قراءة في خطاب مرتبك
محمد الرميحي
مثل غيري أنصت للخطاب التلفزيوني الذي أطل به الرئيس بشار الأسد على المشاهدين، كما استمعت لعدد من التعليقات المحلية والدولية، ووصلت إليّ مجموعة من النتائج أرغب في أن أشارك القارئ فيها، وهي:
أولا: من الواضح أن الإعداد للقاء التلفزيوني كان مسرحيا، بمعنى أنه لم يكن تلقائيا بل أعد مسبقا وربما جرت عليه بروفة قبل أن يذاع، وإن أراد مخرجوه أن يرسلوا إلى المتلقي أنه تلقائي فقد فشلوا، والدليل أن الإجابات كانت معدة ليس بموضوعاتها ولكن أيضا بأرقامها، فكيف مثلا لرئيس دولة أن يتذكر، عفو الخاطر، عدد المساجد التي بنيت في الأعوام السابقة وعدد دور التثقيف الديني، كما أن السيدة التي طرحت الأسئلة، وفيها أسئلة غير تقليدية، كانت تطرح بثقة زائدة على الحد في مثل حضرة أشخاص مثل الرجل الذي أمامها، مما يؤكد من جديد العملية الممسرحة في الأسئلة والإجابات.
ثانيا: على الرغم من حديث الرئيس بشار أن المعارضة له لا تسمى معارضة لأنها تتكلم بأكثر من لسان (في التلفزيونات) وأنها متذبذبة. بدا التذبذب واضحا في تصنيفه لمعارضيه، ففي وقت يقول إنه يقبل المعارضة للتفاوض والحوار، وفي وقت آخر – في نفس الحوار التلفزيوني – ينحي جانبا عددا من قوى المعارضة التي لا يرضى أن يتحاور معها، منها من حمل السلاح، ومنها من تسلم أموالا، ومنها من روع المواطنين، ومنها من تعامل مع إسرائيل، ومنها من تعاون مع دول أجنبية! من بقي إذن للحوار غيره وأصحابه؟! فالتذبذب الذي اتهم به معارضيه نفذه أمام المشاهدين وقد نسي في آخر القول ما بدأ به.. إنها العودة إلى مفهوم «من أنتم؟!».
ثالثا: القول المكرر في الحوار، أن الغرب قد مول «المتطرفين وساعدهم» في أفغانستان ثم تحمل أفظع أوزارهم بعد ذلك. وتلك حقيقة، ولكن المقارنة هنا ليست ذات معنى، لأن الافتراض في الحديث أن هؤلاء المتطرفين – عندما ينجحون في الاستيلاء على السلطة في سوريا – يفترض الرئيس بشار أنهم سوف يقومون بمعاداة الغرب، وهو الذي يتحدث على كل منبر أنه معاد للغرب ومشروعه في الشرق الأوسط، فماذا يهم إن جاءت فرقة أخرى لمعاداة الغرب، فالنتيجة واحدة؟! هذا الأمر يحتمل احتمالين لا غير، إما أن معاداة الغرب و«الإمبريالية» في مذهب الرئيس بشار هي معاداة لفظية، وبالتالي فهو أفضل للغرب من القادمين المحتملين، وإما أن فكرة تخويف الغرب من المتشددين سوف تجعل هذا الغرب يصرف النظر عن سوءات حكم بشار، على أساس الاحتفاظ بالشر حتى لا يأتي أشر منه! وفي الحالتين تحليل له علاقة بمدرسة اندثرت إلا في عقول البعض.
رابعا: الحديث عن الأردن أنه يسمح لمقاتلين بعبور حدوده، وهو القادر على منع شخص واحد من حمل السلاح تجاه الحدود الإسرائيلية، وهذا أمر يذكر المشاهد الذكي بالجولان الصامتة في عهد ما قبل الرئيس وفي عهده، فبالمثل على الأقل، إن كان النظام السوري قادرا على إطباق الصمت على جبهة الجولان الطويلة، فلم لا يستطيع أن يفعل ذلك على الحدود الأردنية – السورية التي هي أقل عنوة وأهون من جبهة الجولان؟! ونسي أن في الأردن مظاهر مانعة تجعله أقل عرضة لما يتعرض له الوطن السوري، وهي وسائل كانت متاحة للنظام في سوريا لولا الإيمان المطلق بالدولة الشرسة والحلول الأمنية التي تحكمت في مدرسة دمشق السياسية منذ عقود.
خامسا: الحديث على أن فكرة السماح لـ«قناة تلفزيونية دينية سورية» كان مخططا لها منذ عام 2008 وأن المدارس الدينية مخطط لها منذ ذلك الوقت، حديث يقلق العاقل، لأنها «ثيمة» يعود إليها الرئيس بشار أكثر من مرة في أحاديثه المتكررة، والقول دائما إننا نخطط للإصلاح منذ زمن ولكن الظروف لم تكن مواتية، قيل لك في الخطب والمقابلات التي أجراها خلال العامين السابقين ويريد أن يفهم العاقل عنوة أن الخطط موضوعة ولكن تنفيذها تأخر بالصدفة! إذا كان المتحدث كما يقول المثل العربي مجنونا فالمتلقي عاقل.
سادسا: الإشارة إلى أن مستقبل الحكم في سوريا يمكن أن يكون رأسيا أو برلمانيا، وهي إشارة إلى إمكانية بقاء النظام والتغيير الشكلي، ولكنها أيضا تنبئ عن تغير في المكان يخص الرئيس ذاته أو على الأقل خيار مر يمكن أن يتجرعه إن قبلت المعارضة بكل شروطه الأخرى، فهو قد يتنازل عن كونه رئيسا صاحب سلطة إلى رئيس مشارك في السلطة! فإن كان هذا التلميح للتنازل البسيط – بعد سنتين من القتل والدمار وقلب المدن والأرياف السورية على رأسها وإشعال الحرائق فيها، يتم هذا التنازل! – فمتى يمكن أن يحدث تنازل أهم وأكثر عمقا؟! هل بعد أن تحرق سوريا عن بكرة أبيها؟! الإشكالية هنا أن الكثيرين لديهم خطط للوصول إلى الحكم، ولكن نادرا ما يكون لهم حتى تفكير في كيفية الخروج الآمن!
سابعا: لم يلتفت بشار الأسد إلى كل هؤلاء المشردين من الشعب السوري في تركيا ولبنان والأردن وغيرها، حيث بلغ الرقم المعروف منهم حتى الآن أكثر من مليون رجل وامرأة وطفل، كما لم يتبين الأرقام التي أعلنها نظامه من تخفيف «الإعدام» إلى مؤبد، وتخفيف المؤبد إلى عشرين عاما في السجن! وهي المنحة التي تكرم بها الرئيس بشار عشية ذكرى الاستقلال على المحكومين ولكن تأتي بعدها شروط، فهي لا تشمل الأحكام التي قررت على من حمل السلاح! ولم يتوقف الرئيس على الحقيقة، وهي أن كل تلك الأرقام لها تفسير سياسي يعرفه حتى المبتدئون، اسمه تأكل الشرعية!
الأمر محير حقيقة، فأمام ما فعله زين العابدين بن علي في تونس، وما فعله مبارك في مصر، وحتى علي صالح في اليمن، نجد أن شخصا اختصر كل الدولة السورية في شخصه، ولم يتردد الحواريون من حوله – خوفا أو زلفى – أن يقول بعضهم إذا ذهب الأسد ذهبت سوريا! إلا أن الفكرة النهائية هي محاولة الإجابة عن سؤال هو: هل هذه المقابلة التلفزيونية المرتبة شكلا وموضوعا هي مظهر قوة للرئيس بشار أو هي مظهر ضعف وخوار؟! لا شك لدي أن المحيطين المتبقين حول الرئيس قد يسرون إليه بعبارات التبجيل.. كم هذه المقابلة رائعة ومقنعة! والحقيقة التي عليه أن يسمعها أنها مقابلة خاسر لا منتصر!
آخر الكلام:
الكتابات العربية حول حادثة بوسطن كانت كثيفة تدين الحدث، ولكن معاناة العرب من الإرهاب أكبر وأعمق، إلا أن الكتابات تلك أظهرت فكرة عميقة قد لا يعترف بها البعض.. أن الواحد الأميركي بألف من الآخرين الذين تتناثر شظاياهم في مدننا العربية! ويا له من اعتراف مبطن!
الشرق الأوسط