قطر تبسط عباءتها على الشام
محمد الدليمي
تحدث أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني قبل إيام الى فضائية الجزيرة من باريس عن مجريات الأحداث في سورية قائلا : ان الشعب السوري غير قادر على العودة الى الخلف في تأكيد منه بأن الحوار بين الشعب السوري وحكومته صار من الماضي وان الحل ربما في الخيار الليبي بكل ما يحمله من تفاصيل مؤلمة. وانا اتابع حديث الأمير عن الثورات العربية بدا لي انه ملما بقوانين الثورات وصيرورتها عندما ذكر ان الثورات في التأريخ لا بد أن تمر في مخاض حتى تكتمل ولذا فنحن بحاجة الى سنوات.
على أية حال أستذكرت ما سمعته في سورية بأن سمو الأمير كان معجبا بالشام وتذوق طعم البوضة الشامية من بكداش في الحميدية وتنسم هواءها العليل وبلغت صداقته وحرمه الشيخة موزة مع الرئيس بشار وعقيلته السيدة أسماء الى درجة أن ابلغ مضيفيه بقراره ان يقسم سنته الميلادية الى نصفين نصف يمضيه في الدوحة والنصف الآخر في ربوع الشام ولهذه الغاية تلطف الرئيس السوري على ضيفه العربي فمنح له ثلاثة جبال تطل على دمشق من جهة ومن جهة آخرى تطل على طريق بلودان بيروت واقام الرجل ثلاثة قصور جميلة على هذه الجبال الشامخة يستطيع زائر دمشق ان يلحظها عندما يتوجه الى الزبداني وخصص قصرا له والثاني لوزير خارجيته حمد بن جبر والثالث لكرم الوفادة والصداقه قدمه هدية للرئيس بشار.
كل هذا يوضح عمق العلاقة وحميميتها بين الرجلين قبل ان تفرق بينهما مسالك السياسة الوعرة وتقاطعات النفوذ. صحيح ان الثابت الوحيد في السياسة كما يقال انها متغيرة لكن تظل للعشرة بين الناس حقوق في رقاب اصحابها وكما يقول المثل الشعبي العراقي ان الله يحاسب على عشرة ساعة او يوم؟؟ بعيدا عن العواطف.. في سورية أزمة يعترف بها أهل الحكم والناس فهناك فساد واستغلال نفوذ وسجون واجهزة أمن متغولة ومتوحشة وايضا اختلال في توازن السياسة الخارجية سيما في اندفاع غير واقعي نحو إيران وحزب الله مما أوغر صدور اغلبية سنية لا تجد لها موضعا في إيران وسياساتها لكن في المقابل هناك استقرار وهناك نمو معقول ودولة غير مدينة ومجتمع مدني ونموذج جميل للتعايش بين السوريين ومواقف عربية للقيادة السورية تتسم بقدرا من الشهامة والعروبة وهناك رغبة ووعود في الأصلاح قد تأخرت والى شهور قريبة كلما نسأل أصدقائنا السوريين ممن نثق بهم عن الحال والأحوال يجيبون ان الرئيس بشار جيد لكن حفنة من المسؤولين ممن حوله يسرفون في الاستغلال والتجاوز وهذا مفهوم ونحن نشد على يد كل ابناء سورية ممن خرجو فيما صار يسمى الربيع العربي للمطالبة في الأصلاح الا ان الأصلاح لا بد ان يتم في مناخ من الهدوء والسكينه فالحوار هو البديل الحضاري للمتخاصمين والأعداء المتحاربين فكيف لا يجب ان يكون طريقا للتفاهم بين تيارات الشعب الواحد للوصول الى رؤى وبرامج لا يفنى بها العنب ولا يقتل الناطور.
ثم ان نظرة موضوعية ومتفحصة بعيدا عن الانفعال اي وسائل التغيير نختار حتى نحذو حذوه النموذج التونسي الذي تعطلت به عجلة الأنتاج والسياحة والتصدير ام الفوضى في مصر المحروسة ام الحرب الأهلية في ليبيا او ما يحصل من شلل تام في يمن الأيمان والقبائل والجيوش المتناحرة.
امام كل هذه السيناريوهات المرعبة وشعارات غير منطقية ترفع تطالب بأعدام الرئيس او رحيله لست ادري الى اين يرحل الرئيس اليس هذه بلاده ووطنه هل هذه هي الديمقراطية وحقوق الإنسان..اما يحق للرئيس بشار الاسد كأنسان وبشر قبلما ان يكون رئيساً ان يخشى على نفسه وأسرته مثلما يخاف على سورية البلد والوطن المهدد بالفوضى والضياع.. لا احدا يرضى عن مسلسل القتل والدم فالجميع هم ابناء شعب سورية الأصيل العربي والعزيز على أمته لكن يا أهلنا في سورية اتقوا الله الى اين انتم ذاهبون؟ لا تضيعو بلدكم في معمعة الصراعات وخلف لهاث معارضين في الخارج فيهم شرفاء كثر وبعض منهم لا تغيب عن ذاكرتنا حينما نشاهدهم على الشاشة صورة المعارضة العراقية الذين تكشفت وجوههم في الحكم عن قطعان من اللصوص والقتلة كما ان الذين يبحثون من خارج سورية من دول وكيانات عن ادوار لا تتناسب وحجومهم عبر ابواق وشاشات صارت ممجوجة وطرفا في التحريض على الفتنة والتدمير لا يضمرون لكم خيرا والا لماذا يقول المصري الغلبان لزائره ( هي مصر رايحة على فين ) ورئيسها يحمل على نقالة نصف ميت في منظر يبعث على الشفقة وقسوة قلوب هذه الشعوب العربية التي لا ترحم.
ورئيس عربي شقيق احترق كل جسده واحرق معه كل وطنه وزعيم آخر يلهث طريدا في بلده وحلف الناتو وشركاؤه يحسبون تكاليف وعوائد النفط والغاز في بلد عمر المختار وقد سلموا مفاتيحه بالكامل الى قوى متطرفة واضحة المعالم لا تنتظر غير فرصة إعلان إمارة ليبيا الطالبانية.
انها لحظات رعب حقيقية بحاجة الى أعمال العقل في وقت الجنون. وكما قال لي صديق غير عربي أنكم بما تقومون به في عالمكم العربي سوف لن تجدو رئيسا عاقلا يقبل ان يحكمكم؟؟ الأصلاح هدف منشود وملح جدا وقوانين الثورات في التأريخ لا تنطبق على ما يجري فمن يتصدر مشهد الحكم في مصر هم رجال مبارك وفي ليبيا هم وزراء القذافي وتونس يتحكم في ثورة شباب البوعزيزي رجلا بلغ من العمر عتياً ينتمي الى مرحلة بورقيبة كما ان فرسان التغيير في ساحات اليمن هم ممن تنعمو بمنافع النظام لثلاثة عقود من بيت الأحمر وشركاؤهم.
اما الأخوة في قطر فعليهم الأسترخاء في جزيرة يونانية ينعمون بقضاء اجازتهم بعيدا عن كوابيس الخوف من فشل ثورات العرب وانتفاضاتهم ليراجعوا ويتراجعو عما هم عازمون عليه من مشاريع مسلسل التدمير والموت وأنتاج الدول الفاشلة والمعاقة في خريف العرب الدامي وهم قادرون ان ينعمون بعيش رغيد حباهم الله به افضل بكثير من هناء ورغد سلطان بروناي؟؟. فالفتنة أشد من القتل وهدم بيت الله أهون من التحريض على قتل النفس التي حرم الله.. والعودة الى لغة العقل والأصلاح والصلح خير.
وأمة العرب ودولها مدعوة للقاء عاجل لمناقشة هذه الكارثة العبثية والتي أمسكت بتلابيب الأمة وسوف لن تدعها قبل أن يتداركها العقلاء. انها مصيبة خير أمة أخرجت للناس وعلى ما تبقى من قادتها ورجالها ومفكريها تدارس الأمر قبل ان نخسر كل شئ ونبقى نتحسر على ماض كان اصلاحه ممكنا بأيادي عمرو لا بأيادي ساركو وهيغ وجورج.
الا في أمتي من رجل رشيد؟؟.