كيف نحاصر حصار روسيا؟/ يحيى العريضي
قامت السياسة الروسية في سورية على الخنق والاحتكار، فسعت، من دون كلل أو ملل، إلى حصار كل من يقول لا لنظام الأسد عسكرياً وسياسياً ومعنوياً.
في الجانب الأول، حوّلت سورية إلى حقل تجارب لأسلحتها، وأسقطت على أرضها وشعبها ما فاق ما أسقط من قنابل في الحرب العالمية الثانية ست مرات، وتجاوز عدد السوريين الذين قتلتهم روسيا العشرة آلاف، وضاعفت مناطق سيطرة النظام جغرافياً.
سياسياً، حمت روسيا نظام الأسد داخلياً وإقليمياً ودوليا. داخلياً بترتيب “مصالحاتٍ” عبر التفاعل مع من كانوا تحت الحصار، وبنسج علاقاتٍ مع فصائل مقاومة للأسد، بذريعة حمايتهم، كونها صاحبة دكان “خفض التصعيد”. إقليمياً، بابتزاز كل قوة إقليمية تدعم المعارضة عبر استغلال حاجتها أو توتر علاقاتها مع قوى أخرى، أو بإشراكها ضامنا كما حدث مع تركيا.
ودولياً، استغلت إدارة الظهر الأميركية للقضية السورية ومنهجية “التكتكة” التي اتبعتها الإدارات الأميركية المتعاقبة، لتصل إلى احتكار الملف السوري والتحكّم بمسيره.
وزادت على ذلك حماية مطلقة في مجلس الأمن، مستخدمة حق النقض (الفيتو) 11 مرة،
“لا بد من البحث عن أدوات مقاومةٍ إبداعيةٍ لإعطاء وهج جديد لمقاومة منظومة الاستبداد”
لحماية منظومة الأسد من الإدانة. هذا إضافة إلى حصارها المبعوث الأممي وضبط إيقاع أدائه.
معنوياً، لم تترك روسيا فرصةً لنسف مصداقية المعارضة، إلا واستغلتها إلى أبعد حد، بداية ببعثرتها، والمساهمة بإيجاد ما سميت “منصات” عبر “دحش” تلك المنصات في قرار مجلس الأمن الدولي 2254، مستخدمة ذلك ذريعة لتطعن بأهلية التمثيل للمعارضة، ولم يكفها ذلك، بل ابتدعت محطة أستانة، لتجعل منها منصةً لتحقيق ما ذكره القرار عن “وقف إطلاق النار”، ولكن بشكل مشوه، ليبدو وكأن الوصفة الأنجح والواقعية لمناطق تقسيم على خطوط الواقع، الأمر الذي حمل تهديداً وحصاراً من نوع جديد للمناطق المحرّرة وأهلها.
بعد كل هذا الإطباق العسكري والسياسي والمعنوي على الجبهة المضادّة لمنظومة الاستبداد الأسدية كان لابد لروسيا من ترجمة “منجزاتها” إلى ثمرة سياسية، تعيدها إلى صاحبة قولٍ فصل في السياسة العالمية، تدفعها إلى ذلك استحقاقات روسية داخلية، تتمثل باقتراب استحقاق رئاسة بوتين الرابعة لروسيا، وحدث مباريات كأس العالم في روسيا الصيف المقبل. ومن هنا، تراها متوترة ومستعجلة لجني الثمار من سياسات الخنق والحصار المنتهجة في سورية.
ينعقد مؤتمر الرياض 2 الذي صرحت بأنها تشجعه، والأمل يحدوها، على ما ثبت، بأن يتفجّر أو يخرج هزيلاً، ولكن مخرجاته ربما صدمتها. فها هو مؤتمر الرياض يسحب ورقة تبعثر المعارضة، ويخرج ببيان ما توقعت أن يكون سقفه بهذا الارتفاع، وتحضر المعارضة جنيف 8 بوفد واحد، وأداء متميز عالي المهنية. ويقابل ذلك أداءٌ أخرق غير مسؤول لوفد من تحميه وتحصّنه، لتسقط إحدى دعائم الحصار الروسي للثورة والمعارضة.
من هنا، وبعد تقويض أحد أهم أعمدة الحصار الروسي هذا، لا بد من التفكير باستهداف أعمدة الحصار الأخرى عبر استراتيجيةٍ تأخذ نقاط الارتكاز التالية في منهجيةٍ تفضي إلى حصار الحصار الروسي ذاته. أولها الاستفادة من حالة الاستعجال والتوتر الروسي في جني ثمار ما فعلت في سورية، والسعي إلى تعميق تضارب المصالح الروسية الإيرانية في سورية، باستغلال التوتر الخفي بين البلدين، وخصوصا إحساس إيران بأن روسيا تحتكر الملف السوري لنفسها، على الرغم من كل ما استثمرته إيران في الحالة السورية. ويُكتفى، هنا، بذكر عناوين عناصر تلك الاستراتيجية المضادّة لقوى الثورة والمعارضة في مقاومة الهيمنة والحصار الروسي للقضية السورية:
أولا، البداية من التصدي لمؤتمر سوتشي الذي أرادته روسيا ورقةً احتياطية مراهنةً على فشل مؤتمر المعارضة “الرياض 2″، واعتبار سوتشي “مصالحةً كبيرة مهينة”، “ودمل جرح على زغل” خارج إطار الشرعية الدولية، وحرف للمسار الأساسي في جنيف، لإيجاد حل للقضية السورية.
ثانيا، إحياء دور أصدقاء سورية وتعزيزهم، والاستفادة من مواقفهم الرافضة مؤتمر سوتشي، والملتزمة مسار جنيف.
ثالثا، لا بد من العمل مع تركيا ضامنا في محادثات أستانة على ربط حضورها بعدم حضور “سوتشي”، أو الموافقة عليه، تحت يافطة أنه ليس إلا وضع العربة أمام الحصان، وأن الحوار الوطني في تسلسله في إيجاد حل سياسي في سورية يأتي بعد انتقال سياسي، يكون الأمان قد حل نسبياً في سورية.
رابعا، في مقابل مؤتمر سوتشي، لا بد لقوى الثورة والمعارضة من السعي الفوري إلى عقد مؤتمر وطني لتلك القوى، كي يظهر أن ما يمكن أن تفعله روسيا في سوتشي ليس إلا تجميعاً لمنسجمين، حسب مواصفات الأسد في حديثه عن “مجتمع متجانس”. وفي المؤتمر الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة، لا بد من تجلي الحضور الذي وجد في “الرياض 2” بكل أطيافه، إضافة إلى الذين وقفوا موقفاً سلبياً من المؤتمر، وبذلك يبرز طيف من المعارضة ينهي كل تلك المحاولات الروسية الخلبية في سوتشي وغيرها.
أخيراً، لا بد من لملمة الأمور العسكرية للفصائل، بالعودة إلى الاستفادة من آلاف الضباط المنشقين الذين حيّد دورهم، والبحث عن أدوات مقاومةٍ إبداعيةٍ لإعطاء وهج جديد لمقاومة منظومة الاستبداد ومن يحميها.
العربي الجديد