قصائد حلمنا بها ولم نكتبها/ ايمان مرسال
«في سنة 2000 لن نحتاج إلى مطابخَ في البيوت، ولن تسأل زوجةٌ زوجها عمّا يريده على العشاء، وسيكون بوسْعنا أن نأخذ حبّة واحدة في اليوم وفيها كلّ ما يحتاجه جسمنا مِن غذاء»، سمعتُ تلك «النبوءة» العجيبة وأنا طفلة في السبعينيّات عبر أثير الإذاعة المصريةّ. كانت مجرّد واحدة من المُعجزات التي من المُفترض أن تحدث في العام ألفيْن البعيد حينها.
في 2014، ما زالت هناك مطابخ في البيوت، بل وأكْلات تقليديّة تُشعرنا أكثر من غيرها بأمانٍ قديم في الذاكرة. ما زال هناك أيضاً من لا يجدون طعاماً ولا حبّة سحريّة!
قالت أوكسيليو لاكوتور في رواية «تعويذة» لألبيرتو بولانيو إنّ «الشّعر لن يختفي وقلّة حيلته ستتبدّى بطريقةٍ أخرى». أنا أيضاً أظن أنّ الشّعر لن يختفي وأنه بعد خمسين أو خمسمئة سنة، سيكون هناك شخصٌ ما على الأقلّ يواجه الأرق في غرفة نومه بقراءة قصيدة يحبّها. سيمرّر عجوزٌ الانتظار على مقعدٍ في قطار وهو يهمس بسطورٍ تُذكّره بأيّامه الماضية. ستجلس شابّة يوم عُطلتها من العمل في مقهى بمدينة ما، وبعد أن تتفرّج على الناس لبرهة ستُخرج شيئاً من حقيبتها، كتاباً أو جهازاً لا نعرف اسمه، وتقرأ قصيدة ما، قصيدة ما تستحقّ القراءة في المستقبل، بالرغم من كل التحوّلات التي لا بد من أنها ستكون قد حدثت في العالم.
لن يختفي الشّعر ما دام هناك بشرٌ، ربما ستكون قلّة حيلته وهامشيّته مِن أسباب بقائه، فهو لن يحتاج إلى احتفالات ولا مؤسسات ولا جوائز ولا صفحات ثقافيّة ليبقى، كُلّ ما يحتاج إليه الشّعر أن يظلّ البشر في حاجة إليه من دون تبريرات عظيمة لأهميّته.
يردّد الشعراء المحبطون عادةً – ليس المحبطون بالضبط ولكن من ينتظرون اعترافاً بهم مِن الآخرين ـ أن التاريخ لا بدّ سيفرز الجيّد من القبيح، وأنه سيكتشفهم ويُنصفهم لا محالة. أتمنّى أن يقتنع الشعراء بعد أربعين سنة أن الكتابة في حدّ ذاتها هي المكافأة.
أتوقّع أن يكتب الشعراء المقبلون القصائد التي حلُمنا بها، لكننا لم نفلح في كتابتها، وأن يكتشفوا الشّعر في أماكن لم تخطر ببال الشعراء الموتى. نحن الشعراء الموتى لن نكون هنا لنختبر صحّة توقعاتنا.
إيمان مرسال (شاعرة مصرية)
السفير