كيف مدّت إيران خطوط السيادة عبر الاتصالات في سوريا؟
هناء الكحلوت – الخليج أونلاين
تتمدد إيران في سوريا بشكل لافت، لتوسع نفوذها الاقتصادي والسياسي والإيديولوجي، إذ لم تكتفِ بقتال مليشياتها بجانب قوات النظام السوري، لتوقع بعدها عقوداً لاستثمارات بالزراعة والثروة الحيوانية والصناعة والنفط، وتدخل إلى الاتصالات السورية كمشغل ثالث للهاتف المحمول.
قطاع الاتصالات الذي تعتزم إيران دخوله يعد من أهم القطاعات الحيوية في سوريا، وهو الرافد الثاني للخزينة العامة بالدولة بعد النفط مباشرة.
وفي الماضي كان حضور إيران يقتصر على بعض المناطق المرتبطة بالمزارات الشيعية، كما أن الاستثمارات والشركات الإيرانية كانت قليلة مقارنة بما يحدث اليوم، فالشركات الإيرانية تدخل السوق السورية من أوسع أبوابها، وبمساعدة من النظام السوري في كل التخصصات، وفق باحثين.
وحول تمدد إيران في سوريا، قال الصحفي السوري عبو الحسو، وهو مهندس سابق في الاتصالات: “منذ الأيام الأولى لحكم بشار الأسد في سوريا (عام 2000)، بدأت إيران مبكراً بمدّ خطوط السيادة في الدولة، وسنحت لها الفرصة الكبرى مع انطلاقة الثورة السورية (عام 2011)، لتسيطر على سوريا بالمطلق عسكرياً وسياسياً”.
وحتى إطلاق العمليات الجوية الروسية ضد معارضي الأسد، في سبتمبر 2015، كانت إيران أكبر داعم للنظام السوري، وأسهمت بشكل فاعل في بقائه.
الحسو قال في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: إن “طول الفترة، وتدخل الروس أفسد عليها بعض خططها، فبدأت تبحث عن استثمارات وقنوات تحقق لها هدفين: السيطرة الأمنية والعائد الاقتصادي بنفس الوقت، فكان مشروع المشغل الخلوي الثالث الذي يحقق لها الهدفين معاً”.
من جهته قال السوري مناف قومان، الباحث في الاقتصاد السياسي: إن “طهران بدأت مد خطوط سيادتها على سوريا منذ قرار دخولها في الصراع بزج مليشياتها إضافة إلى الدعم المالي والسياسي المقدم للنظام السوري”.
وأضاف قومان لـ”الخليج أونلاين” أن “الاتفاقات مع النظام السوري هي جزء من كعكة إعادة الإعمار، التي حصلت عليها طهران في سوريا، إذ من شأن كل تلك الاتفاقات أن تفيد الاقتصاد الإيراني بفضل العائدات المتأتية منها”.
العديد من المصادر الإعلامية كشفت أن شركة “إم سي آي” الإيرانية، ستبدأ قريباً بالاستثمار في قطاع الخلوي في سوريا كمشغل ثالث إلى جانب شركتي “سيريتل”، و”إم تي إن”، التي يملك رامي مخلوف، ابن خال رئيس النظام بشار الأسد، معظم أسهمها، وفق اتفاقيات مُبرمة بين سوريا وإيران، وقعها رئيس حكومة النظام، عماد خميس، منتصف يناير الماضي في طهران.
ومخلوف، هو رجل أعمال سوري، ويعتبر أقوى شخصية اقتصادية في سوريا، ويقول المحللون إن “الشركات الأجنبية لا يمكنها الدخول في أي معاملات بسوريا دون موافقته الشخصية، وتصل ثروته إلى أكثر من بليون دولار أمريكي”، وفق صحف محلية.
– تهديد الأمن والخصوصية
دخول إيران إلى خط الاتصالات السورية بجانب شركتين تدعمان النظام السوري، أثار اهتماماً بالغاً حول أبعاد هذه الخطوة، وهدف إيران منها، وتأثيرها على المواطنين السوريين من ناحية أمنية.
الحسو، مهندس الاتصالات السابق، قال لـ”الخليج أونلاين”: إن “الاتصالات والأمن صنوان لا يفترقان، خاصة في البلدان التي يحكمها أنظمة استبدادية وديكتاتورية مثل سوريا، حيث لا قواعد أخلاقية ولا ضوابط قانونية تردع السلطة من التنصت على المكالمات والتدخل في خصوصيات الناس، فلذا تريد إيران السيطرة على هذا القطاع حتى تُحكم قبضتها الأمنية بالمطلق على سوريا، وتطلع على كل شاردة وواردة، وتضبط إيقاع كل شيء مثلما تشاء”.
– استعادة إيران لأموالها
ومنحت حكومة النظام إيران حق “السيادة الاتصالية”، بـ300 مليون دولار فقط، وأكد الحسو أن من يدفع ثمن هذه السيادة “اقتصاد البلد الذي تذهب خيراته هدراً، وتنقلب وبالاً عليه، ويعود ما يدفعه المواطن من مال لخدمات الاتصالات أسلحة وصواريخ تحصد روحه وتدمر بيته وبلده”.
وتابع أن “دخولها سوق الاتصالات السوري برأسمال قليل تهدف من خلاله إلى استعادة ديونها على النظام السوري والتي بلغت قرابة 5 مليارات دولار”.
“هذه الديون مستحقة على النظام السوري خلال فترة الثورة، وتسعى إلى استردادها عبر أخذها استثمارات سهلة وسريعة الربح من النظام، مثل الاستثمار في مجال الاتصالات والكهرباء والفوسفات ومرفأ اللاذقية، وقد باشرت إيران الاستثمار في تلك القطاعات المذكورة”، وفق الحسو.
إيران سعت إلى تقديم الدعم الاقتصادي لحليفها في سوريا إلى جانب الدعم العسكري، وخاصة بعد الانهيار الحاد الذي عاناه الاقتصاد السوري، ويرى مراقبون أن هذه الاتفاقيات تمنح النظام الإيراني سيطرة كاملة على القطاعات الاقتصادية في البلاد التي مزقتها سطوة النظام.
الباحث الاقتصادي قومان، قال إن الاتفاقات تعدّ “ردَّ جميل على الدعم الإيراني”، كما أنها “سداد للديون التي تكلفتها إيران في سوريا”. في حين بيَّن قومان لـ”الخليج أونلاين”، أن “الديون الإيرانية لسوريا بلغت نحو 35 مليار دولار”.
– دعم النظام
من جهة أخرى، وفي ظل دعم مليشيات النظام، بينت شركة اتصالات “سيريتل”، الداعمة لحكومة النظام السوري وعائلاتهم، في تحليلها المالي لعام 2016، والذي نشرته على موقعها الإلكتروني، أنها استطاعت أن تزيد نسبة إيراداتها الصافية بنسبة بلغت 40.26% عن عام 2015. ما يزيد نسبة حكومة النظام من هذه الأرباح.
الإيرادات الصافية للشركة خلال العام الماضي بلغت أكثر من 129 مليار ليرة سورية (250 مليون دولار)، وبلغت نسبة حكومة النظام من هذه الإيرادات مبلغاً قدره أكثر من 40 مليار ليرة سورية (77 مليون دولار)، ما يمثل نسبة 30% من الإيرادات.
المخطط التالي، الذي أعده “الخليج أونلاين”، يبين تطور إجمالي الإيرادات الصافية وحصة الشركة السورية للاتصالات منها، وحصة النظام السوري.
الحسو أكد لـ”الخليج أونلاين” أن “معظم المبالغ تذهب لتمويل مليشيات الدفاع الوطني الموالية لنظام الأسد، التي تحقق عوائد مالية إضافية من مختلف عمليات النهب والسرقة والتهريب وفرض إتاوات على المواطنين، تذهب إلى جيوب المنتفعين والدائرة القريبة والضيقة لنظام الأسد”.
ومن النشاطات التي دعمت بها الشركة قوات النظام، وأعلنت عنها في تقريرها السنوي، مبادرة “جيشنا فخرنا”، و”لأن جراحهم تستحق”، و”المصروف الشهري”، التي تقدم من خلالها دعماً لذوي قتلى قوات النظام، بالإضافة لإقامة الأعراس الجماعية.
وكانت صحيفة “الوطن” الموالية للنظام قد كشفت في وقتٍ سابقٍ العام الماضي أن لشركة الاتصالات السورية نسبة 20% فقط من أسهم شركة المشغل الثالث للاتصالات.
وقال أحد المديرين في قطاع الاتصالات: إن “المشغل الثالث الذي يجري الحديث عن دخوله للعمل في سوريا، قد يكون عبارة عن تجمع عدد من الشركات الإيرانية العاملة في قطاع الاتصالات بإيران، على أن تدخل هذه الشركات السوق السورية باسم شركة واحدة”.
وحول تأثير هذا الاتفاق على سوريا وشعبها، قال الباحث الاقتصادي: إن “شركة الاتصالات عادة ما تكون من الاستثمارات الاستراتيجية، إذ إن تكاليفها منخفضة وأرباحها مجزية وسريعة، أضف إلى ذلك أنه يجب أن تكون تحت عناية ومراقبة الحكومة لكي لا تستخدم البيانات في أمور تجسسية وما شابه”.
وتابع قومان: “حالما تقرر دولة ما منح رخصة اتصالات إضافية تطرح مناقصة، وتتضمن شروطاً وبنوداً تتنافس أفضل الشركات للحصول عليها، وهو ما لم يكن موجوداً مع الشركة الإيرانية، وما حصل معها أشبه بأنها حصلت على امتياز”.
وأضاف الاقتصادي السوري لـ”الخليج أونلاين”: “بالنسبة للاقتصاد فإنه يستفيد من نسبة تملك الحكومة في الشركة، ونسبة الأرباح التي تحصلها منها، بالإضافة إلى الضرائب والرسوم. وهذا كله غير واضح مع الشركة الإيرانية بسبب غموض العقد، وعدم إطلاع الشعب والجهات المعنية عليه”.
وقال: “لو اعتبرنا أن قطاع الاتصالات من الشركات القومية في البلاد، وعادة تطرح أسهمها بالبورصة ليتاح للشعب المساهمة بها، فإن الشعب بحالة الشركة الإيرانية سيجد في نهاية المطاف رخصة اتصالات ثالثة إلى جانب “سيريتل” و “إم تي إن” في بلاده، وتعود ملكيتها للحرس الثوري الإيراني، وقد يكون مرغماً على الاشتراك فيها إذا قدمت عروضاً وخدمات مميزة عن الشركتين الأخريين، وهذا سيصب في مصلحة الشركة بالمحصلة بسبب العوائد المتأتية منها”.
– مناطق المعارضة
وحول الاتصالات في المناطق السورية التي لا تخضع للنظام، قال مهندس الاتصالات السابق، الحسو: “في المناطق المحررة هناك شبكات إنترنت محلية تتزود من الإنترنت عبر بلدان الجوار، وتقدم الخدمة عبر شبكات وايرلس أو في بعض المناطق عبر خطوط الـ(ADSL)، تتزود من إنترنت خارجي عبر دول الجوار وتصل للمواطنين سلكياً عبر خطوط الهاتف الأرضي”.