كاتبات عربيات يجهضن عملا “تطبيعيا”
أبوظبي ـ سكاي نيوز عربية
نجحت مجموعة من الكاتبات العربيات البارزات في إحباط مشروع أنطولوجيا أدبية تضم قصصاً من الشرق الأوسط مترجمة إلى اللغة الإنجليزية.
ففي معركة أدبية “نبيلة” شملت عدة دول عربية وغربية، تمكنت هؤلاء المبدعات، اللاتي يشكّلن ثقلاً في المشهد السردي القصصي والروائي العربي، في فضح أنطولوجيا تضم قصصاً لنحو 30 كاتبة من “الشرق الأوسط”، يعتزم مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لجامعة تكساس الأميركية إصدارها في الخريف المقبل.
بدأت الحملة، التي تُعدّ أول جهد ثقافي عربي تضامني من نوعه، حين تلقت الروائية والكاتبة الفلسطينية حزامة حبايب رسالة من المحررة المشرفة على الأنطولوجيا “تزفّ” فيها خبر قرب صدور الكتاب الذي يحمل عنوان: “ذكرى وعد: قصص قصيرة لنساء من الشرق الأوسط”، مع تدشين مدونة إلكترونية بمناسبة المشروع، الذي يأتي تكريماً للباحثة والسينمائية الأميركية الراحلة إليزابيث فيرنيا، التي عُرفت بكتاباتها وأعمالها الاستثنائية والمميزة التي دافعت من خلالها عن هموم الشرق الأوسط، ومواقفها الإنسانية المتوازنة إزاء قضايا المنطقة.
عندما تصفحت حبايب المدونة، وجدت أن العمل “المرتقب” يضمّ نحو 30 كاتبة، 15 منهن من العالم العربي، بالإضافة إلى كاتبات من إيران وتركيا وأفغانستان. لكن المفاجأة تمثلت بوجود كاتبتين “إسرائيليتين”، هما يهوديت هندل وأورلي- كاستل بلوم، من منطلق أنهما “تتقاسمان ذات القضايا والمخاوف والهموم والآلام مع الكاتبات العربيات” كما حاول القائمون على الأنطولوجيا تبرير إقحامهما في العمل.
على الإثر، أرسلت حزامة حبايب إلى المحررة المشرفة على الأنطولوجيا رسالة احتجاج صريحة على وجود الكاتبتين “الإسرائيليتين” في الكتاب، معلنة انسحابها من المشروع، رافضة أن تتقاسم صوتها ومعاناتها مع كاتبتين تشكلان “رمزاً لدولة احتلال، مسؤولة عن عذابات ملايين الفلسطينيين”. فعمد مركز دراسات الشرق الأوسط على سحب قصة حبايب التي تحمل عنوان “حبل سرّي” على الفور، ودون جدال، من المدونة والكتاب.
لكن حبايب لم تشأ أن تتوقف عند هذا الموضوع، فبدأت حملة منظمة اتصلت خلالها بعدد من زميلاتها العربيات المُدرجة أعمالهن القصصية في المشروع “الفخ”، كما وصفته، لافتعال واقع سلمي أو تآلفي غير موجود بين الكاتبات العربيات و”نظيراتهن الإسرائيليات”!
كانت البداية مع الروائية والناقدة المصرية المعروفة رضوى عاشور، التي تفاجأت بالأمر، فلم تتردد في إرسال احتجاج شديد اللهجة إلى المحررة القائمة على المشروع تهدد بسحب قصتها في حال الإصرار على إبقاء “الإسرائيليتين”، وذلك في سياق المقاطعة الأدبية والثقافية والأكاديمية لإسرائيل، مؤكدةً بأنّ هذه المقاطعة تشكل موقفاً أخلاقيا وسياسياً.
كذلك، وجهت عاشور رسالة قاسية لاحقة إلى القائمين على المشروع، بعد تلمحيهم بأن موقف الكاتبات العربيات المنسحبات ينطلق من “تمييز ديني وعرقي”، مؤكدة أن الحقيقة هي العكس تماماً؛ ذلك أن الحكومات الإسرائيلية هي التي “تتبنى سياسات عنصرية، وتمييز ديني، إلى جانب مواصلتها ارتكاب المجازر وعمليات القتل الممنهجة بحق الفلسطينيين”، كما ذكرت عاشور.
ثم انتقلت الحملة من مصر إلى بريطانيا والمغرب، حيث حرصت حبايب على الاتصال بكل من الكاتبة العراقية هيفاء زنكنة، المقيمة في لندن، وهي ناشطة في الحملة الأوروبية الثقافية والأكاديمية لمقاطعة إسرائيل، كما اتصلت بالكاتبة البارزة ليلى أبو زيد، في المغرب، التي رفضت المساومة في الموضوع، فبادرت كلا الكاتبتين بإعلان انسحابهما من المشروع في حال ظل مركز الدراسات الأميركي على تعنّته في فرض الكاتبتين الإسرائيليتين.
وفي رسالتها إلى محررة الأنطولوجيا، لفتت أبو زيد إلى أن إقحام الكاتبتين الإسرائيليتين من شأنه الإيحاء بأن إسرائيل “مجرد دولة أخرى في الشرق الأوسط – وليست قوة استعمارية – وأنها تعيش مع الفلسطينيين والعرب بسلام ووئام، في الوقت الذي يعاني فيه ملايين الفلسطينيين تحت الحصار، وفي السجون ومخيمات اللجوء.”
من جانبها أشارت زنكنة في رسالتها إلى محررة الأنطولوجيا إلى الجرح النازف في الشرق الأوسط والمتمثل في “الظلم الواقع على الفلسطينيين، الذين تم إنكار حقهم في العودة إلى وطنهم”.
إلى ذلك، شكلت حبايب وعاشور وزنكنة وأبو زيد، ما يشبه “غرفة عمليات”، عبر الاتصال والتواصل مع أكبر عدد من المعارف والأصدقاء، من أدباء وصحفيين ومترجمين ونشطاء ونقّاد وأكاديميين وأساتذة عرب وأجانب موزعين في عدد من دول العالم، وذلك في حملة “محمومة” لبلوغ عناوين الكاتبات العربيات المشاركات، لإطلاعهن على حقيقة الأنطولوجيا، التي تقدم أدب “الشرق الأوسط” بالمفهوم الأميركي الذي يفتقد إلى أي شكل من أشكال الحساسية والفهم الإنساني للقضية التي وصفتها حزامة حبايب في رسالة ثانية للمحررة الأميركية، التي أبدت تعنتاً وإصراراً على عدم تفهّم رغبات الكاتبات العربيات بالانسحاب، بأنه “حين يتعلق الأمر بفلسطين، القضية الأكثر عدالة في التاريخ المعاصر، ثقي: نحن كلنا فلسطينيون!”
حتى اللحظة، تقاطرت رسائل الانسحاب من عدد كبير من الكاتبات العربيات. وفي حال انسحبت معظمهن، وعددهن 15، سيتم إلغاء المشروع ككل، كما أعلن مركز دراسات الشرق الأوسط مؤخراً.
وحتى في حال صدر الكتاب ناقصاً، على إثر انسحاب كاتبات لهن بصمتهن البيّنة في المشهد السردي النسوي العربي، فسوف يكون مشروعا مسخاً أو مشوهاً، يعكس أي شيء إلا أدب “الشرق الأوسط” الحقيقي والإنساني.
خلال الأيام القليلة الماضية، نجحت هؤلاء الكاتبات في تقديم درس قد يكون الأجمل والأبلغ من نوعه في الجهد الثقافي المشترك، رافعات منسوب الأمل في وطننا العربي، مبرهنات أن المثقف العضوي صاحب كلمة مؤثرة وصوت قادر على أن يقول كلمته أينما كانت الجغرافيا التي تحتضنه.