كي لا يتحوّل الثوار موظّفين في مشاريع غير وطنية/ رزان زيتونة
خبايا وأسرار الدعم العسكري أعقد من أن يتم الإلمام بها من قبل من هُم خارج أُطرها أمثالنا، خاصةً وأنّها تُدار عبر أصابع استخباراتية دولية وعربية، ولا تتوفر حولها معطيات منشورة بما يمكّن من معرفة ما يحدث بصورة أوضح.
لكن يكفي ما برز حتى الآن على السطح، للجزم بأن المجتمع الدولي وبعض الدول العربية عملت ولا تزال على إضعاف الجيش السوري الحر بألويته وكتائبه ذات المشروع الوطني البحت، لصالح “القاعديين” من جهة، أو التيارات الأخرى الأقل تشدداً بدرجة، لكنها تحمل الفكر الشمولي نفسه وترتهن لسياسات مرسومة مسبقاً بأيدٍ غير سورية.
دعم الثوار يحتاج إلى دول، خاصة مع النبع المتدفق من المال والذخيرة للتيارين المذكورين سابقا. هذا صحيح، ولكن..
لا تزال الكتائب والألوية غير المرتهنة لتلك السياسات، صامدة في مواقعها، كثير منها على الأقل. بعضها لا يزال على الجبهات بجهود داعمين فرديين وبأقل الإمكانيات المتوفرة. بعضها الآخر أصبح أمام خيارات محدودة أحلاها أشد مرارة من الموت، الانهزام أو الانضمام لتشكيلات يختلف معها جذرياً في رؤيته لحاضر ومستقبل الصراع في سوريا وهويته.
ليست تلك الفصائل مثالية في تشكيلها ونضالها وأدائها على الأرض. لكنها تحتفظ بميزتين أساسيتين، مشروعها الوطني الخالص، غير المرتهن لطرف أو تيار، وصمودها حتى اللحظة رغم جميع الخيبات والإحباطات والإغراءات أيضاً، على المبدأ الذي انطلقت منه حين قررت حمل السلاح ضد نظام الإجرام.
ولا يزال تنوع واختلاف مصادر الدعم الشحيحة وأحياناً شبه المتوقفة لتلك الفصائل، أحد أهم أسباب عدم قدرتها على الائتلاف في إطار تنظيمي أوسع وجامع. وتحولُ قوانين الدول الأخرى دون تشكيل أطر علنية وشفافة لجمع التبرعات لصالح تلك التشكيلات وبما يضمن عدالة توزيعها وعدم رهنها بشروط من خارج المشروع الوطني السوري. والمعارضة “المنظمة” لم تكن بأقل عجزا عن تشكيل إطار لهذا الدعم لأسباب يعلمها الجميع.
لكن هذا لا يمنع من تشكيل هيئة ما تضمّ سوريين من مختلف بقاع العالم، من المشهود لهم بنظافة اليد والضمير والعقل! من أجل العمل على توفير دعم منظم بالحد الأدنى للثوار بشكل مدروس وحسب التقسيمات الجغرافية وحجم وأداء الفصائل على الأرض.
ليس الهدف من ذلك الدعم توفير الذخيرة، لكن بإمكانه توفير ما هو أهم مرحليا. فمعظم تلك الفصائل تستخدم القليل الذي يصلها من الدعم في شراء الذخيرة، ولا توفر أية رواتب لعناصرها أو مساعدات لذويهم الذين فقدوا المعيل بسبب توجه شباب ورجال العائلة للقتال.
هذا الدعم على تواضعه، من شأنه أن يساعد في فك “الحصار” المفروض على الثوار من “المتآمرين” المفترضين! ويعينهم على الصمود ليس فقط في جبهاتهم، بل أيضا ضمن خطهم الوطني الذي يشكل ضمانة للمستقبل في وجه التيارات القاعدية وسواها. ويساهم في التقارب بين تلك الفصائل وربما يسهل اجتماعها في اطر منظمة واسعة تتيح تنسيقا لا يزال شبه مفقود بينها.
قد تبدو تلك الخطوات بالغة السذاجة مقارنة بتعقيد الواقع وسراديبه، لكنها على الأقل، ستغني آلاف الثوار عن التحول من مواقعهم كثوار، إلى موظفين مقاتلين لدى أصحاب المشاريع غير الوطنية
موقع لبنان ناو