قرابات/ عناية جابر
عندما تصطدم النخبة العربية المتغربنة، يسارها ويمينها سواء بسواء، بواقعها الاجتماعي القرابي الذي لم تكن تملك ادوات فهمه بالأصل، عندما تكتشف النخبة اجتماع القرابات الرحمية والدينية، الطوائف والقبائل والعشائر… تكتشف معه، وفي الوقت نفسه تقريباً، أنه لم يبق لها حتى مكان في الجغرافيا تدعس عليه، حتى في قراها وبلداتها. فالقرابات تحتل الاجتماع كله ولا تترك مكاناً فيه للحيز العام، يا معنا يا ضدنا. القرابة مجتمع كامل في الداخل، ولها تحالفات إقليمية ودولية أيضاً في الخارج. لا “شعب” في هكذا مجتمعات ولا “نظام” بل عصبيات تتغالب.
في هذا السياق يمكن ربما وضع خطوة بعض الاخوان السوريين الذين اختاروا النفي الإرادي بعد أن اكتشفوا أنه حتى في بلدتهم لم يعد لهم رئة للتنفس. لقد اكتشفت النخب اللبنانية ذلك أيضاً، في لبنان، في 1977 . واختارت هي ايضاً قرار النفي “الاختياري” ، بعد أن استوعبت أنها لم تكن غير ورقة تستخدمها الجماعات القرابية اللبنانية والفلسطينية خصوصاً في لعبة الغلبة خاصتها. طبعا في الجانب اللبناني الداخلي من الصراع.
ولقد كتبنا في بداية المغالبة السورية محذرين أترابنا هناك من الخوض فيها من زاوية التغيير الديموقراطي. لكن بعض العرب آذانهم غير صاغية. لا يتعلمون ولا يراكمون. كل يبدأ من جديد والكل يريد ان يخترع العلم وحده ومن الصفر.
المهم الاستنتاج والخلاصات.
ما العمل اليوم ما دام التغيير الداخلي غير ممكن بهذه الطريقة. هل نستنتج ان المجتمعات العربية مقفلة لا نفاذ لها؟
ماذا لو كنا قد قرأنا مشكلاتنا والتحديات التاريخية بشكل مقلوب؟
ماذا لو أعدنا قراءة المشكلة منذ الدخول الاستعماري على بلادنا؟
ماذا لو كنا لا نزال في مرحلة التحرر الوطني التي تشكل هي المهمة الاساس وباب الأمل، لتوحيد ما لا يوحد، وبناء الدولة التي لا تريد ان تولد؟
المجتمعات تطرح على نفسها، عادة، المهمات التاريخية التي تستطيع حلّها لا المهمات المستحيلة ولا الانتحارية منها. من هنا فإن طرح مهمات التغيير الديموقراطي في ظل مجتمعات نسيجها الاجتماعي مفكك وغير مندمج لم يكن خطأ تاريخيا فحسب بل كان، أغلب الظن، استجابة لمصالح الخارج الذي يستطيع وحده، في هذه الحالة، ان يدير دولا كسيحة وفاشلة وعصبيات متقاتلة ضعيفة كلها. هو الوحيد القادر في هذه الحالة التابعة على ادارة اللعبة إلا إذا واجه وزنا مثله على الصعيد الدولي لا الداخلي.
بعد عامين ونيف على ما سمي ربيعاً عربياً قيل بأنه يمثل طموحات الشعوب العربية في الكرامة والحرية والعصرنة، هل يمكننا القول اليوم إننا بتنا أقرب الى هذه العصرنة؟ هل قربّنا من التغييرات الداخلية المرغوبة؟ أم صار الرهان بين أن نكون من نصيب دول البريكس ام من نصيب الامبراطورية الأميركية المتهالكة التي تحارب فينا لمجابهة التنين الصاعد في العالم؟