لئلا يتحوّل اللاجئون السوريون كبش فداء/ برهان غليون
في أكثر من مكان، تنمو النزعات المعادية للاجئين السوريين، ويزداد الضغط عليهم، ويضيق الخناق القانوني والاجتماعي والاقتصادي عليهم. ومع فشل الأمم المتحدة في تأمين الحماية والمعونة اللازمة، وإخفاق المعارضة السورية في بناء تجمعٍ، منسجم قادر على إعانتهم، تزيد مشكلاتهم، وكذا صعوبات الحياة بين ظهرانيهم، ويضطرون، أكثر فأكثر، إلى البحث عن وسائل مواربة، لتأمين ما يسد رمقهم، ومنها تشغيل الأطفال والتسول واللجوء المتزايد إلى أعمالٍ لا قانونية من سرقة واعتداء مما لا يخلو منه مجتمع.
لكن، مهما كان الحال، يشكل الارتفاع في حدة اللهجة ضد اللاجئين السوريين في الصحافة، ومن مسؤولين سياسيين، جزءاً من حملةٍ منظمةٍ، للضغط على الثوار والمعارضة، ولا يعد أمراً عفوياً. وهو من عمل جماعات وأحزاب وتيارات متعددة ومنظمة، قد يكون بعضها من مؤيدي سياسات النظام السوري وحلفائه، وأخرى من شركائه في الأحقاد البدائية، وبعضها من حلفائه في الثورة المضادة .
من دون عمليات التعبئة والشحن المنظم هذه، تحدث، بالتأكيد، صدامات ومشاحنات بين السوريين الموضوعين في حالاتٍ لا إنسانيةٍ، تدفع بعض شبابهم للقيام بأعمال مرفوضة من الأهالي. لكن، من دون تغذية هذه الأحداث بالمعاني العنصرية والاتهامات والمخاوف وتسليحها بالشعارات، تبقى في مستوى المشاحنات والصراعات المحلية والجزئية، ولا يكون لها أثر كبير على أغلب اللاجئين، ولا على مصيرهم العام.
هذا وضع قسم من المعارضة التركية، تحاول أن تستغل أزمة اللاجئين السوريين، وما يمثلونه من عبء أمني واقتصادي واجتماعي وثقافي على تركيا، لإضعاف نفوذ الحزب الحاكم، وتعبئة قطاعات من الرأي العام التركي متضررة من وجود السوريين، سواء بسبب منافستهم لهم في العمل، وما يعنيه من اتجاه إلى تخفيض أجور، أو في ما يسببونه في بعض الأحياء من ارتفاع في أجور السكن، أو ما يحدث من مظاهر ونزاعات.
طبيعي أن تستغل المعارضات في الدول نتائج سلبية لاستقبال اللاجئين، لزيادة نفوذها، وأن تتجاهل الآثار الإيجابية الأهم، سواء ما تعلق بالمبادئ الأخلاقية، بالنسبة للأمم المضيفة، وتنامي رصيد الدول المشاركة في حمايتهم، أو حتى النتائج الاقتصادية المهمة لتداولات السوريين المالية، وتوظيف قوة عملهم ورؤوس أموالهم.
لكن، إذا لم تتدارك المعارضة السورية، ومعها منظمات الأمم المتحدة، الأمر، هناك مخاطر كبيرة في أن تنقلب الشفقة على اللاجئين إلى عداء وعنصرية ضد السوريين، خصوصاً إذا ما سعت قوى سياسية متنازعة في تلك البلدان إلى استخدام قضيتهم كبش محرقة، لاستعادة الإجماع “الوطني”، وإعادة التفاهم بين الأطراف على ظهر اللاجئين وحسابهم.
وبدل أن يضيع المعارضون السوريون رصيدهم وكرامتهم ووقتهم في التنازع على مواقع وهمية، الأجدر أن يتعاونوا على وضع برنامج عمل لمساعدة اللاجئين، قانونياً وإنسانياً، بالدفاع عنهم، وتولي قضاياهم في المحاكم الأجنبية وغيرها، وتشكيل صندوق للطوارئ، يرد على الحاجات الاكثر عوزاً وهشاشة منهم، ويجنبهم التسول واللجوء إلى وسائل غير شرعية. وهذا طلبته من الحكومة المؤقتة والإئتلاف منذ زمن ولا جواب.
أعرف أن السوريين يثقلون على إخوتهم العرب وأصدقائهم وجيرانهم بلاجئيهم. لكن، هذا ليس اختيارهم. وليس الحل في تعريضهم لمزيد من الضغط والإذلال. ولمن يسعى إلى تغذية العداء لهم أقول: ليس مؤكداً أن تغذية العنصرية تجاههم ستساهم في التخفيف من حملهم، وربما عملت بالعكس على تفجير الأوضاع في الدول نفسها التي تحلم بالتخلص منهم.
السوريون المعرّضون، بعد اقتلاعهم من وطنهم، للعنصرية، بعد سنين من الخذلان، يكافحون من أجل لقمة العيش، وظهورهم إلى الجدار، وليس لديهم بعد ما يخسرونه، ولن تكون نتيجة استفزازهم سوى مزيد من المتاعب والويلات، في سورية وبلدان الجوار معا. الحل في مساعدتهم على وضع حد لمحنتهم في أسرع وقت، والعودة إلى وطنهم. هذا أفضل خيار.
العربي الجديد