صفحات سوريةفايز ساره

كيف يستمر نظام الأسد؟!/ فايز سارة

 

 

نحو اربع سنوات مضت على اندلاع ثورة السوريين ضد نظام الاسد، وبفعل سياسات النظام وممارساته الدموية والتدميرية، تحولت اغلبية السوريين الى قتلى وجرحى وسجناء ومهجرين سواء داخل سوريا او بلدان اللجوء، التي تضم اليوم نحو خمسة ملايين سوري، وجرى تدمير مدن وقرى في مختلف الانحاء، كما جرى تدمير وتعطيل غالبية القطاعات والمؤسسات الاقتصادية والانتاجية والخدمية والمرافق العامة، واصيبت البنى التحتية من شبكات المواصلات والنقل والاتصالات والمياه والكهرباء بالدمار والتعطيل، وكلها ادت الى خروج السوريين من دوائر الفعل الاقتصادي والاجتماعي، وخروج القطاعات الاقتصادية والاجتماعية من المجالين السابقين، بحيث لم يبق من الدولة والمجتمع في سوريا في دائرة الفعل، سوى بقايا المؤسسة العسكرية -الامنية وبعض المؤسسات المساعدة في تشغيلها ودعم اجهزتها.

لقد فقد نظام الاسد معظم موارده المحلية بخروج معظم انتاج النفط والغاز من يده، وانحسر وجوده في مناطق الانتاج الزراعي الرئيسية في مناطق زراعة الحبوب والقطن في الجزيرة السورية والخضروات والاشجار المثمرة في ادلب وحوران وريف دمشق وحمص، كما فقد قدرته على تحصيل الضرائب والغرامات والقروض وغيرها، وصرف النظام احتياطاته النقدية المقدرة بنحو خمسة عشر مليار دولار على تمويل حربه على الشعب السوري، الامر الذي اضطره الى الاعتماد على موارد خارجية من هبات وقروض قدمتها ايران وروسيا ودول اخرى، قاربت ستة مليارات ونصف مليار دولار من جانب ايران وروسيا فقط، مما جعل سياساته وقراراته ومستقبله ومستقبل سوريا مرهونة لهذه الدول واجنداتها سواء ما تعلق منها بسوريا او في توجهاتها الاقليمية والدولية.

ومثلما دمر وعطل طاقات البلاد سوريا والسوريين وهدر قدرات البلاد، واستعان بالخارج لاستمرار حربه على الشعب، فقد دمر القدرات البشرية للسوريين بمن فيهم المصنفون في عداد حاضنته الاجتماعية، والقوة البشرية العاملة في اجهزته العسكرية – الامنية، والتي تشير التقارير الى مقتل اكثر من ثلث افرادها وضباطها، بعد ان فقد في اوقات سابقة نحو ثلثها في انشقاقات، عارضت سياسات القتل والتدمير التي يقوم بها، وسعى للتعويض عنهم بمليشيات لبنانية وعراقية، ومرتزقة جرى تنظيمها وتدريبها بمساعدات خارجية وخاصة من جانب السلطات الايرانية وغيرها.

وعجزت جهود نظام الاسد والدعم المتعدد الاشكال من حلفائه في حسم الوضع في سوريا، والعودة بالبلاد الى ما كان عليه الوضع قبل الثورة، بل ان الوضع تردى اكثر مع نمو وانتشار الجماعات الارهابية المتطرفة، التي خرجت من معطف النظام، وحازت على دعمه ومساعدته بأشكال مختلفة، مما استدعى تدخلاً دولياً واسعاً في اطار الحرب على الارهاب، يمثل امتداداً للتدخل الدولي في سوريا الذي فتح النظام ابوابه مع بدايات الثورة السورية عام 2011 للاستقواء على الثورة واهدافها في الحرية والعدالة والمساواة.

ويطرح واقع النظام اليوم عجزاً اضافياً في ضوء ما اصاب داعميه من مشاكل، تضاف الى مشاكله الداخلية في انهيار قدراته وموارده المالية والعسكرية، التوقف عند امرين، اولهما حال داعميه الاساسيين ايران وروسيا، حيث تواجه كل واحدة منهما مشاكل سياسية ناجمة عن سياساتها الخارجية ابرزها الملف النووي الايراني ومشكلة اوكرانيا الروسية، واقتصادية سببها الازمة البنيوية وانخفاض سعر النفط الى النصف، وانهيار كل من الريال الايراني والروبل الروسي، وما يستتبع ذلك من مشاكل اجتماعية، تهدد بانفجار الوضع في البلدين، مما يفرض على سلطة البلدين وقف دعمهما لنظام الاسد او التخفيف منه على الاقل.

والامر الثاني ما تواجهه المليشيات الوافدة، التي تقاتل الى جانب قوات الاسد في سوريا، وكلها لحقت بها خسائر عسكرية كبيرة، وفقدت في خلال معاركها كثيراً من مقاتليها، واستزف كثير من قدراتها التسليحية والمادية وخاصة حزب الله اللبناني والمليشيات العراقية، التي تمثل اكبر وجود اجنبي في البلاد، فيما تواجه في لبنان والعراق مشاكل سياسية وعسكرية، ابرزها ان انقساماً سياسياً لبنانياً، تكرس بسبب مشاركة حزب الله في القتال الى جانب نظام الاسد، اضافة الى تنامي المشاكل الامنية في لبنان بعد صعود جماعات التطرف من «داعش» والنصرة هناك، يشكل تهديداً دائماً للوضع الامني، وتوسيع هامش الاشتباكات العسكرية، التي لابد وان يكون حزب الله في أتونها، والوضع على نحو مماثل في العراق من حيث الانقسام السياسي حول الصراع في سوريا من جهة، وتمدد «داعش» في غرب وشمال العراق، والامر في الحالتين سوف يفرض انسحاباً للمليشيات اللبنانية والعراقية من سوريا، او تخفيف وجودها في الاخيرة الى حد ادنى.

ومما لاشك فيه، ان وقف او انخفاض قدرات ايران وروسيا في دعم نظام الاسد، وتراجع دور المليشيات الخارجية في القتال الى جانب قوات الاسد او انسحابها من سوريا، سوف يؤديان الى ضعف كبير في قدرات نظام الاسد على الاستمرار، بل يمكن ان يؤدي ذلك الى انهيار مفاجئ في نظام، فقد كل مقومات استمراره الداخلية السياسية والاقتصادية والعسكرية ايضاً.

المستقبل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى