قارب الـ «جيت بوت» وسيلة جديدة لموت السوريين/ محمد اقبال بلو
غازي عنتاب ـ «القدس العربي»: تتنوع وسائل تهريب البشر، تلك المهنة الجديدة القديمة، والتي انتشرت بشكل واسع خلال العامين الفائتين وما زالت، الثورات العربية التي انطلقت في عدة دول كانت إغناء وإثراء لهذه المهنة، ليتوسع عمل المهربين وتجار البشر ولترتفع الأسعار التي يطالبون بها لنقل الأفراد أو الأسر من دولة إلى أخرى وصولاً إلى أوروبا، لاسيما عبر اليونان التي تعتبر بوابة اللاجئين إلى أوروبا، حيث يتكدس في عاصمتها أثينا مئات الآلاف من جنسيات عربية مختلفة، أبرزها الجنسية السورية.
قارب الـ «جيت بوت» قارب رياضي سريع، لم يتم تصنيعه أصلاً لهذه الغاية، بل صمم لهواة السرعة والرياضات البحرية، بدأ تجار البشر باستعماله مؤخراً لنقل اللاجئين بحراً من تركيا إلى اليونان حيث المسافة القصيرة التي تساعد على ذلك، فالزمن اللازم للعبور بين مدينة بودروم التركية وجزيرة كوس اليونانية لا يتجاوز ربع ساعة بواسطة هذا القارب المخيف، وعلى الرغم من قصر المسافة يعتبر من أخطر انواع القوارب المستخدمة لهذه الغاية.
لكن الخطورة الأكبر تتمثل في قيام المهربين باستخدام القارب المذكور لنقل اللاجئين بين اليونان وإيطاليا، حيث تستغرق رحلة القارب حوالي خمسة ساعات يسير خلالها بسرعة خيالية تجعله يقفز قفزاً فوق أمواج البحر، خمسة ساعات فقط يتجاوز القارب خلالها مسافة تحتاج السفن والعبارات الضخمة أكثر من 24 ساعة لعبورها.
وعلى الرغم من الأسعار المرتفعة التي يطلبها المهربون لقاء تلك الرحلة المحفوفة بالموت، إلا أن إقبال اللاجئين يتزايد باستمرار طرداً مع تزايد التضييق اليوناني على الرحلات الجوية من المطارات، إذ عمدت الحكومة اليونانية مؤخراً إلى تشديد الحراسة الأمنية على أبواب المطارات، وتشديد إجراءات «الكونترول» عند بوابات المطارات، حيث الخطوة الأخيرة التي يصبح الراكب داخل طائرته عندما يتجاوزها.
أبو مصباح أحد اللاجئين السوريين من محافظة درعا، حدث «القدس العربي» عن قدومه من الأردن إلى اليونان بغية الهجرة فقال: أتيت إلى هنا بعد أن قضيت أنا وزوجتي وأطفالي عامين في مخيم الزعتري بالأردن، وبعد أن فقدت الأمل بوجود حل للمسألة السورية، تركت الأطفال الثلاثة وأمهم في المخيم وسافرت لليونان برفقة ابنة أخي وطفليها، والتي سبقها زوجها إلى النروج منذ مدة، ولم يستطع للحظة إتمام معاملة لم الشمل فقرر أن يستقدم أسرته بشكل غير شرعي.
ويضيف شارحاً الاتفاق الذي أبرمه مع أحد المهربين قائلاً: «لقد أعطاني أحد الأصدقاء رقم هاتف لأحد المهربين وقال لي أنه موثوق وجيد، فاتصلت به وطلب ثلاثة آلاف وخمسمئة يورو لقاء كل فرد سيصعد في هذه الرحلة الخطيرة على متن الـ»جيت بوت» إلا أنه سيأخذ أجرة راكب واحد بالنسبة للطفلين، وسنذهب بحراً إلى إيطاليا ومن ثم نكمل بواسطة القطارات إلى النروج، وفي الحقيقة ليس أمامنا خيارات أخرى فالطائرة هدف شبه مستحيل بالنسبة لنا، والسفر براً متعب ولا يمكن للطفلين احتماله».
معظم مهربي ال «جيت بوت» يرفضون اصطحاب الأطفال في رحلات كهذه، فقد يقذف القارب الطفل إذا كان خفيف الوزن في البحر، نتيجة السرعة العالية وتعرض القارب للأمواج المرتفعة غالباً، إلا أن بعضهم، كالمهرب الذي سيصطحب أبا مصباح وابنة اخيه وأطفالها، يتجردون من إنسانيتهم ويوافقون على ذلك فالمال هو الأهم بالنسبة لهم من حياة أي شخص.
كما تتمثل الخطورة الأكبر بانقلاب القارب، والذي يحدث كثيراً حيث تسبب سابقاً بموت المئات من اللاجئين من جنسيات مختلفة، وانقلاب القارب غالباً ما يكون بسبب المطاردة من قبل خفر السواحل، إذ يزيد المهرب سرعة القارب إلى السرعة القصوى، حتى لا يتم القبض عليه، ولا يتعرض لأحكام قد تصل إلى خمسة وعشرين عاماً من السجن، ما يتسبب أحياناً بحوادث مـريعة.
تحدثنا إلى أبي مصباح وطلبنا منه الانطلاق براً بالأطفال وأمهم بدل المغامرة الخطيرة تلك، إلا انه أصر على متابعة ما اتفق عليه مع المهرب، وقال لنا: «لن يتحمل الأطفال كل تلك المسافة، فعبور مكدونيا يحتاج لأربعة أو خمسة أيام كلها مشياً على الأقدام، بالإضافة إلى أن مخاطر كثيرة قد تحدث، فمن الاعتقال من قبل البوليس المكدوني إلى قطاع الطرق الذين يظهرون فجأة ليأخذوا كل ما يملك اللاجئون من مال، حينها سيدمر كل ما حلمنا به، وفي النهاية لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا».
أصر بعض الأصدقاء الذين حضروا اللقاء على الرجل أن يلغي هذه الرحلة، وتمنوا منه إنقاذ الطفلين قبل أن يمرا بهذه التجربة المرعبة، بل أخبروه أنه يرتكب جريمة بحقهما، إلا أن الشاب الحوراني كان قد اتخذ قراره الحاسم، إما الوصول إلى أوروبا أو الموت.
القدس العربي