كيف عجز نظام المبايعة عن تحصين نهج الممانعة في سوريا؟
احمد بعلبكي
أكتب في ازمة النظام الســوري ولا بد من ان يذهب بعض ما آخذه عليه في صالح ما يروجه التحــالف النفطي الصهيونيوليبرالي والطائفي اليوم لتـفكيكه. وأرى انه لا مناص من ضرورة الاعتـراف بخـطايا التغاضي الطويل ايام جموحه، عن مخاطرمهادنته. انها خطايانا نـحن، أعني الكثير من اليساريين اللبنانيين، التي كنا نسوغها، احيانا كثيرة بفعل ترتيباتنا الايديولوجية لأولويات مواجهاتنا القومية المشتركة معه، منفعلين على ظلم التحالف الدولي والعربي الداعم باشكال وبادوار مختلفة لاغتصاب حق الشعب الفلسطيني بالوجود والحاضن لتحالف مقاولي الطوائف ولاقتصاد خدمات الوساطة المخلّع لوحدة القطاعات والمناطق في لبنان.
نعم، تغاضينا طويلا عن مخاطر شمولية الانظمة ولا سيما منها النظام الاقرب الذي دأب على ربط امن مجتمعه وموارده بقدرات اجهزته على المناورة في ما يُسمى نهج الممانعة. ولطالما تقبلنا نهج النظام «الشقيق»، داخل سوريا ولبنان، في تدجين بعض المعا رضات ونفي بعضها الآخر. وهذا ما سوّغ لبعض البعض الاستعانة على جبروت الأجهزة بقدرات التحالف الغاشم كما حصل في العراق.
الخيط الرفيع بين الموالاة والتملّق
كما وانه لا بـد من الاعـتراف بأن الأجهزة السياســية ومراكز الأبحـاث في الدول الرأسمالية الكبرى القـاطرة لما يُسمى المجتـمع الدولي كانت، قبل العقود الثلاثة الأخيرة وبعدها، أعمق منا دراية بالتعامل مع الزعامات الحاكمة في البلدان الفقيرة وبالظروف الملائمة لدعمها حينا ولمناهضتها حينا ولاستبـدالها حينا بما يتـناسب مع ما تحقـقه بفعل هذا التعامل من مصالح ومواقف سياسية تصب في استراتيجياتها الاقليمية. وكانت في المقابل أكثر منا متابعة لنقاط القوة والضعف العائدة لكل من النخب الموالية والمتحالفة والمعارضة داخل النظام السوري وخارجه.
كيف يمكن ان لا تتوفر للتحــالف النيوليبرالي الدراية في محاصرة ممانعة النظام السـوري والسلـطات التقليدية والمتعصرنة فيه، ترى في الناس جماهير لها تأمن لموالاتها المتمثلة في السلوكيات المباركة للحاكم ما يراه من ضرورات التحكم غير التعددي في رعايتها. وتُحمل على مبايعته كفرض واجب لصون عزة البلاد ممن يعتبرهم أعداء الأمة المتربصين في الخارج بنهجه الممانع في مواجهة أولوياتهم الإقليمية السياسـية. وهو نهج اعتمده حكم البعث، يقوم على تعبئة سياسية قومية ضاربة تمكنه من الاستعاضة عن الحرب التحريرية المهددة بضرب اقتصاده وصمود نظامه والتحول عنها باتجاه المراهنة على تحالفات مع حركات فلسطينية ولبنانية دعمها ورعى اختيارها للنهج الآخر في المقاومة المسلحة.
التراجعات التي اصابت نظام الرعاية
ظلت الجماهير السورية تتحمل، على امتداد اربعة عقود، ما ألحقته بها أكلاف الممانعة الأمنية والاقتصادية والسياسية من تضييق في معاشها ومن خضوع لقانون الطوارىء يدفع الى تملق أهل الحكم والجاه، ما زاد في توطن الفساد. هذا الفساد الذي تضاعف انتشاره خاصة مع توسع الحصارات المفروضة على الاقتصاد المدولن في الوقت الذي توسعت فيه ممانعة الأجهزة السورية من خلال امداد الحركات المقاومة من لبنان منذ مطلع السبعينيات والمتواصلة لتاريخه؟
لقد ادى تعاظم الاكلاف الاقتصادية لنهج الممانعة المترافق مع الضغوط على الرواتب في الادارة الحكومية وفي القطاع العام الى استشراء الفـساد. ومع تزايد عجز الدولة عن الاستثمار في القـطاعات الانتــاجية وعن الانفاق في صيانة البنى التحتية وخلق فرص العمل، تفاقمت البطالة وفجوات العيش بين الفئات الاجتماعية. انه التفاقم الذي تزايد مع تراجع التزامات الدولة في حقول الرعايــات الاجتماعـية في ظل توجهاتـها الليبرالية المستجدة نحو ما اسمته اقتصاد السوق الاجتماعي فأدى في سوريا الى رفع نسبة من يعيشون تحت خطي الفقر (في معطيات عام 2007) (1) إلى 30,1 من السكان. ورفع نسبة من يعيشون تحت خط الفقر المُدقع إلى 15 في المئة في الأرياف و9,9 في المئة في المدن. ولوحظ توسع اللامساواة الطبقية في سوريا المتجسدة بتوسع الإقصاء الاجتماعي وتوسع النزوح إلى الضواحي الشعبية الحاشدة التى باتت تأوي ما نسبته حوالي 40 في المئة من سكان العاصمة. كما ولوحظ ارتفاع نسبة البطالة المُعلنة إلى 8,3 في المئة عام 2007 وقُّدر معدل بطالة الشباب بين عمر 15 و24 سنة، ممن يشكلون ربع السكان، بحوالي 50 في المئة عام 2006 (2). وادى ذلك الى توسع الافقار فقدرت نسبة من يعيشون بدولارين يومياً، أي تحت خط الفقر الأعلى، بحوالي ثلث المقيمين، ونسبة من يعيشون تحت خط الفقر المدقع، أي بدولار واحد يومياً، بـ11,4 في المئة. هذه النسبة التي ترتفع إلى 15,1 في المئة في الأرياف وإلى حوالى 10 في المئة في المدن. ويقترن توسع البطالة بتدن في نسبة الالتحاق بالتعليم قبل الجامعي إلى حوالي 65 في المئة مقابل 85 في المئة في لبنان.
واقترنت هذه التراجعات بمزيد من الإقصاء الاجتماعي لفئات شعبية واسعة تعــيش على رواتب القــطاع العام. هذه الرواتب التي تتآكل قدرتها الــشرائية تحت ضغط إرتفاع معدلات التضخم والارتفاع العالمي لأسعار المواد الأولية ولا سيـما منها المواد الغذائيــة في ظل تحولات النظام الليبرالية المتدرجة من أسواق تحكمها الدولة إلى أسواق متحررة من اي حماية. اسواق باتت تتحكم فيها فئات جديدة من المستثـمرين المدعومين من مراجــع عاليـة في الادارة والاجهزة الامـنية. وترافقـت هذه التراجعات في بنية نظـام الممانعة بتغـيرات على صعـيد هيكل التجـارة الخارجية حيـث لوحـظ ارتفـاع نسبـة الواردات من البضائع والخـدمات من إجمالي الناتج المحلي من 28 في المئة عام 1990 إلى 40 في المئة عام 2005 (3). وقد عوضت مالية الدولة عن هذا التراجع أيضاً من خلال تحويلات العمالة المهاجرة إلى لبنان المخففة الى حد كبير من المخاطر الاجتماعية ـ السياسية للبطالة. وهي عمالة تقدر بأكثر من نصف ملـيون عامـل يحظون بتسهيلات الدخول والانتقال ولا يحــظون فعلــياً بأي من ضمانات العمل التي تنص عليــها المعــاهدات بين البلدين. وساهم ايضا في التعويض عن التراجعات الاقتصادية والمالية في سوريا، رفع نسبة الصادرات الأساسية من البضائع غير المصنعّة ومنــها القـطن خاصة من 64 في المئة إلى 87 في المئة. هذه الزراعة التي اعتمدت على تكثــيف دعم الــدولة مع العلم بانها زراعة شرهـة في استنزاف مخـزونات المـياه الجوفية الضرورية لزراعة الحبوب التي تعـتمد الحكومات المتعاقبة دعمها في مجالي التسليف والتسويق حرصا منها على توفير الأمن الغذائي.
يُضاف الى ذلك ان سلبيات رفع الدعم عن المازوت وفتح الاسـواق وارتفاع اسعار المدخلات الزراعية المستـوردة وتراجـع الـقدرات التنافسية للمنتجات السـورية الزراعية أدت الى إقصـاء فـئات واسعة من متوسطي وصغار المزارعين عن الـعمل في الـزراعة والى الـنزوح باتجاه المدن. وهذا ما يفسر في تقديرنا الطابع الريفي لانتـفاضات المناطق حيث توسّع تظاهر فئات واسعة من المزارعين المحبطين في الارياف السورية ومدنها الثانوية، بالاضافة الى جموع النازحين الى ضواحي المدن الكبرى.
التحولات المحيطة بنهج الممانعة
كل تلك التراجعات خلقت ظروفاً ملائمة شجعت مراكز القوى الإقليمية والدولية على تعديل مراهناتها على التعامل التكتيكي مع ممانعة النظام، تعاملا لم يستبعد إمكانية تقبله لاحقا للتطبيع مع إسرائيل. هذا التطبيع الذي حرص النظام على التميّز عن الأنظمة العربية في رفضه تميزا يحرج تخاذلها المعروف تجاه قضية الأمة في فلسطين. انها الانظمة التي لطالما احرجها النظام البعثي في تخاذلاتها عن مواجهة دعم حليفتها الولايات المتحدة لتوسع الإستيطان الصهيوني بالرغم من التنازلات التي اقترحتها هذه الانظمة في قمة بيروت عام 2002. واستثمر النظام احراجها في ترويج ما سمّاه ثقافة وتيار الممانعة القومـية فدعم حركات المقاومة المسلحة خارج أراضيه في لبنان وفلسطين والعراق، في الوقت الذي كان يستثمر قدراته السياسية والإستخبارية وحتى العسكرية، متى لزم الأمر، في ضبط الأوضاع داخل لبنان والعراق وعلى حدودهما بما لا يتعارض مع رغبات الإدارات الغربية والأميركية منها خاصة .
لكن قادة النظام فاتــهم أن نهج الممــانعة الذي يرون فيه استراتيجية مربحة لفرض صمود نظامهم على الساحة الإقليمية لم يكن، في منظور التحالف الصهيونيوليبرالي المتربص بممانعتهم المناورة، أكثر من تكتيك مهادنة. تكتيك يعتمده ظرفياً لاستثمار حاجة النظام السوري للإعتراف بحضوره وعدم محاصرته دوليا إلى أن يستجد ظرف يراه ملائماً للخروج على منطق مهادنة الممانعة المقلقة والتحول عنه الى منطق تحريك النخب والمعارضات السياسية المكبوته فيه والمبــعدة منه. تحريك يمكنها، عن طريق التنسيق السياسي والإعلامي الفضائي الإقليمي والدولي من القضاء على النظام السوري. وهو النظام الذي ظل يطمئن أن سياسة الممانعة القومية على الصعيد الإقلــيمي المحــصّنة بشبكة التقديمات الاجتماعية التي تتعهدها الدولة على أصعدة التعليم والصحة وضبط التموين في الداخل هي سياسة كفيلة بضمان استدامة ولاء «جماهيره» وتكرار ما يغلب عليه التملق في مبايعاتها السياسية لرأس النظام بما يشبه الإجماع (95,5 في المئة) عام 2007 مرضاة لأجهزته في الإنتخابات الرئاسية. مبايعات يكشف هزال دلالاتها في المقابل تراجع نسبة المقترعين في إنتخابات مجلس الشعب في نفس العام إلى 56 في المئة وفي إنتخابات مجالس المحافظات إلى ما بين 37,8 و49,5 في المئة. وظلت قيادة النظام تعتقد أن اقتران تلك الممانعة بهذه المستويات من المبايعة تمكنها من الإستقواء على المعارضات، المدنية وغير المدنية، السلمية فعلا وغير السلمية فعلا لشموليته وعلى التحكم بتوسع الفجوة الطبقية المتزايدة بفعل تراجع قدراته النفطية وعائداته من التحويلات المتملقة، هنا ايضا، من دول الخليج لدعم ممانعته.
أجل ساهمت التراجعات المُشار إليها سابقــا مجتمعة في كشف مخاطر التحول إلى إقتصاد السوق والتخلي التدريجي عن إلتزامات الدولة عن سياسات الرعاية الاجتماعية ودعم مداخيل الجمـاهير التي استمــرت تبايع النظام على امتداد أربعة عقـود. فتــزايد في أوساط «الجماهير المبايعة « تدهور الثــقة بالـحزب القائد وبما يقوده من الأحـزاب العلمانـوية التي يستتبعها في ما يُسمى»الجبهة الوطنية التقدمية». وساهم تراكم هذه التراجعات بالضـرورة في توسـع التقبل النفسي الثقافي، لدى الجماهير المؤطرة بأجهزة الحزب ونظامه الأمني المُسماة منظمات جماهيرية، لخطابات النخب المعارضة الدينـية والليـبرالية واليسارية المبعدة منها في الداخل او المُبعدة منها الى الخارج. انها النخب المتربصة بالتراجعات المشار اليها وهي تنتظر الظرف الذي تتخلى فيه الدول الغربية عن مراهناتها على دور النظام. هذا النظام الذي ظلّ يستقوي بفعل المبايعات الشعبية المؤطرة على ممانعتها بفعل تحالفاته الاقليمية المتزايدة الخطورة على إسرائيل إلى أن دخل في مواجهة مصيرية مع سيناريو إقلـيمي ـ دولي ملائم لشن حرب إعلامية معولمة غير مسبوقة عليه من الجوامع .
لقد نجح هذا التحالف في تحريك ودعم النخب المعارضة الدينية وغير الدينية وفي استنزاف الرأسمال الرمزي والأخلاقي للنظام وفي دفع شرائح واسعة من الشباب ممن تقل أعمارهم عن 25 عاماً. شباب، يمثلون حوالي ربع الشعب لم يكن تاهيلهم البعثي في المعسكرات كافيا لمواجهة معارضي النظام الممثلين لحوالي 40 مجموعة كما برز في لقاءات اسطمبول. فخرجوا بعفوياتهم المنفعلة وراء قيادات من هذه المجموعات ليؤكدوا ولأول مرة، ميولهم الكامنة لفرض ذواتهم وفرض حقهم في الحراك، أي حراك ومهما تعددت ميوله، في شوارع غير مصادرة. انهم الشباب الذين يرتفع معدل البطالة في أوساطهم، كما سبق وأسلفنا، إلى النصف. يناصرون المتظاهرين دونما سؤال عن طبيعة الأنظمة البديلة المتنافرة في التوجهات المعلنة وغير المعلنة لدى القادة السلميين وغير السلميين الداخليين منهم والخارجيين. وهم شــباب ليس من المستبعد ان يستهويهم العنف المسلح الذي استثاره وبرره تورط النــظام بالإعتماد على فرض الأمن بكل قدراته العسكرية التي ظل يراكمها لمواجهة لم تحصل مع العدو الإسرائيلي بعد حرب 1973 إلاّ جـزئياً في إجتياح 1982 للبنان.
و في تقــديرنا أن الوقــت المنــتظر لكسر النظام من الداخل والخارج توفر لأعدائه الداخليين والخارجيين بفعل تقاطع ظرف هيمنة اليمين المتطرف على الحكومة الإسرائيلية ونجاحه في دفع كل من إدارتي أوباما وساركوزي للتخلي عن توجهاتهما في رفع الحصار السياسي عن النهج الممانــع للنــظام السوري في المنطقة مع ظرف تفاقم التوتر بين دول الخليج والدولة الإيرانية حليفته الاستراتيجية ولا سيما بعد تفاقم الصراع السياسي في السعودية والبحرين بين السلطات وحركات الأغلبية الشيعية المعارضــة لها وفي لبنان أثر التحول السياسي الذي أدى إلى سقوط حكومة الحريري. وأدى هذا التقاطع بين الظرفين المشار اليهما إلى إعلان حرب الإعلام الفضائي المتعولم وانظــمة التواصل الفوري من والى اي قرية أوحارة. اعلام خارق من اي شارع الى اي شارع لا مجال لاحتوائه ولاقدرات تكنولوجية لدى مشاهديه لتخيل فنــون التصوير المرسلة اليهم من غرف عمليات البث الفضائي. اعلام يـصنع الوقائــع والمواقف في حرب لم تُخض من قبل بهذه المستويات من تنسيق لأشكال الضغــوط عـلى النــظام وأشــكال الإمداد المتنوع لمعارضاته السلمية والعنفية عبر حدود سوريا الأربعة. اجل انها حرب لم يخُضها من قبل الاعلام الفضائي الخليجي والغربي لجهة الدعم الميداني للمتظاهرين وتنسيق كثافة التغطية على امتداد المدن والأرياف السورية والبلدان المجاورة. ينقـل للمشاهد، دونما ملل ولا انقطاع، تظاهرات تخرق جمــوع الخارجين من صلوات الجماعة والتراويح الرمضانية مستـثيرة قصف دبابات النظام وقنص عناصر امنه. انه اعلام تعبوي شعبوي يحاصر اعلام النظام وكثيرا ما لا يقيم اعتبارا لسمع وبصر اهل النظر والتحليل من المشاهدين، ولا يهتم لخروجه على اخلاقيات المهنـة فلا يرى ضرورة لنقل اخبار التظاهر العنفي المشوه لسلمية ومدنية المواجهة مع الاجهزة. لقد نجحت هذه المعارضات في استدراج اجهزة النظام الى اعتماد الحل الأمني وهي اجهزة يزداد توجسها مما تبشرها به اصوات المتظاهرين وبيانات مؤتمرات المعارضات، المنعقدة بتسهيلات خارجية، والرافضة لقبول تنازلا ت النظام في قوانين الاصلاح التي اصدرها .
لم تُقِّدر قيادة النظام أن الإعلام، المستنفر اليوم على ادراج جوامعها، هو الحاسم اليوم في انتزاع الجمهور من بداهات ثقافتها التعــبوية. وهو الجمهور الذي سبق لها ان استقوت بهتافات مبايعاته التظاهرية له « بالروح والدم» خلال عقود الرعاية الاجتماعية للفئات الشعبية ورعاية الرساميل التجارية والصناعية بفعل السياسات الحمائية التي ذهبت لصالحها وسبق لها ان استقوت كذلك برعاية مكاسب كبار ضباط الجيش وأجهزة الأمن المتعددة ورعاية كبار موظفي القطاع الــعام ممن قام الكثير من بينهم برعاية شبكات الفساد والإفساد في الإدارات الحكومية. وانه الجمهور بعينه الذي يستقوى على اجهز الامن اليوم بالروح والدم. وقد تأكد قادة النظام اليوم بأن كل تلك الرعايات لم تعد كافية لاستعادة الجماهير المبايعة في مواجهة حرب الداخل والخارج. وهي الجماهير التي تعجز عادة، كما في كل مجتمعات المبايعة السياسية، عن المفاوضة السياسية المسبقة مع انظمتها حول طبيعة نهج الحكم إصلاحية للتعددية السياسية وتعجز اليوم ايضا عن الوثوق بتنازلات النظام في ما اصدره من نصوص اصلاحية حول التخلي عن احتكار الحزب القائد للسلطة واعتماد التعددية الحزبية وغيرها من النصوص وهو النظام الذي اعتاد الحكم وفق قانون الطوارىء ولم يعتد العمل بمقتضى النصوص القانونية من قبل .
فتميل منفعلة الى تحويل ثقتها، بوعي احيانا وبغير وعي غالبا، اتجاه طروحات قيادات المعارضات المتعاهدة على محاسبة اهل النظام وليس على مفاوضتهم مهما قدموا من تنازلات .
لم توفر بعض المعارضات اي مبرر لاستقدام أي نوع من الدعم في مواجهة النظام وهو الذي لم يترك وسيلة الا واعتمدها في تضييّق الخناق على نمو ظواهر الاعتراض السياسي خارج بيت طاعته في ما يسميه «الجبهة الوطنية التقدمية». اطمأن النظام طويلا لمردودات نهج المبايعات والممانعات ولبداهات قناعاته بأنه هو خاتم الأنظمة لبعث الأمة لا يأتيه الباطل من داخله ولا انظمة من بعده، وانه لا مكان في ظله لأي معارضة قد يغويها اعداء الخارج فتأتي عليه بالويل الذي أتت به الكثير من المعارضات العراقية.
6[ باحث اجتماعي ـ اقتصادي
(1) راجع «تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2009» الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ص ص 113 ـ 115.
(2) راجع «التقرير العربي الثالث حول الأهداف التنموية للألفية 2010» الصادر عن الأمم المتحدة وجامـعة الدول العربية، صفحة 14.
(3) المصدر نفسه صفحة 249 جدول رقم 15.
السفير