كوريا الشمالية.. الدولة القدوة لـ “سوريا الأسد”
عبدالله حاتم – الخليج أونلاين
إذا كانت روسيا وإيران هما الحليفتان الوطيدتان لنظام “الأسدين”؛ الأب (حافظ) والابن (بشار) في سوريا؛ فإن كوريا الشمالية هي “الدولة” القدوة لهذا النظام في شكل بنائه وطريقة ترسيخ ثقافة الولاء للقائد.
فقد انعكست الزيارة التي قام بها رئيس سوريا الراحل حافظ الأسد إلى كوريا الشمالية، عام 1974، ولقاؤه بمؤسس الدولة الأكثر شمولية وانغلاقاً في العالم، كيم إيل سونغ، كثيراً على شكل دولة الأسد، وأبدى حينها- وفق ما يقول كثيرون- إعجاباً كبيراً بالنهج الذي يسير عليه نظام سونغ المستمر حتى الساعة.
إذ استنسخ الأسد الأب النموذج الكوري الشمالي في الديكتاتورية، بهياكلها وأسلوبها، ونهجها، بدءاً بطلائع البعث، والشبيبة، ومسيرات التأييد للقائد، مروراً بالأجهزة الأمنية، والمليشيات المتوحشة لحماية النظام وتصفية معارضيه، وانتهاءً بتوريث الحكم.
-استنساخ الديكتاتورية
ففي سبعينيات القرن الماضي عمد الأسد إلى إنشاء منظمة طلائع البعث بدلاً من تجربة “الكشافة” التي كان يديرها القطاع الأهلي في سوريا وفي العديد من دول العالم، كما يقول بسام جعارة، الذي كان حينها مستشار رئيس مجلس الوزراء السوري قبل أن ينشق ويصبح معارضاً.
ويروي جعارة في مقال له نشر في العام 2015 أن حافظ الأسد خلال زيارته لكوريا الشمالية دعي إلى مهرجان لطلائع حزب الشعب الحاكم، وبعد أن أبدى إعجابه بالعرض الطلائعي سأل كيم إيل سونغ: هل أستطيع أن أستمع من أحد الأطفال الطلائعيين إلى رأيه بهذه التجربة؟ فتوجه كيم إيل سونغ للطفل وسأله: من هي أمك؟ وأجاب دون تردد: حزب الشعب الكوري، ثم سأله: ومن أبوك؟ فصاح بعزم: كيم إيل سونغ، ثم سأله: وما هي أمنيتك؟ قال: أن تنتشر تعاليم حزب الشعب الكوري وتعم كافة أنحاء العالم، وبين جعارة أن حافظ الأسد طلب استنساخ هذه التجربة في سوريا، وهو ما تم، وما زال مستمراً حتى يومنا هذا.
كما أن فكرة توريث الحكم جاءت- كما يشير عدد من المعارضين السوريين- من كوريا الشمالية، حيث ورث مؤسس النظام هناك نجله كيم إيل سونغ الذي بدوره أورثه للرئيس الحالي كيم جونغ أون، وقد استنسخ حافظ الأسد التجربة بتوريث نجله بشار الأسد السلطة بذات الطريقة.
– تعاون عسكري
ولأنه لا بد من العلاقات السياسية في سياق عسكري، كان لكوريا الشمالية دور حيوي في دعم النظام السوري بالعتاد العسكري والسلاح.
وفي سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ساعدت كوريا الشمالية أيضاً على تحديث مئات الأسلحة السوفييتية الصنع، مثل الدبابة تي 45 وتي 55، التي تعمل في خدمة الجيش السوري، كما رفعت من مستوى الأبراج، وجهزت العربات المدرعة بجهاز ضبط من تصميمها.
كذلك زودت كوريا الشمالية النظام في سوريا بعدد غير معروف من منظومات الدفاع الجوي المحمولة على الكتف، وباعته صواريخ سكود سي، ومنصات قاذفات الإطلاق المتحركة (TELs) ورؤوساً حربية عنقودية.
ووفق تقرير للمعهد الكوري الجنوبي – الأمريكي نشر في العام 2008 فإنه وخلال عام 1980 أرسلت كوريا الشمالية قوات للعمليات الخاصة إلى سوريا؛ للمساعدة في تدريبات على تكتيكات “مقاومة الشغب”، وفي عام 1984 – 1986 و1990 أُرسل 30 إلى 50 مدرباً عسكرياً من كوريا الشمالية إلى سوريا.
كما يشير التقرير إلى أن جنوداً من كوريا الشمالية قاموا بتشغيل قاذفات صواريخ محمولة على شاحنة عيار 122 ملليمتر، خلال انتفاضة العام 1982 في مدينة حماة، التي قتل فيها ما يصل إلى 25 ألف مدني، عندما قمع النظام الانتفاضة بقصف عشوائي على المدينة بالمدفعية وبالأسلحة الكورية.
وكان واحد من المسهلين لهذه الصفقات العسكرية والتدريب، هو رئيس أركان الجيش الشعبي في كوريا الشمالية، الجنرال (كيم كيوك سيك)، وذلك في عام 1970، والذي خدم أكثر من عشر سنوات كملحق عسكري لبلاده في دمشق.
ومع اندلاع الثورة السورية، شاركت كوريا الشمالية في دعم الأسد، حيث كشف العقيد المنشق أسعد الزعبي بأن الوحدتين “شالما” و”شالما2″ من المقاتلين الكوريين الشماليين يقاتلون إلى صفوف النظام.
ومنذ بداية الحرب في سوريا كانت هناك شائعات متكررة عن التدخل العسكري لكوريا الشمالية، ومن ذلك نقل الأسلحة، ووجود مستشارين عسكريين في البلاد، ومع ذلك لا يوجد حتى الآن دليل قاطع على أن القوات الكورية الشمالية على الأرض تقاتل إلى جانب القوات الموالية للأسد، أو أن عاصمة كوريا الشمالية “بيونغ يانغ” تقوم حالياً بتوفير الدعم المادي للحكومة السورية.
كما يؤكد المعهد الكوري – الأمريكي هذه المعلومة، فخلال عام 2013 كان وجود الجنود الكوريين الشماليين عاملاً أساسياً في هزيمة قوات المعارضة السورية في عدة جبهات، حيث كان المستشارون العسكريون، الذين يتحدثون العربية، جزءاً مهماً ومحورياً في التخطيط والهجوم المفاجئ، والتنفيذ، في المعركة الضارية في “القصير” بمدينة حمص.
وبالمثل في عام 2013، قال رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان إن ضباطاً كوريين شماليين يشاركون جنباً إلى جنب مع القوات النظامية في القتال في حلب، وأوضح أن العدد الإجمالي لهؤلاء الضباط غير معروف، ولكن هناك بالتأكيد ما بين 11 و15 ضابطاً من كوريا الشمالية، والغالبية منهم يتكلمون اللغة العربية، وهم ينتشرون في عدة جبهات مثل معامل الدفاع إلى الجنوب الشرقي من حلب وفي قواعد القوات النظامية “داخل المدينة نفسها”.
ويشير خبراء عسكريون إلى أن وجود جنود كوريا الشمالية أكسبهم الخبرة القتالية القيمة وساعدهم في نقل تكتيكات حرب الشوارع والمشاة، ووفر لهم الرؤية للضباط الكوريين عن فعالية معدات الحقبة السوفييتية العسكرية في حرب ضد عتاد عسكري غربي.
-تكنولوجيا أسلحة الدمار الشامل
ولم يقتصر الأمر عند الدعم التقليدي بل وصل إلى الدعم بالتكنولوجيا النووية، وبدأ ذلك مع وصول بشار الأسد إلى السلطة بعد وفاة والده.
وبدأ يظهر هذا التعاون للعلن بعد أن نشرت صحيفة “ديلي تلغراف” في العام 2008 تقريراً أكد أنه في أبريل 2004 حدث انفجار هائل في قطار بضائع كوري شمالي يتوجه إلى ميناء نامبو، قتل خلاله العشرات من التقنيين النوويين السوريين كانوا في مقصورة تجاور عربة مغلقة، وقد تم نقل جثثهم جواً إلى سوريا في توابيت مغطاة بالرصاص على متن طائرة عسكرية سورية.
واتضحت الصورة بشكل أكبر عقب قيام الاحتلال الإسرائيلي بقصف مفاعل الكبر في دير الزور (شرق سوريا) عام 2007، حيث ذكرت صحيفة “دير شبيغل” حينها أنه قتل في الغارة علماء نوويون من كوريا الشمالية، وأكدت أن سوريا كانت تعمل مع كوريا الشمالية وإيران على منشأة نووية، حيث وفرت إيران مليار دولار للمشروع، وخططت لاستخدام منشأة الكبر لاستبدال المنشآت الإيرانية إذا لم تستطع إيران إكمال برنامجها لتخصيب اليورانيوم، بالاعتماد على التكنولوجيا النووية لكوريا الشمالية.
وعقب تفكيك البرنامج الكيماوي لسوريا في العام 2013 بعد ارتكاب نظام الأسد مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية، التي راح ضحيتها أكثر من 1500 شخص، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، الثلاثاء 27 فبراير 2018، عن تقرير سري للأمم المتحدة يشير إلى وجود أدلة حول مساعدة كوريا الشمالية لنظام بشار الأسد في إنتاج أسلحة كيميائية من خلال تصدير مكوناتها.
وأضاف التقرير أنه شوهد فنِّيا صواريخ كوريان شماليان أيضاً في مرافق أسلحة كيميائية وصواريخ معروفة داخل سوريا.
وأكدت الصحيفة أن هناك ما لا يقل عن 40 شحنة لم يبلغ عنها، سلمتها كوريا الشمالية إلى النظام السوري بين عامي 2012 و2017 تحمل أجزاءً ومواد صاروخية محظورة يمكن استخدامها لأغراض عسكرية ومدنية على حد سواء.
وعلى الرغم من أن الخبراء الذين اطلعوا على التقرير قالوا إن الأدلة التي ذكرها لم تثبت بشكل قاطع أن هناك تعاوناً مستمراً بين كوريا الشمالية والنظام السوري بشأن الأسلحة الكيميائية، أكدوا أنه قدم تفاصيل أكثر دقة حتى الآن عن الجهود المبذولة للتحايل على العقوبات التي تهدف إلى تقليص التقدم العسكري لكلا البلدين، وفقاً للتقرير السري الذي حصلت عليه “نيويورك تايمز”.