديث عن القادة التاريخيين في القرن العشرين لا بد من ان تعرج على ياسر عرفات عابرا بالتاريخ الفلسطيني وحركة النضال والخطاب التعبوي، وكلها لا جديد فيها، الا انه ينتقد، نقدا ذاتيا، ان الاحزاب اللبنانية اذ تبنت حق المقاومة الفلسطينية في العمل الفدائي في لبنان لم تحسب “حسابا” دقيقا ومسؤولا لنتائج قرارها”.

وفي اطار اعتراضه على الممارسات الفلسطينية في لبنان ونقده القيادة الفلسطينية يطرح بضعة اسئلة، لعل من بقي من قادة فلسطينيين او من “الحركة الوطنية” يجيبون عنها. كما انه لم يكن موفقا ولا مقنعا في محاولة اظهار تمايز الحزب الشيوعي في بعض المواقف، واكتفى بالقول ان “التحالفات” لا تبرر الاخطاء الاستراتيجية، التي يدفع لبنان ثمن نتائجها حاليا.

انتصرت الثورة الاسلامية بقيادة الخميني، وتأسست “اول جمهورية اسلامية بالمعنى الديني والعقائدي” في اواخر القرن العشرين، وتقدمت كثيرا مطلع القرن 21، لكن هل تستطيع ان تتجنب الحرب الدينية كالتي استمرت في اوروبا مئة سنة في القرون الوسطى؟ وهل نموذجها هو الحل في هذا العصر؟

وختم مروة الكتاب بمقال عن “الثورات” العربية، رمت الى القول للشباب ان يطلعوا على عناصر الخلل في الثورات الفاشلة او الناجحة لمن سبقهم، فلا يكرروها، والاهم ان يبنوا انظمة ديموقراطية مدنية.

ويرى ان لبنان لن يكون في منأى و”اننا في وضع خطر”.

لا شك في ان جزأين في 600 صفحة (الدار العربية للعلوم ناشرون)، يقدمان جديدا عن شخصيات شغلت القرن العشرين. ومنهم ما زال تأثيره مستمرا حتى اليوم.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى