كيماوي بثينة شعبان/ مالك ونوس
يكاد لا يمر يوم يأتي الإعلام فيه على استخدام السلاح الكيميائي ضد المدنيين في سورية، إلا وأتذكر تصريح بثينة شعبان، المستشارة السياسية لرئاسة الجمهورية العربية السورية، لمحطة سكاي نيوز التلفزيونية في الخامس من سبتمبر/ أيلول الماضي، وقالت فيه ما مفاده إن ضحايا الاعتداء بالسلاح الكيماوي على المدنيين في غوطة دمشق هم من مخطوفي قرى الريف الشمالي التابع لمدينة اللاذقية، من أطفال ورجال جلبهم المسلحون إلى الغوطة الشرقية، ووضعوهم في مكان واحد، وأطلقوا عليهم السلاح الكيماوي، ليتهموا النظام بالقيام بذلك. طبعاً، لا داعي للتذكير بالسخرية والتهكّم اللذين قابلا ذلك التصريح، والذي أسبغ على المسلحين صفات “سوبرمانية”، مكّنتهم، وبكل تلك الفهلوية، من أن ينقلوا أكثر من 1500 شخص (عدد ضحايا ذلك الاعتداء) من طرف سورية الشمالي الغربي إلى طرفها الجنوبي، من دون أن تكشف السلطات السورية، أو الجيش، أو الاستخبارات، أمرهم. وفات شعبان، يومها، أن عدد المخطوفين لا يتجاوز المئة، بينما ضحايا الهجوم أضعاف أولئك.
جاءت تسوية حمص، الأسبوع الماضي، على أساس اتفاقٍ تم في الثالث من مايو/ أيار الجاري بين السلطات السورية وأطراف من المعارضة المسلحة المحاصرين في حمص القديمة، لتسهيل خروجهم، بموجب شروط، منها إطلاق سراح أعدادٍ من المخطوفين، العسكريين والمدنيين، المحتجزين لدى المعارضة، لتُبيّن أن الذين خطفوا من ريف اللاذقية، واختفوا نحو تسعة أشهر، عادوا أحياء من كارثة الكيماوي المذكورة، ولتكذّب، من جهة أخرى، تصريح بثينة شعبان، وتظهر، أيضاً، التهاون الرسمي في أمر مواطنين سوريين، أقل ما يمكن أن يوصفوا به أنهم ينتسبون إلى منطقةٍ تعتبر موالية للنظام. ولم تكن هذه التسوية ما نقضت رواية مقتل مخطوفي اللاذقية في الغوطة الشرقية، بفعل السلاح الكيماوي في أغسطس/ آب الماضي، وبالتالي، كذَّبت تصريح شعبان فقط، بل جاء قبلها تصريح وزير الإعلام السوري، عمران الزعبي، في اليوم التالي لإطلاق سراح راهباتٍ سوريات كانت جبهة النصرة تختطفهن، في العاشر من مارس/ آذار الماضي، ليكذّب تلك الرواية أيضاً.
يومها، وبعد صمت رسمي طويل، قال الزعبي إن الحكومة كانت تعمل جاهدةً لإطلاق سراح الرهائن الموجودين في قبضة المعارضة في اللاذقية، من دون أن يخطر بباله أن شعبان كانت قد أماتتهم. وأعطى الزعبي بكلامه أملاً بعودتهم إلى أهلهم الذين تركوا في قراهم الموالية، البعيدة وعلى خط التماس بين مناطق سيطرة المعارضة والأخرى الموالية للنظام، من دون أية حراسة رسمية، فوجدوا أنفسهم، بين ليلة وضحاها، في الرابع من أغسطس/ آب الماضي، لقمة سائغة في فم المسلحين الذين يكنّون لهم العداء. ولم يكن الزعبي ليصرّح بما قاله، إلا بسبب ازدياد الامتعاض لدى جمهور الموالين للنظام، والذين اشتكوا من أن صفقة إطلاق سراح الراهبات، وقد أفرج بموجبها عن نساء معتقلات لدى النظام، تجاهلت الجنود والمواطنين الموجودين لدى المعارضة المسلحة بمثابة أسرى. وجاءت تلك التصريحات بعد تجاهل، أو لامبالاة طويلة، من المسؤولين والإعلام السوريين بقضية المختطفين الموالين للنظام.
قبل ذلك، لم تكن الحكومة السورية تحفل بأمر المخطوفين السوريين لدى المعارضة المسلحة، فقد كانت تجري عمليات تبادل الأسرى بين الطرفين من أجل إطلاق سراح مخطوفين أجانب (معظمهم إيرانيون ولبنانيون) في مقابل إطلاق معتقلين (مدنيين أو مسلحين) من سجون النظام. ويجري تساؤل، اليوم، عن سبب تلك الالتفاتة، ويعزوها بعضهم إلى قرب إجراء الانتخابات الرئاسية في البلاد.
العربي الجديد