مراجعات كتب

كتاب «الهابيتوس العربي» لغسان الخالد: جدل القيم والمفاهيم

 

 

قصي الحسين

في كتابه: المعرفة والسلطة في المجتمع العربي (ص63)، يقول أحمد صبور إن «الهابيتوس» بشكل عام، عبارة «عن بنية تقوم بتنظيم أشكال من الممارسات والتمثلات وتعميمها». وهو برأيه نتاج الظروف الحياتية النابعة من مواقع الغير وظروفه الخاصة. ويستشهد برأي «بودريو» في هذا المجال الذي يرى في الهابيتوس عموماً، حساً عملياً يقوم بإعادة تنشيط المعنى الذي أصبح موضوعياً داخل المؤسسات. أي نتاج عملية التلقين والتملك اللذين يكونان ضروريين حتى تتمكن نتاجات التاريخ الجماعي المتمثلة في البنى الموضوعية من أن تعيد إنتاج نفسها، على صورة مقتضيات أو مؤهلات دائمة ومتلائمة.

ويبدو أن غسان الخالد يسير في خطى بورديو الذي يميز بين الهابيتوس الفردي، والهابيتوس الجماعي، حيث يجد مثله ثمة اختلافاً بينهما، وهو اختلاف خاص بكل موقف. وقد بدا ذلك بمثابة تحفظ أولي، لأن بورديو يشير إلى أنه يمكن للجماعات أو الأعضاء المنتمين إلى فئة واحدة أن يعيشوا التجربة ذاتها، أو يكونوا قد عاشوها سابقاً.

وينطلق غسان الخالد، بشكل عام، بتعريف «الهابيتوس» بأنه نظام من الاستعدادات الدائمة التي يمكن نقلها من جيل إلى جيل، وذلك من خلال عملية التنشئة التي تبدأ كما يقول، بالعائلة والمدرسة، حيث تترسخ الأحكام والأفكار، ليصبح الفرد بعدها في حياته اليومية والعملية نتاجاً، بل محصلة لهذه الاستعدادات. وهي برأيه استعدادات متناسقة بشكل كبير، تؤدي إلى تشكل بنية معرفية. وهو يرى أيضاً أنه لا يأتي من فراغ، بل يتشكل بحسب ما يرى من التجارب السابقة. ويقوم الخالد، بإسقاط مفهوم الهابيتوس وتجلياته على الواقع العربي، بحيث يرى أن المرتكزات البنيوية لا تزال قائمة على الأسرة/ العائلة، وعلى الدين/ الطائفة بشكل عام. أما مصادره، فهو التقليد والعقل والخيال. وفي التقليد تتجلى بنية منظمة من الاستعدادات المدركة وغير المدركة وهي التي تلعب دوراً منظماً، أما العقل عنده، فهو يقدم النموذج الارشادي. في حين أن الخيال يمثل مخاضاً غير محدد إن لدى الأفراد أو لدى الجماعات (ص 11).

وجعل المؤلف كتابه: «الهابيتوس العربي» في قسمين: 1- في القسم الأول تحدث عن نظام القيم، وهو عبارة عن قراءة في القيم والمفاهيم، جعلها في ثلاثة فصول. إذ تحدث في الفصل الأول عن تعريف القيم وسماتها وارتباطها بالمعايير الاجتماعية. أما في الفصل الثاني فقد عمد إلى تصنيف القيم. في حين تحدث في الفصل الثالث عن مصادر القيم. فعرض للعائلة والدين والسلطة السياسية، معتبراً أن علاقة ما، تربط بين هذه المصادر. وهو يرى أنها علاقة قوية تساعد من خلال ارتباطها، في إعادة انتاج البنية الذهنية، وفي المحافظة عليها، وتجذرها في النفوس (ص 19 65).

2- في القسم الثاني الذي خصصه لقراءته في المفاهيم، فقد جعل الفصل الرابع يختص بمفهوم الضبط الاجتماعي. ويقول عنه إنه من المفاهيم الحديثة الانتشار والقديمة الاستخدام، وفكرته نبعت من المبدأ البسيط القائل بإن كل حياة اجتماعية، إنما ترتكز بالضرورة على شيء من التنظيم من خطاطات العقل. وأن كل تنظيم إنما يتضمن بالضرورة نوعاً من الضبط (ص 89). والضبط كما يرى الباحث، هو الضبط الاجتماعي الذي يتطلب قوة وحزماً لردع المنحرفين. وأن المجتمعات المدنية والمجتمعات الأهلية، كلاهما يتطلب استخدام الحزم للمحافظة على نظم الجماعة مهما اختلفت الأساليب (ص 90). ويتمثل الضبط الاجتماعي في جانب السلطة بالسيطرة والقهر، بالإضافة إلى جوانب تعليمية وإرشادية وتوجيهية أخرى.

وتحدث الباحث في الفصل الخامس عن مفهوم الجاه عند العرب. وقد وقف عليه من خلال التحليل السوسيو- معرفي، ومن خلال الملاحظة للواقع السياسي المعاش. إذ وجد أن مفهوم الجاه من حيث المبنى ومن حيث المعنى، إنما يتمثل في الممارسة السياسية. وهو لا يزال تقليدياً، وفق الموروث الثقافي الذي يجاريه دائماً. ويقول الباحث إن ارتباط الجاه أو الوجاهة بالسلطة أمر طبيعي. إذ الجاه هو القدرة التي تسمح للوجيه ممارسة إرادته على الخاضعين له. وهو بالتالي يسمح لأصحابه بتحقيق المآرب الشخصية لهم (ص 125). إذ الوجيه داخل نظام مؤسساتي أو غيره، يمارس هذه السلطة على التابعين له، من غير أن يتأثر مركزه بذلك. وهو يستخدم العنف حين يسمح له الوقت بذلك، أو يستخدم الحكمة وفق المنظور الزماني.

ويرى الباحث في الفصل السادس والذي جعله بعنوان: «البوليميك» في الفكر السياسي الإسلامي، أن القراءة المعرفية للجدل السياسي وآلياته وطبيعته، إنما تعكس عدم القبول بالآخر، وصولاً إلى سيادة ذهنية سياسية قائمة ومرتكزة على العقلية التآمرية والتخوينية. وأن هذه العقلية، إنما تسم الخطاب السياسي الهام لجميع الأنظمة القائمة وللمعارضين لها على حدّ سواء.

والبوليميك، سواء في اللغة الفرنسية أو الانكليزية، إنما هو مشتق من Polemos وهي لفظة تعني باللغة الاغريقية: الحرب. وقد أعطي هذا المفهوم في اللغات الأوروبية معنى المخاض السياسي العنيف، والمتعلق بالشؤون التي ترتدي الطابع العام. أما في اللغة العربية، فهو الجدال السياسي، أو المجادلة السياسية (ص 142).

ويتحدث الباحث في الفصل السابع وهو الأخير من هذه الدراسة، عن مفهوم الثورة عند العرب، في ظل ما تشهده الساحة العربية، مما اصطلح عليه بالربيع العربي (ص 171 200) وبرأيه أن مفهوم الثورة لا يقل التباساً في الأذهان عن المفاهيم الأخرى التي أسقطت على الثقافة العربية. فمن المفهوم العربي للثورة التي تبدأ كانتفاضة، إلى المفهوم الغربي لها حيث تعني التغيير السريع والمندفع في تركيبة المجتمع السياسية والاجتماعية والاقتصادية (ص 176)، نراه ينتقل للحديث عن زمنية الثورات أي الفترة التي تستغرقها الثورة. وعن الاستغلال والانتهازية التي ترافقها. وعن تحول الطوبى إلى أيديولوجيا. وعن الثورة كنموذج للباحثين: حيث الثورة الزراعية والثورة الصناعية والثورة المعلوماتية والثورة الثقافية في الصين مثلاً. ناهيك عن متابعته للثورات السياسية: مثل الثورة الفرنسية والثورة الروسية. وقد أفرد صفحات طويلة للحديث عن الثورات العربية في القرن العشرين، مثل الثورة المصرية والثورة البعثية، والثورة الجماهيرية ويقول إن جميع هذه الثورات ربما حمل بعضها التغييرات، رغم أنه لا يصب كما يقول في «حكم المحصل» في سياق التحليل السوسيو معرفي لمنظومة القيم والمفاهيم (ص 204) لأنه متصل بالتأكيد بخطاطات التاريخ في العقل العربي.

غسان الخالد: الهابيتوس العربي. منتدى المعارف (ط1)، بيروت، 2015 (215 ص تقريباً)

المستقبل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى