صفحات سورية

قمة بغداد.. مرونة المالكي وضغوط الثورات!

محمد رشيد
بشروط متوافق عليها مسبقا ستعقد أخيرا قمة بغداد العربية المؤجلة منذ عام، وتبدو الأطراف المعنية مطمئنة إلى نجاحها في استبعاد شبح انهيار القمة تحت وطأة ضغوط الملفين السوري والإيراني اللذين يبدوان للناظر كملف واحد، لكن واقع الحال يؤكد ان حذر العرب من ايران يتخطى حدود الأزمة السورية الى امن واستقرار المنطقة والحد من سعي طهران لنفوذ متنامي لها ومن اعتراف وقبول عربي بذلك النفوذ.
فلقد نجح العرب حتى الآن في صياغة بعض توجهات وقرارات القمة قبل انعقادها، وخاصة في الشأن السوري، وساعدت مرونة حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في تحقيق ذلك من اجل تامين انعقاد القمة في العاصمة العراقية وبغض النظر عن مستوى التمثيل للدول، فالمكان والزمان لا يقلان أهمية عن النتائج السياسية بنظر القيادة العراقية، بل إن فيهما نتائج هامة للعراق بعد استعادته لشرعيته الدستورية.
ومهما اعتقد البعض او شكك في دواعي ودوافع المرونة العراقية فإن الرئيس المالكي يرغب في وضع العراق على مسار استعادة دوره العربي، طبعا دون الإخلال بالعلاقات العراقية الإيرانية المميزة ودون التقليل من قدرة العراق في لعب دور “جسر” الحوار والتفاهم العربي الايراني في قابل الايام، لكن تلك الرغبة عليها ان تتخطى اولا جبال الشكوك الشاهقة بين الطرفين العربي والايراني، وتلك معادلة صعبة للغاية ليس هناك ما يؤكد قدرة العراق بوضعه الراهن على صياغتها.
لكن العرب يواجهون أيضاً ضغوطا مضاعفة ومتنوعة على استقلالية قرارهم السياسي، فإيران ليست وحدها من تعمل ليل نهار على انتهاك تلك الرغبة وقدراتها “الهشة”، بل ان الطوق غير العربي المباشر مثل تركيا واسرائيل واوروبا، وذلك الغير المباشر مثل الولايات المتحدة، كلها اطراف قوية ترغب وتعمل على التمكن من التأثير الفعال في قرارات القمة العربية، وهناك أيضاً تنامي الرغبة الروسية المستجدة في التأثير والتدخل، وتلك هواية مستحدثة لدى موسكو تتحرك الدبلوماسية الروسية بنشاط محموم لبلورتها وتأكيدها، وذاك أيضاً تحدي ملموس على طاولة القمة العربية، يؤسس لمعادلة اخرى.
ومن المستبعد تماماً ان يختلف العرب حول القضية “الكبرى” فلسطين، او على اي من قضايا العرب الكبرى ، فتلك معادلة سهلة والعرب ليسوا في وارد خلافات على امور ” ثانوية ” حتى ان كانت القضايا كبرى!، و يستطيع الفلسطينيون ان يطمئنوا الى حصتهم من البيان الختامي، كما بإمكانهم الاطمئنان الى صدور قرارات دعم مالي يترك للدول لاحقا حرية تنفيذيها سواء كان ذلك ثنائيا او من خلال صناديق قومية، كما سيترك لهم ايضا حرية عدم التنفيذ!
لكن مفهوم منظومة العمل العربي من دور وقواعد عمل المؤسسات القومية هو اصعب واهم المعادلات التي تواجه القمة العربية، فالجامعة العربية تشبه في نظر الشعوب العربية مخلوق هجين و بشع يعود الى ما قبل مرحلة استقلال الدولة الوطنية العربية الحديثة ، وليست هناك أية قدرات خرافية قادرة على إصلاحها، وهي في وضعها الراهن تشكل ضررا خطيرا على مستقبل العمل العربي في ظل الاندفاع غير المسبوق للشعوب العربية نحو الانعتاق والحرية والكرامة والعيش الكريم، والأزمة السورية خير مثال لفداحة ضرر الجامعة العربية احيانا.
لقد وجهت الثورات العربية ضربات موجعة و متلاحقة الى المنظومة القائمة حتى كادت الجامعة العربية ان تنهار تحت وطأتها، وانعقاد قمة بغداد لا يعني في أية صورة من الصور زوال ذلك الخطر، فان كان صحيح ان العرب او بعض دولهم المحورية “مصر وسوريا” قد دخلت عصرا جديدا، والجامعة نشطت ازاء احداث بعضها مثل ليبيا وسوريا، فانه صحيح أيضاً غيابها التام عن احداث دول اخرى مثل اليمن و البحرين، مما يعني انعدام “المعيار الموحد” وارتباط التدخل او عدم التدخل بتوازنات القوى والتأثير داخل الجامعة العربية.
والاكيد ان عرب قمة بغداد المنتظرة لا يرغبون في “وجع” راس إضافي، لكن اعادة تعريف الجامعة ودورها ومسؤولياتها ونفوذها كمؤسسة قومية يرتبط بصورة لا فكاك فيها عن اهمية تفجير ثورة إصلاحية لإعادة إطلاق الجامعة على أسس عصرية جديدة او الاستغناء عن خدماتها لصالح منظومة او منظومات مختلفة تماماً.
وربما كان لدى العراق “الدولة المضيفة” فرصة تحقيق سبق غير تقليدي باقتراح مخارج او مقترحات لهذا الملف الحساس ، و ان يأخذ العراق رئاسة القمة الحالية مرفوقا بتكليف عربي لإعداد ما يلزم لإطلاق الجامعة من جديد، وتقديم ورقة عمل متكاملة حول ذلك الى قمة نصف سنوية يدعى لها القادة و تعقد في اي مكان، تتضمن مقترحات لمرحلة اولى تأسيسية تبتعد عن المغالاة ولا تضع قيودا على حرية الدول الاعضاء في المفاصل الحساسة من سياسات خارجية و دفاعية واقتصادية.
ولتأسيس معادلة جديدة تثور هذه المؤسسة القومية، وتنقذ العمل الجماعي من الانهيار او السقوط في براثن الاستقطاب و الاستعمال، لا بد من التوصل على الاقل الى قواعد قانونية و أخلاقية لعضوية الجامعة حتى وان أدى الامر الى إقصاء او خروج بعض اعضاء الجامعة في حال رفض هذه الدولة او تلك القواعد والشروط او رفضت الانتقال الى قوائم التأهيل، والاكتفاء في المرحلة الاولى ببناء شرعية الكيان على اساس شرعية حكومات اعضائها.
ففي ظل الوضع الراهن تضم الجامعة العربية في عضويتها حكومات دول منتخبة و شرعية واخرى ملكية مع الكثير او القليل من الشرعية وثالثة حكومات تغتصب السلطة ورابعة اغتصبت السلطة ثم رسمت نفسها بانتخابات نظيفة او مزورة، وخامسة تمدد لنفسها او يمدد لها كما شاءت او شاء لها الغير، فهذا التنوع الهلامي لا يمكن له الا ان يكون مصدر ضعف خطير في جسم العمل المشترك، ولابد من التوافق على اعتبار شرعية حكومة اي عضو شرطا رئيسيا لممارسة حق العضوية.
واذا كان ذلك حجر الأساس الاول، فان الثاني مرتبط بشكل كامل به، بل هو التوأم المباشر، اذ لابد لأي عضو إنجاز التشريعات والقوانين الحاكمة والضامنة للحريات الاساسية المدنية والسياسية الفردية والجماعية، والاتفاق على الية حماية ذلك ومراقبة مدى التزام الدول والحكومات به والتوافق على اصدار تقرير سنوي يتمتع بالمصداقية عن مدى تطور او تراجع الالتزام، ويعكس أيضاً الانتهاكات التي ترتكب، ووضع نظام عقوبات محدد لذلك.
وفي ظل توفر الشرطين الاول والثاني يصبح ممكنا، بل وضروريا للغاية وضع قانون عربي استرشادي للدول الاعضاء في كيفية التعامل مع الارهاب ومع كل اشكال العنف السياسي، سواء كان من الحكومات او الجماعات او الافراد، شريطة دون المساس بحقوق الأقليات القومية والعرقية والروحية و نضالها من اجل انتزاع حقوقها المشروعة تحت أية حجة او ذريعة.
ان فشل العرب في ذلك فلا خير فيهم ولا خير في قمتهم لشعوبهم، بل ان ذلك يعني نجاحا وانتصارا على شعوبهم المنتفضة لمستقبل افضل، حتى ان كان مستقبلا من غير الجامعة العربية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى