صفحات العالم

كلام سليماني يكشف النظام السوري…


خيرالله خيرالله

بقي المراقبون العرب في سوريا أم خرجوا منها، لم تعد تلك المسألة. كلّ ما في الأمر ان هناك نظاما انتهى لكنّه يرفض الاعتراف بذلك. لا يدرك أهل النظام في سوريا ان هناك صفحة طويت وان عليهم البحث عن مخرج يحفظ لهم سلامتهم من جهة ويحول دون تفتيت البلد من جهة اخرى. هذا ما يفرضه المنطق. ولكن هل لدى أهل النظام في سوريا علاقة من نوع ما بالمنطق؟

من لديه علاقة بالمنطق لا يغطي بطريقة او باخرى جرائم ترتكب في حق أشرف العرب واللبنانيين من أمثال رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما ثم يغطي سلسلة من الجرائم الاخرى بدءا بسمير قصير وانتهاء بانطوان غانم مرورا بجورج حاوي وجبران تويني ووليد عيدو وبيار امين الجميّل من دون ان ننسى محاولات اغتيال مروان حماده والياس المرّ ومي شدياق وسلسلة من التفجيرات في المناطق المسيحية وجرائم كثيرة اخرى من بينها على سبيل المثال وليس الحصر إدخال “فتح الاسلام” الى مخيّم نهر البارد.

من لديه ادنى علاقة بالمنطق لا يدعم حزبا مذهبيا مسلّحا في لبنان ثم يدعي انه يواجه مؤامرة خارجية في سوريا رأس الحربة فيها متطرفون اسلاميون. هل الميليشيا المذهبية المسلحة الموالية لإيران الموجودة في لبنان تستحق الدعم نظرا الى ان سلاحها موجه الى صدور اللبنانيين والى مؤسسات الدولة، فيما التطرف ممنوع في سوريا لانّ النظام فيها يريد الظهور في مظهر النظام العلماني الذي يدّعي حماية الأقليات!

ما يمكن مساعدة أهل النظام السوري في التوصل الى مثل هذا المخرج اقتناعهم اخيرا بأنّ المال أهمّ من السلطة، خصوصا عندما لا تعود السلطة في متناول اليد. هذا على الاقلّ ما يفرضه المنطق. المال يمثل الحرية. تلك هي أهمية المال لدى الذين يعرفون معنى الحرية وليس لدى اولئك الذين يتحولون عبيدا للمال، مثل بعض كبار المسؤولين العرب وغير العرب في مستوى رئيس دولة او رئيس لمجلس الوزراء او النوّاب.

تكمن مشكلة النظام السوري في ان ليس في استطاعة أي شخص، أكان عربيا او اجنبيا، إدخال بعض المنطق الى عقل من يقف على راس هذا النظام. هل هناك من يستطيع القول للرئيس بشّار الاسد ان العالم تغيّر وان ليس في الامكان إعادة عقارب الساعة الى خلف لا في لبنان ولا في سوريا ولا في المنطقة كلّها. هل هناك من يستطيع القول له ان الشعب السوري ليس واقعا في غرامه ولا في غرام النظام وان شباب سوريا مرتبط بالعالم الحضاري وعلى معرفة به وانه مطلع على تفاصيل التفاصيل بالنسبة الى حقيقة النظام الذي يستعبده؟

في النهاية، ان الشعب السوري ليس بالغباء الذي يظنه أهل النظام. ليس بالغباء الى درجة انه لا يعرف كيف ضاع الجولان ومن يتاجر بالجولان والقضية الفلسطينية تحت شعاري “الممانعة” و”المقاومة”. هناك اشياء انتهت. يعرف الشعب السوري ان “الممانعة” لا تعني شيئا، كذلك “المقاومة”، وان النظام لا يريد اي مواجهة من ايّ نوع كان مع إسرائيل، بل جلّ مبتغاه، استخدام لبنان لتبادل الرسائل مع إسرائيل بما يخدم مصالح الطرفين لا أكثر ولا أقلّ، بغض النظر عن الضرر الذي يلحق بالشعب اللبناني.

اذا كان رهان النظام السوري على روسيا، كلّ ما عليه تذكره ان الاتحاد السوفياتي، بكلّ عظمته، لم يفعل شيئا العام 1967 عندما خسر العرب سيناء والضفة الغربية والجولان. لم يفعل شيئا يذكر حتّى بعد انتهاء حرب العام 1973 التي استخدمها النظام السوري لاكتساب شرعية في حين انه خسر تلك الحرب بالمفهوم العسكري. بعد حرب 1973، توجه النظام السوري صوب اميركا. كان التوصل الى اتفاق لفك الارتباط مع إسرائيل برعاية أميركية تولاها هنري كيسينجر وليس اي شخص او فريق اخر. حصل ذلك في العام 1974 ولا يزال الجولان محتلا!

روسيا لا تنقذ نظاما عربيا. ربّما كانت إيران اكثر فاعلية منها هذه الايّام. لدى إيران رهانات من نوع اخر عبّر عنها قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الايراني. لم يخف سليماني الذي اراد تقديم اوراق اعتماده كمرشح لرئاسة الجمهورية في 2013 انه يعتبر لبنان والعراق مستعمرتين إيرانيتين. اكّد سليماني قدرة ايران على تشكيل الحكومتين في البلدين. وقد فعلت ذلك اخيرا معتمدة على ما لديها من ميليشيات مذهبية في العراق وعلى “حزب الله” في لبنان. ما لم يقله في كلامه الذي تضمّن تهديدات للاردن ان سوريا صارت في الجيب الإيرانية.

الأكيد انه لن يصدر موقف صريح عن مسؤول لبناني كبير يدين هذا الكلام الذي هو في رسم النظام السوري اوّلا. ليس مطلوبا إدانة شكلية لكلام قائد فيلق القدس بمقدار ما انه مطلوب تسمية الاشياء بأسمائها وتأكيد ان الجنوب واهله ليسوا بضاعة يتاجر بها الايراني والسوري ولا أي طرف آخر.

يبقى ان كلام سليماني يشكّل دليلا قاطعا على ان سوريا صارت جزءا من المنظومة الايرانية لا أكثر. لم تعد ايران في حاجة الى سوريا لتأكيد ان الجنوب اللبناني تحت سيطرتها. أوليس ذلك سببا كافيا كي يأخذ النظام السوري علما بأنه انتهى وان الشريان الذي يبقيه على قيد الحياة لا علاقة له بالمنطق لا من قريب او بعيد. ايران ليست دولة عظمى. الدول العظمى، التي فيها ملايين السكان لا تعتمد على النفط ولا شيء اخر غير النفط لإعالة مواطنيها. الدول العظمى ليست فيها نسبة اربعين في المئة من السكان، حسب اكثر الدراسات تحفّظا، تعيش تحت خطّ الفقر!

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى