قالوا لي اذهب وبلّط البحر/ عارف حمزة
1
تُطاردني الكلماتُ
لكنّني لا أريدُ أن أكتبَ شيئاً
بدلاً عن ذلك أحملُ فأساً كلّ ليلة
وأذهبُ إلى الغابة الملاصقة لبيتي
أحفرُ وأحفر وتسقطُ دموعي داخلها
أوسع حفرة في العالم أنا الذي يحفرها.
2
لم آتِ قريباً لبحر الشمال لكي أكتبَ الشعر
أو لكي أنجب أطفالاً
أو حتى لكي آخذ وقتي في الندم.
قالوا لي: لا مكان لكَ هنا.
وقالوا لي: اذهب وبلّط البحر
فذهبت.
3
ضباب سميك ينتشر بين الأشجار.
الغابةُ تتنفّس. أقولُ لابني على الهاتف.
أعبرُ أنفاسَها كلاجئ مثلها
مُعطياً لعينيّ فرصة جيّدة للترطّب
ولقدميّ بهجة التعثّر
ولجسدي متعةَ السقوط على الركبتين.
4
ركضنا وركضنا
حتى أصبحنا خيولاً في بطن البحر.
5
تنظرينَ إلى باطن كفّكِ
فتتعرّقُ يدي البعيدة
وتنمحي
خطوطُ الحظّ.
6
أحبّ أن أقبّلَ داخل عينيك
ليس بياضهما
بل تلك الشعيرات الرقيقة من الدم
وهي تنقلُ هذا العالم القبيح
إلى أعماقك الجميلة.
هكذا بالضبط: أحبّ
أن أقبّل أعماقكِ.
7
تجلسين على الأرض كنبتة نبتت بين بلاطات الملجأ
ولا تنسين عاداتكِ القديمة:
كنتِ تجلسين في المطبخ مثل القدور التي تغلي
ثمّ تتذكّرينَ فجأة عملاً قاتلاً للوحدة: تفتحينَ الشبّاكَ
كي يعرفَ قلبُك طريق العودة إلى البيت.
لا توجد نوافذ في الملجأ
وقلبكِ ظلّ معك
لكنّكِ وحيدة
لكنّك وحيدة يا قلبي.
8
لماذا لا يُطلقون كلّ الطيور من أقفاصها
كل الحيوانات وكلّ البشر
ويضعونَ
بدلاً عنها
طائرات الميغ والـ إف 16؟
9
إذا كنتِ ستأتينَ يوماً
فلمَ العَجلة؟
دعيني أتعذّب جيّداً.
10
السترةُ الواقية من الرصاص
تقي من الحبّ أيضاً.
بينما الذين أنقذوا الأطفالَ من تحت الأنقاض
أنقذوا الأنقاضَ أيضاً.
11
أحلقُ ذقني وآخذ حمّاماً طويلاً
كالذين يستعدّون لسهرة طويلة طويلة
ثمّ أبقى كعادتي في البيت
إذ لا أحدَ لي في هذه البلاد.
12
كان عملي الوحيد
عندما كانوا يأخذون أصحابي إلى المعتقلات
أن أضعَ أثقالاً
لأرواحهم الخفيفة.
13
استلقى هذا القمر على صدري
بمجرّد أن فتحتُ الشبّاك.
لا ننظرُ في عينيّ بعضنا
هو يُفكّر في الوردة الخزفيّة التي تجفّ في صدري
وأنا أريدُ أن أنسى تلك المرأة الوحيدة
التي كانت تُمسك صورة الجنرال وتبصق عليه
بينما الجنود يرتعدون
وهم يدفنون عائلتها.
14
يدكِ في العتمة
تشبهُ
وجهكِ.
العينان مغلقتان الآن
لأنّ الشفاه
هي التي ترى.
15
كأنّها في ليل مستمرّ
تنظرُ في جيوش النمل المخدّر
وفي جدول الدم الذي تلعقهُ القطط.
صارت الشمس فكرة مُعتمة
وسوطاً غليظاً ينزلُ على ظهرها،
تغيّرت حياة زهرة عبّاد الشمس
باتَ رأسُها محنيّاً نحو الأرض
وكأنّها
عُميت.
16
حتى النسائم
كانت تحبسُ أنفاسَها
إذا اقتربَتْ من الحواجز.
17
أذهبُ إلى مبنى البريد
وأستلمْ أيامي
في طرود شاحبة.
18
أخذتني الأقدارُ إلى أماكنَ لا يعرفني فيها أحد
لا أعرفُ فيها أحداً.
لا أنظرُ في المرآة.
ذقني طالت
وعيوني صارت خضراء كما كانت تقول أمي.
البارحة نبّهني ألمانيّ عجوز
بأنّ اليد التي أمسكُ بها سيجارتي تنزف!
هكذا ببساطة
وكأنّه يعرف يدي.
ضفة ثالثة